الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«خيل تايهة».. وطن ينتظر من يملأ فراغه بالحلم

«خيل تايهة».. وطن ينتظر من يملأ فراغه بالحلم
19 مارس 2015 00:27
إبراهيم الملا (الشارقة) من الشخصي إلى العام، ومن مأساة امرأة إلى مأساة وطن ومن نزيف الذاكرة إلى نزيف الجغرافيا، ينقلنا عرض «خيل تايهة» في ليلة افتتاح الدورة 25 من أيام الشارقة المسرحية إلى مستويات فرجة محتدمة بالأخيلة والإسقاطات والتشظّي الملتّم على جروحه، والمتاهة الراكزة فوق ظل الألم، وذلك عبر خط أدائي متصاعد على وقع الموسيقى الحية، والغناء الشعبي المنذور لعافية الصوت وانكسار الأرواح المرهفة. شهد عرض «خيل تايهة» جمهور الأيام على خشبة قصر الثقافة مساء أمس الأول، وجاء العرض إلى الشارقة متوجا قبل أسابيع بجائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كأفضل عمل متكامل بمهرجان المسرح العربي السابع الذي أقيم مؤخرا في مدينة الرباط في المملكة المغربية، ما جعله محل احتفاء وتقدير من ضيوف ومتابعي مهرجان الشارقة في يومه الأول. العرض من إنتاج فرقة مسرح «نعم» الفلسطينية، ومن تصميم وإخراج إيهاب زاهدة، الذي أعد نص المسرحية استنادا إلى رواية: «خيل تايهة» للكاتب السوري عدنان العودة، وشارك في تنفيذه أدائيا على الخشبة كل من: ريم تلحمي، ومحمد الطيطي، وياسمين همّار، ورائد الشيوخي، وحنين طربية. مشهدية قاتمة يفتتح فضاء العرض على مشهدية قاتمة يواكبها عزف جنائزي على آلة الكمان في الجانب الأيمن من الخشبة، بينما تتلألأ شموع خافتة على الجانب الأيسر، ونستمع لموّال أنثوي مزدحم بالشجن تقول كلماته: «خيل، سمّوني وساموني يا خيل، ما نشفن عيوني، من سافر بها الليل». ينطلق بعدها العرض في نسج خيوطه السردية والبصرية وسط سينوغرافيا رمزية تجسد صورة البيئة البدوية في الريف السوري، بينما تتوافد الحكاية بتفاصيلها القريبة والبعيدة على هاجس مكثف تستحضره الفتاة (خيل) ابنة المرأة المقطوعة النسب (تايهة) التي رحل عنها أهلها جميعا في غبار القيظ، وتبناها سايس خيل لتكون في النهاية أمثولة للشتات في أراض غريبة وحالات وجدانية أشد اغترابا، تتناسل الحكايا في متن المسرحية وهوامشها، من خلال اللعب بالزمن واستحضار الشخوص الغائبين من خلال الممثلين الخمسة أنفسهم الذين ظلوا أسرى للنسق الدائري للحكاية الأصلية، وكأنها شرنقة وجودية خانقة لن يتم الفكاك من توابعها وعذاباتها، إلا بعد أن تتخلص (خيل) من لعنة النبوءة التي طاردتها طيلة حياتها، وجعلتها تعيش كابوس انتظار الموت عند بلوغها الثلاثين من عمرها، كما تخبرها النبوءة البعيدة. الخلاص الفردي تتداخل في نهاية العرض ثيمة الخلاص الفردي، مع حلم الحرية للأوطان المخطوفة من سكانها، وتأتي كلمة فلسطين التي يذكرها المعلم الأعمى في الخاتمة، وكأنها الكلمة المفتاح، لكل ما شاهدناه على الخشبة من طقس مسرحي شائك وفاتن في ذات الوقت، طقس يتفتح على الغناء والموسيقى والفرح الهارب من متناول اليد والقلب واللسان. استطاعت الفنانة ريم تلحمي بصوتها البدوي الشجي، أن تستحضر تلاوين الحنين مرة، وعتمات الأسى مراّت، إنها هنا في أول البوح وفي آخره، تطرّز صوتها وحضورها على مقاس الغياب كله، وتحت أجراس الوعد المقدّس، لأن ثمة ضوء لابد وأن يبزغ في نهاية الطريق، وأن الموت هو ميلاد آخر، وأن المتاهة المكررة بميراثها المرّ، لن تصمد طويلا أمام وضوح الرؤية. وهكذا يخبرنا مخرج العرض الفنان إيهاب زاهدة عن مصير شخوصه الماثلين أمامنا كأطياف حائرة في رواية من سديم، ولكنه أيضا يعيد تشكيل وهندسة هذه الحيرة من خلال كسر التراتب الزمني للسرد، وإقحام الماضي في الحاضر، وتنويع أداء الممثلين في نسق تجريبي ينحو لأن يكون سورياليا وميّالا لفلسفة العبث، ولكنه سرعان ما يعود بنا إلى واقعية النص وأجوائه التراثية الحميمة، مشتغلا على فضاء بصري وتشكيلي يجمع بين الأضداد، ويوائم بين الغيبي والملموس، ليجعل من حكاية (خيل) ومتاهتها الممتدة لثلاثين عاما، أشبه بحكاية وطن ينتظر من يملأ فراغه بالحلم!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©