الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا.. نحو مزيد من الاستثمار في البحث العلمي

10 مايو 2017 01:29
لأكثر من قرن من الزمن، قامت الولايات المتحدة بتشغيل ما قد يطلق عليه «آلة المعجزات». وحققت الآلة تقدماً مذهلاً بانتظام. وغيرت آلة المعجزات طريقة عملنا ومعيشتنا وعززت الدفاع القومي وأحدثت ثورة في عالم الطب، وتمخضت عن صناعات كاملة انتظمت حول الكمبيوتر والتكنولوجيا الحيوية والطاقة والاتصالات، ما خلق ملايين الوظائف. وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة مركزاً عالمياً لتكنولوجيا المستقبل مثل السيارات ذاتية القيادة والتعديل الوراثي والذكاء الصناعي والعلاج المناعي من السرطان وكمبيوتر الكوانتم وغيرها. وآلتنا مصدر حسد العالم. لكن بينما هناك دول أخرى مثل الصين تعمل بكل نشاط لتطوير آلة معجزاتها نهمل نحن آلتنا. ورغم أن العلم كان تاريخياً من الأولويات التي يجتمع عليها الحزبان الكبيران، تقلص باستمرار تمويل العلم والتكنولوجيا على مدار العقد الماضي. ومن بين أمثلة كثيرة، انخفضت ميزانية المعاهد القومية للصحة منذ عام 2003 بما يقارب 25%، مع أخذ نسبة التضخم في الاعتبار. وإذا أرادت إدارة ترامب والكونجرس أن يضمنوا بقاء الولايات المتحدة كأقوى دولة في العالم، فيجب عليهم تبني ودعم آلة معجزاتنا. ومشروع قانون الإنفاق الذي أقره الكونجرس في الأيام القليلة الماضية، يمثل خطوة جيدة، لكن مازال أمامنا طريق طويل لنقطعه حتى نستعيد ما فقدناه ونضمن صدراتنا. ولدى الولايات المتحدة، أكثر القطاعات الخاصة حيوية في العالم، حيث يحرص المستثمرون والشركات الكبرى وأسواق رأس المال على استغلال التكنولوجيا وتدشين مشروعات جديدة. وهذه الاستثمارات يحفزها في الغالب التكنولوجيا التي تتمخض عن البحث العلمي الأساسي. ويتولى أمر مثل هذه الأبحاث العلمية الأساسية عدد صغير من الشركات، لأن ثمارها غير متوقعة للغاية نمطياً، وأبعد ما تكون عن الطابع التجاري، ومن غير المتوقع أيضاً أن تحصل على براءة الاختراع. وهنا يأتي دور الحكومة. ورغم أن الاستثمار في البحث العلمي الأساسي لا معنى له نمطياً للنشاط الاقتصادي، لكنه يمثل استراتيجية رابحة لبلادنا. وعلى مدار 60 عاماً، استثمرت الحكومة الاتحادية ما يقارب «سنتاً» في كل دولار من الميزانية الاتحادية في الأبحاث بالجامعات ومراكز البحث. وفي المقابل، أنتجت هذه المؤسسات سيلاً من الاكتشافات والأجيال المدربة من أصحاب المواهب العلمية لتغذي الشركات الجديدة وتخلق وظائف جديدة. والاستثمار في حب الاستطلاع عن عالم الطبيعة، أثمر عائدات مذهلة. فاستكشاف البكتريا التي تنتعش في ينابيع المياه الساخنة أو المسطحات الملحية، أدى إلى فتح في الأدوات التي يمكنها خلق ملايين النسخ من ذرات الحامض النووي وإصلاح التحورات المؤدية للأمراض في الخلايا الحية واستخدام نبضات الضوء لحرق الخلايا العصبية. وأدت دراسة أجنة ذبابة الفاكهة إلى عقاقير قادرة على علاج سرطان الجلد. والأفكار الأكاديمية التي استمدت إلهامها من الخلايا العصبية أدت في نهاية المطاف إلى ثورة الذكاء الصناعي الذي يؤدي إلى تحول في الصناعة حالياً. وبناء أدوات قوية دون القلق بشأن الكيفية المحددة التي سيجري استخدامها فيما بعد أصبحت أيضاً استراتيجية عظيمة للاستثمار في القطاع العام. وتمخضت الدراسات الأساسية للفيزياء التي مولتها استثمارات القطاع العام عن «مسرع الجزيئات» عالي الطاقة الذي يعتبر أساساً لتطوير العقاقير والساعات الذرية التي ساعدت على ابتكار نظام التموضع العالمي (جي. بي. إس.). وأدى استثمار المعاهد القومية للصحة لأربعة مليارات دولار في مشروع الجينوم البشري إلى سرعة كبيرة في فهم الأمراض البشرية، وأطلق نشاطاً اقتصادياً بما يعادل تريليون دولار. وأخيراً، وضع معالجة تحديات الهندسة المبتكرة أساساً لصناعات جديدة. ففي نهاية ستينيات القرن الماضي، أدت المنح الاتحادية للجامعات لاستكشاف عملية انتقال الرسائل بين أجهزة الكمبيوتر إلى ابتكار الإنترنت. وساعدت منحة مقدارها 4.5 مليون دولار من «مؤسسة العلم القومية» لجامعة ستانفورد عام 1994 من أجل استكشاف فكرة المكتبات الرقمية إلى ظهور جوجل بعد ذلك بخمس سنوات. والآن، فإن الضرائب التي تدفعها الشركة وما يزيد على 40 ألف من موظفيها المحليين، تبلغ مليارات الدولارات، ما يمثل قسطاً كبيراً من الميزانية السنوية لمؤسسة العلم القومية التي تبلغ 7 مليارات دولار. وحين تؤدي الفتوحات العلمية إلى صناعات ووظائف جديدة، فإن هذه المنافع تعود فائدتها هنا على الولايات المتحدة، لأن الشركات تريد البقاء قريبة من تدفق الاكتشافات الجديدة والعمال أصحاب الخبرة. وفي الختام، فمما لا شك أن آلة المعجزات حققت نجاحاً مذهلاً. لكن المشكلة أن من يعرف تشغيلها من الناس في الحكومة ووسط أفراد الجمهور قليلون. ونتيجة لهذا تركناها تتعطل. وما لم نغير المسار ونستثمر في البحث العلمي، لغامرنا بفقدان واحد من أكبر مزايا أميركا. *الرئيس والمدير المؤسس لمعهد برود في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد. **المدير التنفيذي لشركة ألفابت الشركة الأم لـ «جوجل». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©