السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوم حمله «الحجر الأسود»

يوم حمله «الحجر الأسود»
24 أغسطس 2009 01:25
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - طرازا رفيعا من الفكر الصائب، والنظر السديد، وأصالة الفكر، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأصدقهم حديثا، وأوفاهم عهدا. بناء «الكعبة» يوضح فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في كتابه «الرحيق المختوم.. بحث في السيرة النبوية» أن لخمس وثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة؛ وذلك لأن الكعبة كانت رضما فوق القامة، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل عليه السلام، ولم يكن لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وصدعت جدرانها، وقبل بعثته -صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين جرف مكة سيل عرم انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها. واتفقوا على ألا يدخلوا في بنائها إلا طيباً، فلا يدخلون فيها مهر بغى ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس، وكانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومي، فأخذ المعول وقال: اللهم لا نريد إلا الخير، ثم هدم ناحية الركنين، ولما لم يصبه شيء تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني، وواصلوا الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم، ثم أرادوا الأخذ في البناء فجزأوا الكعبة، وخصصوا لكل قبيلة جزءاً منها. فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة، وأخذوا يبنوها، وتولى البناء بناء رومي اسمه «باقوم». يؤكد الكاتب محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد» أن قريشا قد نقلت أحجار الجرانيت الأزرق من الجبال المجاورة وبدأت في البناء. فلما ارتفع إلى قامة الرجل وآن أن يوضع «الحجر الأسود» المقدس في مكانه من الجانب الشرقي، اختلفت قريش أيهم يكون له فخر وضع الحجر في هذا المكان. واستفحل الخلاف حتى كادت الحرب الأهلية تنشب بسببه. تحالف بنو عبد الدار وبنو عدى أن يحولوا بين أي قبيلة وهذا الشرف العظيم، وأقسموا على ذلك جهد أيمانهم. حتى قرب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم، ولذلك سُموا«لعقة الدم». فلما رأى أبو أمية بن المغيرة المخزومي ما صار إليه أمر القوم، وكان أسنهم وكان فيهم شريفاً مطاعاً، قال لهم: اجعلوا الحكم فيما بينكم أول من يدخل من باب الصفا. فلما رأوا محمداً أول من دخل قالوا: هذا الأمين رضينا بحكمه. وقصوا عليه قصتهم، وسمع هو لهم ورأى العداوة تبدو في عيونهم، ففكر قليلا ثم قال: هلُم إلي بثوب، فأتى به فنشره وأخذ الحجر فوضعه بيده فيه، ثم قال: ليأخذ كبيرُ كل قبيلة بطرف من أطراف هذا الثوب، فحملوه جميعاً إلى ما يحاذى موضع الحجر من البناء، ثم تناوله محمد من الثوب ووضعه، وبذلك انحسم الخلاف وانفض الشر. وأتمت قريش بناء الكعبة حتى جعلت ارتفاعها ثماني عشرة ذراعاً، ورفعوا بابها عن الأرض ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا. وجعلوا في داخلها ست دعائم في صفين، وجعلوا في ركنها الشامي من داخلها درجا يُصعد به إلى سطحها. ووضع هُبل في داخل الكعبة، كما وضعت في داخلها النفائس التي تعرضت من قبل بنائها وسقفها لمطامع اللصوص. من أصل البيت يوضح فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في كتابه «الرحيق المختوم.. بحث في السيرة النبوية»، أن الكعبة صارت بعد انتهائها ذات شكل مربع تقريباً، يبلغ ارتفاعه 15 متراً، وطول ضلعه الذي فيه الحجر الأسود والمقابل له 10 أمتار. والضلع الذي فيه الباب والمقابل له 12 متراً، وبابها على ارتفاع مترين من الأرض، ويحيط بها من الخارج قصبة من البناء أسفلها، وتسمى بالشاذروان، وهي من أصل البيت لكن قريشاً تركتها. اختُلف في سن محمد صلى الله عليه وسلم حين بناء الكعبة وحين حكمه بين قريش في أمر الحجر، فقيل: كان ابن خمس وعشرين، وقال ابن اسحاق: كان ابن خمس وثلاثين. وسواء أصحت الأولى أم الأخرى من هاتين الروايتين فإن إسراع قريش إلى الرضا بحكمه أول ما دخل من باب الصفا، وتصرفه هو في أخذ الحجر ووضعه على الثوب وأخذه من الثوب لوضعه مكانه من جدار الكعبة، يدُل على ما كان له من مكانة سامية في نفوس أهل مكة ومن تقدير جم لما عُرف عنه من سمو النفس ونزاهة القصد. ويوضح الكاتب محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد» أن هذا الخلاف بين القبائل في وضع الحجر الأسود، وهذا التحالف بين لعقة الدم، وهذا الاحتكام لأول مُقبل من باب الصفا، يدل على أن السلطة في مكة كانت انحلت، فلم يبق لرجل منها ما كان لقُصي ولا لهاشم ولا لعبد المطلب من سلطان، وأدى انحلال السلطان إلى مزيد من حرية الناس في التفكير والجهر بالرأي. وكان هذا اليوم لا ينسى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه من أهم المواقف الصادقة والجليلة قبل بعثته.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©