الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فلاش موب».. لذة المفاجأة

«فلاش موب».. لذة المفاجأة
19 مارس 2015 20:20
ليلى خليفة (أبوظبي) يخلق الاستعراض الراقص، الذي يعرف بـ «فلاش موب» (flashmob)، مشهداً تعاضدياً بامتياز؛ أشخاص لا يعرفون بعضهم ينضون تحت راية الترفيه، معلنين تخليهم عن فرديتهم، وانسجامهم مع لوحة بشرية متحركة، في فضاء سقفه البهجة. وتتعاظم الدهشة، في ظل غياب كل مظاهر الاستعراض المعتادة؛ فلا مسرح ولا تجهيزات، كل ما يحتاجه الأمر استدعاء المفاجأة، والمضي بها قدماً، وتدريجياً ينضم أشخاص «غير متوقعين» إليه، تاركين أدواراً كانوا «يمثلون» أداءها قبل أن تصدح الموسيقى بالمكان، وتبلغ الدهشة ذروتها بانخراط أفراد، لم يكتفوا بالمشاهدة والتصفيق، بل بادروا ليكونوا جزءاً من الحدث. ولا عجب أن يتبنى «فلاش موب» الفكر التوجيهي؛ فهو منتج إعلامي بامتياز؛ ابتكره على الأرجح، الأميركي بيل وسيك، رئيس تحرير المجلة الشهرية «هاربرز»، التي صدر عددها الأول عام 1850. ومنذ نشأ هذا الفن عام 2003، وهو آخذ في الانتشار، وقد التقطت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري الفكرة، وطبقتها في أكثر من حلقة من برنامجها الحواري، الذي توقف عام 2011، مرة لترويج فكرة، وأخرى لتعزيز وعي. ووُظف الابتكار عربياً، واستخدمته جهات كثيرة لغايات عدة؛ فحدث أن اختارته جمعية «بربارا نصار» اللبنانية ، ليكون الإطار الإبداعي لمشهدية «هوارة»، تحض على الفحص المبكر للسرطان، في حين لجأت إليه شركة اتصالات كويتية للترويج لخدماتها، على وقع كوكتيل غنائي وطني حظي بمشاهدات مليونية على «يوتيوب». ومحلياً؛ أدرج «فلاش موب» على أجندة الترفيه؛ واستمتع زوّار «مفاجآت صيف دبي» في أكثر من مركز تجاري بعروض أثرت تجربة التسوق، كما كان مطار دبي الدولي مسرحاً لعروض مشابهة، خلال موسم الأعياد الماضي. ويظهر أن اختيار موسيقى «فلاش موب» وأغنياته ليس اعتباطياً، إذ يجب أن تكون إيقاعية تلهب الحماس، ويفضل أن تكون ذات صدى جماهيري، فهذه جامعة ستانفورد الأميركية تستثمر النجاح غير المسبوق لأغنية «غانغنم ستايل»، لصنع حالة فرح في حرمها. والإطار الفكري لـ«فلاش موب»، قائم على أفضل تجليات نظرية «القطيع»، للعالم وليم هاملتون، وتحديداً على جزئية تحفيز العقل الجمعي، حيث يظهر مجتمع مؤقت مكون من كائنات منصاعة لفعل الآخرين. ويفسر مشهد في فيلم «فريندز ويث بينيفتس»، مبدأ «فلاش موب» ببساطة؛ فبينما يجول بطلاه ميلا كونيس وجاستن تمبرليك في شوارع مدينة نيويورك، يبدأ شاب بالرقص فجأة على أنغام إيقاعية لتنضم إليه بقية أعضاء الفرقة رويداً وريداً، ويعلو صوت الموسيقى، ويشرع أشخاص «عاديون» بتقليد حركات الراقصين سهلة الحفظ، ليتخلى الشارع عن وظيفته التقليدية ويصبح مسرحاً مفتوحاً. وهنا تخاطب كونيس تيمبرليك، الذي يبدو مندهشاً مما يحدث: «هذا النوع من الفنون يشعرك بأنك جزء من كل، إنه يعزز شعورك بالانتماء للجماعة في مدينة ترزح تحت وطأة الفردية». وينتهي المشهد باندماج الممثليْن في الأداء، في تجسيد لقيمة الانتماء في فلسفة «فلاش موب»، الذي سرعان ما ينفرط عقدها مع اختفاء صوت الموسيقى؛ ليعود كل شخص إلى عالمه الخاص، ويتابع ما كان يفعله قبل أن يجتاحه «تسونامي» الإيقاع. وأظهرت بحوث أن الأشخاص الأقل مركزاً، أو تأثيراً يميلون إلى تقليد من هم أعلى مركزاً، أو أكثر تأثيرا من دون تفكير. وفي مقاربة النتيجة لمذهب الـ«فلاش موب»؛ يتمثل الأشخاص الأكثر تأثيراً بأعضاء الفرقة، الذين يكتسبون أهميتهم من معرفتهم المسبقة بإقامة الاستعراض، وإتقانهم الحركات الراقصة، ما يؤهلهم ليقودوا الحشود نحو عالم من السعادة، متحللين من وقارهم، ومنكرين كينونتهم. إطار غير معتاد تعد قناة «يوتيوب» منفذاً لعرض أفلام «فلاش موب»، ومشاركتها مع أكبر عدد من المشاهدين، ومنها واحد أقيم في متحف الطيران والفضاء الوطني بأميركا، حيث أدت أوركسترا قوات سلاح الطيران الأميركي باقة من المقطوعات الموسيقية، جذبت اهتمام كل مَن زار المتحف الذي تحول إلى مسرح لم يقصده الناس، بل هو من قصدهم. ورسم موسيقيو الأوركسترا على وجوه زوار المتحف البسمة، لا سيما الأطفال الذين بدا واضحاً شعورهم بالسعادة مختلطاً بالتعجب والفضول، في إحدى المرات النادرة التي يُذكر فيها سلاح الطيران الأميركي ضمن إطار غير إطاره المعتاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©