الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة الديون اليونانية... تفكيك الأساطير

أزمة الديون اليونانية... تفكيك الأساطير
11 مايو 2010 22:45
بينما بدأ الاقتصاد الأميركي تعافيه للتو، نشأت أزمة جديدة باتت تهدد الأسواق العالمية: عدم قدرة اليونان على تمويل تضخم عجز ميزانيتها، وما يصحب ذلك من مخاوف من انتشار مشكلة الديون الحكومية في جميع الدول الأوروبية وما وراءها، وهي القضية التي تسيطر على الأنباء والعناوين الرئيسية للصحف ونشرات الأخبار. هذا وقد خسر "اليورو" نسبة 12 في المئة من قيمته خلال هذا العام، بينما اهتزت أسواق البورصة الأميركية جراء ذلك، وانخفض معدل "داو جونز" بنسبة تقارب 6 في المئة خلال الأسبوع الماضي وحده. وقد تدخلت السلطات لمواجهة هذه الأزمة، فقد تعهد الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بتوفير 141 مليار دولار لتمويل خطة إنقاذ اليونان، على أن تلتزم الأخيرة بتطبيق إجراءات تقشف مالي صارمة. فهل تؤدي هذه الخطة دورها، أم تنتشر الأزمة لتشمل بقية الدول الأوروبية؟ للإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما، علينا أولاً التصدي للأساطير المحيطة بالأزمة المالية الأخيرة هذه. أولاها: هذا نوع جديد من الأزمات المالية، يسهل بالطبع الحديث عن هذه الأزمة باعتبارها ظاهرة تخص اقتصاد القرن الحادي والعشرين وحده، بسبب المنتجات المالية الحديثة التي يتسم بها، ونتيجة للتشابك الدولي الهائل بين اقتصادات الدول. ولكن الحقيقة أن الحكومات طالما استدانت لتنفق ما يتجاوز طاقتها، وواجهت مشكلات في سداد ما استدانته. وقد استمر هذا النشاط طوال الفترة الممتدة بين القرن الرابع عشر والتاسع عشر. وقريباً جداً عجزت الكثير من الدول عن سداد ديونها، ما أدى لإرغام بعضها على إعادة هيكلة مدفوعاتها من قبل صندوق النقد الدولي. وخلال الـ180 عاماً الماضية، تكرر عجز اليونان عن سداد ديونها، ما يقارب نصف الفترة المذكورة. ثانيتها: ليس في وسع الاقتصادات الصغيرة مثل الاقتصاد اليوناني التسبب في حدوث اضطراب مالي واسع النطاق. وهنا علينا أن نتذكر تايلاند التي يقل إجمالي ناتجها المحلي عن اليونان كثيراً. فقبل ثلاثة عشر عاماً، تسببت الأزمة المالية التايلاندية في حدوث أزمة إقليمية واسعة النطاق، عصفت جراءها بالبورصات وبالعملات المحلية لجميع دول شرق آسيا. فعادة ما تثير المصاعب المالية التي تواجهها دولة ما، مخاوف المستثمرين على أصولهم ومصالحهم في الدول المجاورة. وعادة ما تكون الاستجابة تراجع تمويلهم لاقتصاد الدولة المعسرة وسحب أصولهم من الدول المجاورة لها. صحيح أنه ربما تبعد اليونان عن أيرلندا والبرتغال وإسبانيا ببضعة أميال، غير أنها للمستثمرين، تبدو منطقة إقليمية واحدة مضربة مالياً واقتصادياً. ثالثتها: سوف تحل إجراءات التقشف المالي مشاكل الديون الأوروبية، وفي تفنيد هذه الأسطورة، علينا أولاً القول إن حاجة اليونان وغيرها من الاقتصادات الأوروبية إلى خفض إنفاقها الحكومي، ليس إجراءً مفروضاً عليها من قبل صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي. فما أن يتوصل المستثمرون إلى أن الدولة التي تنفق فوق قدرتها، سوف تواجه بمصاعب كبيرة في سداد ما عليها من ديون ناشئة عن إفراطها في الإنفاق، حتى يصبح خفض الإنفاق الحكومي واقعاً رياضياً. ولكن المشكلة أن التقشف المالي الحكومي لا يؤتي ثماره بالسرعة المطلوبة. ليس ذلك فحسب، بل إن الخفض المفاجئ والكبير لحجم الإنفاق الحكومي، عادة ما يؤدي إلى انكماش في النشاط الاقتصادي للدولة المعينة. ولهذا السبب فإن التقشف ليس حلاً لمشكلات ديون الدول الأوروبية. رابعتها: تقع اللائمة على اليورو في أزمة اليونان المالية الحالية. وعلى عكس هذه الأسطورة فقد نظر إلى انضمام اليونان إلى عملة اليورو في يناير من عام 2001 على أنه نعمة. وكان التقدير أن انضمام دولة ذات تاريخ طويل من معدلات التضخم العالية واضطرابات العملة، إلى شركاء اقتصاديين أكثر استقراراً سوف يساعدها كثيراً على إعادة تنظيم فوضاها الاقتصادية. وكانت المكافأة المباشرة التي حصلت عليها اليونان من انضمامها لليورو، تمكينها من الاستدانة بمعدلات فائدة أقل. وقبل انضمام اليونان إلى منطقة اليورو، كان يساوي عجز الميزانية الحكومية نحو 6 في المئة فحسب من الناتج المحلي الإجمالي. ثم قفزت هذه النسبة إلى ما يقارب 50 في المئة في عام 2009. وبنهاية العام نفسه، ارتفعت تلك النسبة لتصل إلى 115 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وبهذا المعنى فإن لليورو دوراً في تضخم عجز الميزانية الحكومية في الأزمة الحالية. ولكن الحقيقة أن اليونان ليست الدولة الوحيدة التي زادت ديونها على إجمالي ناتجها المحلي. فعلى غرارها فعلت أيسلندا والمملكة المتحدة، بل الولايات المتحدة نفسها، نتيجة لحدوث ارتفاع كبير في مديوناتها المحلية والخارجية، حتى وإن حافظت على قيمة عملاتها المحلية. والسؤال الواجب طرحه: لماذا يسهل الدائنون للدول الاستدانة بمعدل أكبر من إجمالي ناتجها المحلي، مثلما حدث لليونان؟ خامسة الأساطير: لا يمكن أن يحدث في أميركا، ما حدث لليونان. في تبديد هذه الأسطورة علينا التذكير ما قالته دول شرق آسيا في منتصف عقد التسعينيات: إن النجاح الكبير الذي حققته دول المنطقة، يعود إلى القيمة الاقتصادية التي أنتجتها هذه الدول وحدها. غير أن عاصفة الأزمات التي ضربت دول المنطقة في عامي 1997-1998 أرغمتها على تغيير تلك النبرة. صحيح أن أميركا لا تزال بعيدة جداً عن مواجهة الخيارات الصعبة التي تواجهها اليونان. غير أنه من الخطورة بمكان أن تعتقد حكومة بلاد العم سام أن في وسعها الاستدانة بلا حدود، اعتماداً على معدلات فائدة معقولة. كارمن إم. راينهارت - مدير مركز الاقتصاد الدولي بجامعة ميريلاند فينسنت آر. راينهارت - باحث مقيم بمعهد أميركان إنتربرايز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي. انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©