الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة الأواني النحاسية في طريقها للاندثار

صناعة الأواني النحاسية في طريقها للاندثار
24 أغسطس 2009 01:24
شكّلت صناعة المشغولات والتحف والأواني المنزلية النحاسية على مدى قرون طويلة من الزمن، أهمّ ما برع فيه الصانع المغربي إلى جانب حرف وفنون أخرى كالنقش على خشب «العرعار» المتواجد بكثرة في مدينة الصويرة وضواحيها، وصناعة الخزف التي برع فيها حرفيون وخزفيون كبار من مدينة آسفي التي تشتهر بهذه الصناعة منذ القدم، إضافة إلى مهن وفنون أخرى كالحياكة والدباغة وصناعة السروج. في الماضي لم يكن أي بيت من البيوت المغربية العريقة يخلو من أواني نحاسية مصنوعة من النحاس الخالص، وكانت النساء المغربيات يجلبن الماء في أوني نحاسية كبيرة تسمى باللهجة الأمازيغية «أبوقال» أي الجرة. وهي تحمل على الكتف أو تشد بحبل خاص يعلق على الرأس أو الكتف كما هي عادة النساء في جنوب المغرب وهي عادة قديمة قدم الإنسانية. ولقد تفنن الحرفي المغربي، في وضع لمسات فنية على المشغولات النحاسية التي تقبل عليها الأسر المغربية، وخاصة على الأواني النحاسية الضرورية لإعداد الشاي المغربي الأخضر الذي يستهلكه المغاربة ويتطلب إعداده طقوسا وظروفا وأواني خاصة كما «الصينية» وهي التي توضع عليها كؤوس الشاي المنعنع. ولا يخلو بيت من البيوت المغربية من طناجر نحاسية صنعها حرفيون يهود مغاربة. وكان هؤلاء من أمهر صناع الأواني النحاسية، كما تفننوا في صناعة الحلي الذهبية وسك النقود وصناعة سروج الخيل وغير هذا من تلك الحرف، وهذا معروف في الوسط المغربي منذ عدة عقود، وما تزال عائلات كبيرة في مدن فاس ومراكش والدارالبيضاء والصويرة والمدن المغربية العريقة تفتخر بالأواني النحاسية التي تحمل بصمة الصانع اليهودي البارع، هذا الصانع الذي برع في صناعة دقيقة يكتسب منها المال الوفير، كما تجلب منها احترام الزبناء من العائلات المغربية. الاعتزاز بالأواني النحاسية تقول سيدة فاسية: «لا يمكنني الاستغناء عن ما أملكه في بيت العائلة من الأواني النحاسية، فأنا أعتز بها وأعتني بها لأنني ورثتها عن أجدادي، وهي قطع نحاسية أعتني بها وأعلم بناتي مهارة وكيفية الاعتناء بها، وهي تمثل الآثاث المكمل لديكور المنزل والذي يجسد عراقته، وهذا الأثاث النحاسي لا يقدر بثمن فهو مصنوع من النحاس الخالص الذي أصبح نادرا في يومنا هذا»وما تزال بعض العائلات في القرى المغربية وفي جنوب المغرب تتمسك بعادة عريقة، وهي أن تحمل العروس الى بيت الزوجية أواني نحاسية تدخل في نطاق «الجهاز العروس» وهي معدات ضرورية لإعداد الشاي المغربي، وآنية نحاسية أخرى تسخّن فيها الزوجة ماء الوضوء للزوج، كما تحمل معها آنية نحاسية يحفظ فيها حليب البقرة». سيدة أخرى قالت: «أنا لا أستعمل الآلات الكهربائية الصينية أو الكورية لطحن القهوة أو التوابل، فأنا أعتمد الطريقة القديمة باستعمال «المهراس» النحاسي الذي نملكه في بيتنا، فبهذا «المهراس» أدق حبوب القهوة والتوابل وأستلذ بروائحها الزكية المنبعثة منها. وتلك العادة تذكرني بأمي رحمها الله والتي لم تكن تعرف الآلات الكهربائية». وتتأسف السيدة المسنة لأن البنات وسيدات البيوت في عصرنا الحالي لا يستعملن «المهراس» واستعماله عادة جميلة على وشك الانقراض. وتقول عائشة (70 سنة): «قبل عقود من الزمن كانت الأواني المصنوعة من النحاس الخالص تعدّ من ضروريات البيوت المغربية العريقة ولم تكن الفتاة المغربية تذهب إلى المدرسة بل تبقى في البيت، وغالبا ما كانت تعمل على تنظيف الأواني النحاسية وهذه العملية كانت تسمى «الصقل»، وتضيف: «كنا ننظف تلك الأواني باستعمال مسحوق خاص نشتريه من نساء برعن في صنعه بمواد طبيعية». حرفيّ عريق في زقاق ضيق من أزقة مراكش أكّد أن :«النحاس الخالص أصبح نادرا، وسعره ارتفع لعشرات المرات، العائلات المغربية أصبحت تنجذب نحو الآلات الكهربائية الصينية والمستوردة، وما تعرضه الأسواق الكبرى أصبح يغري الناس ويجعلهم يعرضون عن استعمال الأواني النحاسية الباهظة الثمن، والتي لا يشتريها إلا الأثرياء والسياح الأجانب الذين يزينون بها بيوتهم.» ويقول الصانع علي: «رحم الله صناعة الأواني النحاسية، فقد تكالبت على هذه الحرفة عوامل كثيرة منها غلاء النحاس النقي في الأسواق العالمية وغزو الأواني البلاستيكية والآلات الكهربائية القادمة من البلدان الأسيوية، وقد تنكّر الشباب لهذه الحرفة العريقة، هذا الشباب الذي يفضل الهجرة للعمل في البلدان الأوروبية أو العمل في مهن أخرى تدر عليه الدخل الجيد». وتعتمد صناعة الأواني النحاسية إضافة إلى مهارة الصانع وتجربته ودقته، على النحاس النقيّ والخالص وأدوات يدوية تقليدية اكتسبت فاعليتها عبر القرون وتعاقب الأجيال والحضارات، وهي أدوات يدوية لا يمكن الاستغناء عنها لصنع تحف ومشغولات نحاسية جميلة تبهر العين وتخطف الأبصار.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©