الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنَّها سُفُنُكِ القادِمَةُ

إنَّها سُفُنُكِ القادِمَةُ
9 مايو 2017 20:00
ثمّة بَهاءٌ نادرٌ في مَصابيحِ دلالاتِ مَعاني السَّفينَةِ والحُبِّ.. «السفينةُ» مَنْزلٌ، و«الحُبُّ» منزلٌ، كِلاهُما إِبْحارٌ لأَجلِ «الحَقيقةِ»، هناكَ «البَحْرُ الاعْتِياديُّ» في حَيِّزِ الجُغرافيا والبِيئةِ الطَّبيعيَّةِ، وهذا الخاصُّ بالسفينةِ، وهُناكَ «بَحْرُ الهَوى»، الحُلُمُ والتَّجريدُ والحِسُّ والواقعُ والحَياةُ الإنسانيةُ والعاطفيَّةُ وجوانِبُها، وهذا الخاصُّ بالحُبِّ. الصَّميميَّةُ والحَقيقةُ في حياةِ البَحرِ والحُبّ السفينةُ والحُبُّ صَميميّانِ، أيّ حَقيقيّان، لا يُؤدّيانِ أدْواراً، ولا يُمثّلانِ، ولا يَستَعْرضانِ، و«الصَّميميَّةُ» في البَحرِ والحُبِّ الْتِزامٌ وثِقةٌ مُتبادلانِ وإنسانيّانِ. و«البَحّارةُ» و«العاشِقونَ» «صَميميّونَ»، أيضاً و«البَساطةُ» و«البراءةُ» من سِماتِهمْ، وفي هذا انْحيازهمْ للإنسانيَّةِ. السفينةُ والحُبُّ يَسْعَيانِ إلى تَحقيقِ «الْمَعْرِفَةِ الحَقيقيَّةِ» التي هيَ عَمليَّةُ الوُصولِ إلى جَوْهَرِ الأشياءِ، مَعْرفَةِ المجْهولِ والْمُختَلِفِ والمُتَنوّعِ والاسْتِثناءِ والمُتَمّيِّزِ. عَدَمُ تحقيقِ الحَقيقةِ في حَياةِ «السَّفينةِ»، نَفْيٌ لوُجودِها ذاتِهِ، فَضْلاً عَنِ الخُسْرانِ، كما أنَّ عَدمَ تحقيقِ الحَقيقةِ في حَياةِ «الحُبِّ» معناهُ خَطرٌ على وجودِ «الحُبّ» ذاتِهِ، أو تهديدٌ لهُ، ونُقصانِ الوَهَجِ، أو زوالِهِ. وعدمُ تحقُّقِ «الحُبّ» في جوانِبِهِ التطبيقيةِ والوُجوديَّةِ مَعناهُ وَقْتٌ مِنْ حَجَرٍ، حينَ تَغْدو الحَياةُ مُجَرَّدَ انْشغالاتٍ، وتَجارِبَ، وانْغِماسٍ «ماديٍّ»، فيها الجَذْبُ في الظاهِرِ وفي بعْضِ التفاصيلِ، ولكنْ مَعَ مُرورِ الوَقتِ، تَتَكَشَّفُ نَواحي الكآبَةِ والجَفافِ والتَّمَزُّقِ والشَّقاءِ والشُّروخِ، تبْرُزُ الذاتُ المطحونَةُ في ذاتِ الْمَرَحِ الصَّاخِبِ. أَيَّتُها السَّفينةُ، أيُّها الحُبُّ، أنتُما جَوْهَرٌ. مَنْ مِنْكُما النَّقْشُ الأَعْلى؟ «السَّفينةُ» و«الحُبُّ» هما أدواتُ «البَحَّارةِ» و«العَاشِقينَ» وقواعِدُهُمْ في الحَياةِ، هل يوجدُ واحدٌ مِنّا بلا سَفينةٍ، بالمعْنى المُجَرَّدِ للسَّفينةِ؟ نَعَمْ يوجدُ، ولابأس، ولكنْ، هَلْ يُوجَدُ واحدٌ مِنّا بلا «حُبٍّ» بالمعْنى التَّجريديِّ-التَّطبيقيِّ؟ إذا كانتِ الإجابةُ: نَعَمْ، فالنتيجةُ هاويةٌ، إذنْ فالحُبُّ أَهَمُّ، كونُهُ مَصدَرَ اليَنابيعِ، والسَّفينةُ، بذلكَ، تَتنازلُ للحُبِّ، فهيَ المُتَّكَأُ في الشِّعْرِ، والوسيلةُ في الحَياةِ، والحُبُّ هُوَ القاعدةُ والقامَةُ والغايَةُ والْمَسارُ، سَيِّدُ المقَاماتِ والمَواسِمِ والفُصولِ والوقتِ والأَزْمِنَةِ. في جَماليّاتِ الأُسْطورةِ البَحْريَّةِ الأُسْطورَةُ البَحْريَّةُ غَيْرُ مَفْصُولَةٍ عَنِ الحُبِّ في سِياقِ السَّرْدِ والشِّعْرِ والمُغَامَرَةِ والحَياةِ، وهيَ نَضْحُ عامٌّ تُنْتِجُهُ شُعوبٌ على مدى أَجيالٍ مُتعاقِبَةٍ لِواقِعٍ عِيانِيٍّ مِنْ سُفُنٍ راحِلَةٍ للتِّجارَةِ أو الغَوْصِ أو الصَّيْدِ، أو مَهامَّ حَياتيَّةٍ أُخرى، وما يَرْتَبِطُ بذلكَ مِنْ حَياةٍ اجْتِماعِيَّةٍ، وغَيْرِها، حَيْثُ الأُسْطورَةُ جاءتْ مِنْ تَجْرِبَةٍ مُتكامِلَةٍ مِنْ وَعْيٍ وصِناعةٍ وخُطَّةِ عَمَلٍ، كَما تُعَبِّرُ عَنْ مَسعىً إنْسانيٍّ يَعمَلُ عَلى صِياغَةِ حَياةِ الفَرْدِ وإنتاجِها بِصيغَةٍ جَمَاليَّةٍ، القَصْدِ والكَيْنونَةِ، والحُبِّ والثَّرْوَةِ، والعَيْشِ في العَالَمِ حَقيقةً. تماماً، الأُسْطورةُ البَحْريَّةُ قُوَّةُ حَياةٍ هائلَةٌ، كَشُحْنَةِ الكَهرباءِ تُضيءُ مَنْ تَمَسُّهُ مِنَ النّاسِ في حُقولِهِمْ وأَماكِنِهِمْ، وهيَ تَفْتَحُ بابَ الخَيالِ الجَميلِ، سواءٌ بالنَّظَرِ إلى البَحْرِ، وزُرْقَتِهِ، والتَّفاعُلِ مَعَ الطَّبيعَةِ مِنْ حَوْلِهِ، ومَعَ مُحْتوياتِهِ، أسماكِهِ المُلَوَّنَةِ، طَحَالِبِهِ، مُرْجَانِهِ، مَحارِهِ، أو بالنَّظَرِ إلى الحَبيبةِ، والانْشِدادِ إلَيْها، مِنْ عَتَبَةِ الجَسَدِ، إلى الرُّوحِ، إلى الجَوْهَرِ. عَتَبَةُ وَطَنٍ عَتَبَةُ بَحْرٍ وَجَبَلٍ وصَحْراءَ والوطنُ، التاريخُ والحاضرُ والمستَقْبَلُ، هُو الحاضِنَةُ المِثَالِيَّةُ والطبيعيَّةُ لِسُفُنِ الخليجِ العَرَبيِّ، على مَوانئهِ وشُطآنِهِ تَطوَّرْتْ صِناعَةُ السُّفُنِ، ومِنْها انْطَلَقَتْ إلى المَوْجِ، سُفُنُهُ الوَضيئَةُ، لِتَحقيقِ الجَمَالِ في الحَياةِ، والفَرَحِ، وقدْ كانتِ السُّفُنُ ذاتَ أحْجامٍ، ومُسَمَّياتٍ، مُختلِفَةٍ، عَاكِسةً بذلكَ تَنَوُّعَ مَهامِّها البَحْريَّةِ، واحتِياجاتِها: تجارةٌ، غَوصٌ، صَيدٌ، نُزهةٌ، (أو مهامُّ حَربيةٌ، كتلكَ التي كانتْ مُقاوَمَةً عربيةً لدُخولِ الاستعمارِ الْمِنْطقةَ بَدْءاً مِنَ القَرنِ السّابِعَ عَشَرَ الميلاديِّ، ومَا تَلاهُ). أُحِبُّ البَقاءَ في السَّفينةِ وأُحِبُّ الخُروجَ منها في أيْقُوناتِ الحُبّ وبِحارِ السَّفينَةِ مَدٌّ وجَزْرٌ، ومَدائنُ الوَلَهِ المُنْتصِرَةُ، تُحافظُ على نَصْرِها، وغَيْرُ المُنْتَصِرَة بَعْدُ، تَسعى. ونَتدافَعُ، نكتُبُ تاريخَ مَلكَةٍ كمَا يَنْبَغي لحاضِرِها، ولتلْكَ التي نَسِيَتْ تَاجَها عندَ كُلِّ عاشقةٍ في كتابِ الوَجدِ، ولتلكَ التي لَمْ تَجدْ لها مَكاناً في «الكتابِ العَاطفِيِّ»، بَعْدُ، نَتَوسَّلُ لها بالسِّرِ، أنْ تَجِدَ لها صَفْحَةً فيهِ، أو عُنواناً، أو فِقْرَةً، أو حَتى سَطْراً أو كَلِمةً، ولتلكَ التي ظَنَّتْ أنْ تَركَبَ سفينةَ الحَياةِ والبَحْرِ، بِلا مُؤانَسَةِ سَفينةِ الحُبِّ لها، واهِمةً، نَسِيَتْ وَجْدَها، هيَ تَسْتَبْدِلُ بالزُّهورِ الطبيعيةِ الزُّهورَ البلاستيكيَّةَ، وبالقَلَمِ العاطفيِّ القَلَمَ الماديَّ، وبالحدائقِ المُعلَّقَةِ، تلكَ المُحْتَرِقَةَ. سُّرَّ مَنْ عَزَفَ الحُبَّ والسفينةَ، سِيمفونِيَّةً.. (1) وَحْدَهُ اللَّيْلُ يَحْلُمُ عَلَّمَني الانْتِظارْ وَحْدَها السَّفينةُ تَمضِي لا بَحارْ وَحْدَها الأَطْيارُ تَسيرُ سَمِعَ أَنينَها الطّينُ وَغَدَتِ انْشِطارْ خُطُواتُكِ التي بَحَثَتْ عَنّي بَحَثْتُ عَنْها لا أَثَرَ.. غُبَارْ. حلقة وصل تقول الشاعرة الكويتية «الغربية»: في الزمن القديم، كان التواصل بين الدول المجاورة يكاد يكون معدوماً، فضلاً عن غير المجاورة، لانعدام المواصلات، ولم يكن هناك تواصل إلا عن طريق التنقل بغرض التجارة. التجارة وتبادل المصالح وحدهما صنعا حلقة وصل بين البلدان وتجاوزَ ذلك إلى القارات الأخرى غير العربية باستخدام المحامل. ولم تكن الفائدة اقتصادية فحسب وإنما اشتملت على جميع جوانب الحياة، واكتساب كل ما هو جميل من الحضارات الأخرى، مثلاً: تعرّف الخليج على التوابل والشاي من الهند، وهناك الكثير من المفردات الهندية والتركية التي خالطت اللهجة الخليجية، واكتساب خبرات الطب الشعبي القديم، وثمة عادات ليست عربية ولا خليجية تم اكتسابها من أوروبا كفستان الزفاف الأبيض، كما عرف إلى ما قبل العهد الإسلامي رحلة الشام واليمن. ولا شك أن هذا التواصل الذي أنجزته المحامل كان له أثر عميق ومتأصل في امتزاج الحضارات بين القارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©