الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ربيع جابر يقدم نظرة عميقة إلى حروب لبنان

25 يونيو 2008 02:07
صدر بصورة مشتركة عن ''المركز الثقافي العربي'' و''دار الآداب'' في بيروت مؤخرا رواية جديدة للروائي اللبناني ربيع جابر بعنوان ''الاعترافات'' وتقع في 142 صفحة متوسطة القطع· وفي هذه الرواية قد يجد القارئ نفسه يتعامل مع ربيع جابر في القسم الأول من روايته الأخيرة ''اعترافات'' بطريقة ما اسماه العرب القدامى ''المدح في معرض الذم'' فيأخذ عليه أنه عندما ''يشبه غيره'' يصبح نتاجه اقل جمالا؛ غير أنه مع نمو الرواية واقترابها من نهايتها يكتشف أنها عمل فيه كثير من التفرد، فبطل رواية ربيع جابر تسكنه نظرة خطيرة ومختلفة الى الحروب التي سميت الحرب اللبنانية وكان مسرحها ''البلد الصغير'' ارضا -ونفوسا الى حد ما- بين سنة 1975 وسنة ·1990 وكان ربيع في أعمال سالفة له قد تميز عن كثير من الكتاب اللبنانيين الذين تناولوا موضوع الحرب اللبنانية في أنه في بعض الأحيان وأن باختصار غاص عميقا وبصراحة في هذه الحرب ولم يقع في التسطيح والتبسيط في تناوله أسبابها ونتائجها كما لم يقع في شرك كتابة ''تاريخ مزور'' عبر ما عرف تقليديا بانه تكاذب متبادل اشتهرت به السياسة اللبنانية بتغطية الواقع بنيات طيبة مصطنعة وعدم التجرؤ على الصراحة والتكاشف وهما أهم أسباب ''الشفاء'' الجماعي· ويطرح جابر في الرواية قصة تشبه فواجع متعددة عرفت في الحرب إلا أنه يحولها إلى حالة رمزية رهيبة وصارخة حتى في هدوئها· وربما أخذ عليه القارئ هنا أنه في بعض وصفه للأحداث والحالات بدا كأنه يشبه آخرين في التكرار والتفصيل وإن كانت الغاية سعيا الى تركيز ما يريده في ذهن القارئ· إلا أن عمله ككل هو بين أعمال أخرى تناولت الحرب الأكثر غوصا في النفس الإنسانية· موضوع الرواية الذي يشبه وقائع عرفت خلال الحرب تناول فترة سوداء وربما الأكثر سوادا في تلك الحرب··انها فترة الخطف والقتل على الهوية· عائلة كانت تنتقل من القسم الغربي من بيروت· ضل الأب السائق طريقه ووصل الى حي في القسم الشرقي حيث واجهته مجموعة على رأسها أب خطف '' الطرف الآخر'' ابنه الطفل ثم قتله· انه يريد انتقاما لا يشبع· اطلقت النار على ركاب السيارة فقتل جميع أفراد العائلة باستثناء ولدها الصغير· وفي جو ''ضبابي'' من حيث وصفه يكتشف الأب المفجوع الطفل الذي كان في عمر ابنه القتيل فلا يقتله بل يأخذه الى بيته ويربيه· في عمق أعماق الحقد رأى فيه طفله البرئ الراحل· جميع الاطفال متشابهون كما يبدو بل كما يجب أن يكون الأمر· نشأ الولد في البيت واحدا من العائلة· عومل بمحبة إلا أنه كان دائما يشعر بغرابة في النظرات وبعض التصرف· انه هنا بعد أن كبر يتذكر أمورا غائمة ويصف لنا أيامه· يقول عن ابيه ''الجديد''·· ''ابي كان يخطف الناس ويقتلهم· اخي يقول إنه رأى ابي يتحول في الحرب من شخص يعرفه الى شخص لا يعرفه· هذا أخي الكبير· أخي الصغير لم أعرفه·· أعرف صورته·· أعرف وجهه·· يشبهني في الصور -كان يشبهني- اكثر مما يشبه أخي الكبير· اسميه أخي الصغير وكنا كلنا في البيت نسميه·· في رؤوسنا نسميه·· حتى من دون أن نذكره ونحن نحكي· كانت صوره تملأ البيت· ماذا كنت أقول؟ اسميه أخي الصغير ولم يكن أخي الصغير ولكنه الصغير لانه ظل صغيرا·· لانه لم يكبر·· لانهم قتلوه وهو صغير·'' وبعد موت ''الوالد'' يقوم الأخ الأكبر الذي كان قد تحول الى مقاتل في الحرب بمصارحة ''أخيه'' الأصغر بحقيقة ما جرى· وكان الأخير قد صار طالبا في الجامعة الأميركية في بيروت· كان هذا الأصغر طوال سنوات يشهد في ما ظنه احلاما·· صور ووجوه تأتيه فلا يفهم منها شيئا ولم يكن يدري انها ذكريات عن عائلته الأولى· في هذا القسم اي من وفاة الوالد ومعرفة الشاب قصته الحقيقية تتخذ كتابة جابر دفعة حياة جديدة مؤثرة عميقة وموحية تغور في أعماق النفس بشكل أفضل مما عرفناه في القسم السابق· يقول البطل عارضا لنا بعض ما كان يمر فيه ''احيانا كنت أرى أمي في المنام· أرى أمي الأولى وأرى أمي الثانية· كنت أرى أمي التي ماتت وهي تبكي وتمسك بيدي وانا أجلس جنبها على سريرها·· اذكر الصبي الذي كان انا كان يتقافز حول السرير ·· أرى ايضا أمي الأخرى: الأم التي خرحت من بطنها والتي افكر دائما انها ماتت وهي تحميني أنا وأخوتي من الرصاص الذي حطم السيارة···'' وفي ما يبدو حالا من حالات انفصام فرديا ووطنيا أن شئنا التعميم يتابع هذا الشاب حياته بعد حالات من المرض كادت تقضي عليه وقيل له انها حالات نفسية· انه محكوم بالحياة في نمط أو أنماط معينة منها· حاول أن يكتب ''مناماته'' لكنه لم يوفق في نقلها· إلا أن على الحياة ان تستمر· و''صرت أرى منامات أقل وأرى منامات لكنها لا تتعلق بزمن الطفولة· مرت السنوات وبيت الذاكرة تكاثرت غرفه· ذكريات جديدة ترقد فوق ذكريات قديمة·· طبقة تدفن طبقة· مناماتي تغيرت·'' اما كيفية تحول شخص من هذا النوع بفعل الحياة هذه فنقرأ عنها بلسان البطل واصفا عمله في الجامعة وحياته في محيطها واصدقاءه القليلين·
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©