الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق يمرض ولا يموت

22 يونيو 2016 00:26
لم يكن العراق في تاريخه الحديث ملجأً أو راعياً لأي من الحركات الجهادية أو المتطرفة، ومنذ استقلاله عام 1922 وحتى احتلاله عام 2003، وهذا أمر معلوم ومعروف في الإقليم والعالم، ولسبب بسيط، هو أن نسيجه الاجتماعي يرفض تلك الكيانات ويلفظها دوماً؛ ولذلك فالأنظمة المتعاقبة في تاريخه لم تسمح بذلك، بل وأكثر من ذلك كانت ضد انتشار فكر الإسلام السياسي، أو حتى المزج بين الدين والسياسة أساساً، حيث كان مبدأ فصل الدين عن السياسة مفهوماً راسخاً.. وكانت القوانين ولأكثر من أربعة عقود، التي سبقت غزوه وسقوطه بيد «الاحتلال الأسود الجديد» صارمة، والعقوبات شديده لمن تسول له نفسه أن ينتمي لأي حركة ذات طابع ديني سياسي، وفي كل الاتجاهات، وتحت أي مسمى أو فكر أو هدف ومهما كان لون العلم الذي ترفعه أو الثوب الذي ترتديه أخضر كان أم أسود.. أو تحت أي عباءة تتستر، لقد كان العراق بلداً علمانياً، ومن قبل أن يظهر هذا المفهوم ويعرفه الناس بعقود، بل وأكثر من ذلك ومنذ قرون نشطت الحركة الفكرية والثقافية في الكوفة، وعلى يد عدد من الصحابة منهم عبدالله بن مسعود وعلقمة والأسود والحارث بن قيس، وغيرهم الكثير، وفي البصرة كان من أبرزهم، أبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك والحسن البصري وغيرهم أيضاً الكثير، ولمن يروم المزيد من المعرفة فليفتح الكتب ويستزيد، فقد برع أهل العراق في اللغة والنحو وظهر فيه «مذهبا الكوفة والبصرة في النحو»، فقد اتسم النشاط الفكري في العراق بطابع الإعلاء من شأن العقل والرأي؛ ولذا فقد عرفت المدرسة الفكرية التي ظهرت في العراق باسم «مدرسة الرأي»؛ لهذا فقد نشأ المجتمع العراقي متناسقاً ومتسقاً مع مفهومه للدين في الوسطية والمحبة والسلام والتعايش بأمان، وكان المجتمع العراقي يحمل الكثير من مظاهر التحرر الوطني من خلال محاربته للاستعمار البريطاني وعلى مدى عقود، وحركات التحرر الاجتماعي من خلال النهوض بالتعليم والقضاء على الأمية والصحة والمساواة بين الرجل والمرأة، ودعوات التحرر للمرأة من قيودها، التي كانت سائده اجتماعياً في بدايات القرن الماضي، والتي واجهت مقاومة شديدة في بداياتها كحركة تجديد، وكانت هذه مظاهر طبيعية في حركة الشعوب ومفهومها الحضاري نحو البناء والتقدم، والذي توارثته عبر آلاف السنين لتمد جسوراً بينها وبين ماض تليد ممتد يتطلع نحو بناء نهضة إنسانية، فقد كانت الحركة الثقافية والتحررية في الفكر والأدب والفن تسير سيراً يتقدم عصرها بعقود مقارنة ببلاد أخرى في ذلك الزمان، وهي نفسها التي شكلت التناغم والتنوع في نسيجه الاجتماعي وبكل أطيافه وطوائفه والمتعايشة دوماً في ود ووئام، وإلى يوم الدين، من هذا كله أتوجه برسالة إلى أبنائنا من شبابنا العربي في داخل العراق وفي كل الأوطان، ذلك النشء الصاعد والواعد، ليقرأوا تاريخهم وبإمعان، ولأننا كعرب خلقنا الله أمة واحدة، وجعلنا شعوباً وقبائل ومن المحيط إلى الخليج إلى كل شباب أمتنا أعيد وأزيد وأقول، نحن جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، لنستشف العبر ونعلم وبيقين أن الحراك الثري للمجتمع العراقي، كمثال يضرب به ويقاس، وما حققه خلال قرن من الزمان سيبقى عصياً أمام أي أفكار ورؤى تروم العودة به إلى عهود الجهل والعبودية والظلام من جديد، فهذه سلعهم الصفراء وما يعرضون ليس لها أسواق عندنا، فالتضحيات ليست بجديدة على العراق وشعبه «فياما دكت على الرأس طبول» ومهما طالته المحن فهي في عمر حضارته ستكون فترة تافهة وعارضة، ولن تطول، فالعراق قد يمرض أحياناً، ولكنه بإذن الله باقٍ أبداً، وعلى خطوط العرض والطول نفسها، ومن خريطة العروبة وبأمر من الرحمن لن يزول. مؤيد رشيد - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©