الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التجليد» أساس صناعة المخطوطات الإسلامية

«التجليد» أساس صناعة المخطوطات الإسلامية
22 يونيو 2016 03:04
مجدي عثمان (القاهرة) أصبح «فن التجليد» على مر العصور الإسلامية علماً وفناً مستقلاً، ولم يعد فقط المرحلة الأخيرة من أركان صناعة المخطوط، فتميزت تقنيات تنفيذه كالزخرفة وطرق التذهيب، بعد أن كان مفهوم التجليد عند العرب لا يتجاوز طريقة للحفاظ على الصفحات المكتوبة من التبعثر أو الفقد. ولم يكن هذا الإجراء إلا عبارة عن لوحين من الخشب مثبتين من الخلف بخيط رفيع من ليف النخيل، وقد كان فن التجليد في مصر والشام يسير على نهج واحد فنياً وتقنياً، إلا أنه لم يتطور في بلاد الشام كمثيله في مصر، باعتبارها منطقة مركزية لرعاية واهتمام الحكام خاصة الفترة المملوكية، على غير الأقاليم التابعة لها، الأمر الذي جعل القاهرة تفوق العالم الإسلامي بهذا الفن خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، وامتازت أغلفة تلك الفترة بتنامي استخدام الزخارف الهندسية التي كان لها أثر واضح في عصر المماليك، إضافة إلى الزخارف النباتية التي كانت تغطي سطح جلدة الكتاب كلها، وكانت أول نسخة مكتوبة على شكل كتاب قد نسخها الصحابي الجليل زيد بن ثابت. ويرتبط فن التجليد بصناعة الدباغة، حيث كان الغلاف يتم صنعه من أنواع محدودة من الجلد مستخرجة في الغالب من الأبقار أو الماعز، مما ساعد على انتشار صناعة الدباغة في مصر واليمن والأندلس، باعتبارها منارات صناعة وتأليف الكتب. والمعروف أن القرآن جُمع في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان بن عفان على صحائف الرق، وكتبت منه نسخة واحدة وضعت صحائفها بين دفتين لحفظها، لذلك أطلق على القرآن الكريم اسم «المصحف»، وقد ذكر الجاحظ أن تسمية المصحف مأخوذة عن الحبشة، و«المصحف» هو الذي يحفظ الكتاب ويسهل استعماله ويصونه في تماسك وجمال، وقد نقله العرب عن الأحباش. وقد استمر المسلمون في تطوير التغليف وخاصة للمصاحف في صدر الإسلام وعهد الدولتين الأموية والعباسية. وأقدم أغلفة الجلود ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، أما الوصف الفني للغلاف، فقد ظهر على يد الأقباط في مصر، وعلى يد الأويجور في آسيا الوسطى في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وكان التشابه بينهما كبيراً، كما أن أقدم النماذج لفن التجليد الإسلامي ظهر في مصر وتونس، خاصة ما ينتمي إلى الفترة الطولونية «868 - 905م». وأقدم النصوص التاريخية التي وصلتنا عن المُجلدين ما ورد في كتاب الفهرست لابن النديم، الذي صنفه في العصر العباسي سنة 377 ه، حيث ذكر أسماء عدد من المجلدين الذين عرفوا واشتهروا آنذاك، ومنهم ابن أبي الحريش الذي كان يعمل في خزانة الحكمة التي أنشأها المأمون، وأبو عيسى أبن شيران وآخرون، ومنهم أيضاً من أتقن صنعة التجليد إلى جانب كونه خطاطاً ورساماً ماهراً مثل علي بن محمد الوراق، والذي كان مقرباً من الخليفة المنصور صاحب بغداد، وفي نفس الفترة التاريخية التحقت ببلاط الخليفة الخطاطة درة، والتي كانت تجيد التجليد والزخرفة. ويُعد كتاب «زينة الكتبة» للرازي من أوائل المؤلفات التي تحدثت عن فن التجليد وصناعته، فنقل عنه كل من تصدى بالكتابة في هذا المجال، ومن تلك المؤلفات «عمدة الكتاب وعُدة ذوي الألباب» و«التيسير في صنعة التسفير» لبكر الإشبيلي 628ه، والذي شرح فيه طرق التجليد والنقش التي كانت على عهده ببلاد المغرب، و«صناعة تسفير الكتب وحل الذهب» لأبي العباس أحمد بن محمد السفياني 1029ه، و«كيفية تسفير الكتب» لعبد العزيز بن أبي بكر الرسموكي 1065ه، و«نظم تدبير السفير في صناعة التسفير» لابن أبي حميدة 737ه. ومن جهة أخرى وردت بعض التفاصيل عن الخامات المستخدمة في فن التجليد مثل ما ذكره الجغرافي «المُجلد» محمد بن أحمد المقدسي في كتابه «أحسن التقاسيم» 380ه، من أن مصر كانت تشتهر «بأديم جيد صبور على الماء، ثخين ليّن»، وأن اليمن كانت معدن العصائب والأُدم والعقيق والرقيق، وذكر أيضاً عن صناعة الغراء الذي استخدمه المُجلدون في الشام واليمن والمفاضلة بين غراءات النشا والأشراس. وقد لعب فن تجليد المخطوطات الإسلامية دوراً رئيساً في تطوير فن التجليد الأوروبي تقنياً وفنياً، ووضح ذلك في استنباط المُجلد الأوروبي لشكل الغلاف على هيئة صندوق، والذي كان معروفاً في مصر والقيروان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©