نحن والمرايا

المرآة والإنسان ثنائية ملتبسة، ليس من جانب اللوح البلوري العاكس للتفاصيل، وإنما من جانب التفاصيل العاكسة لذرات البلور الإنساني، وهي ليست ذرات فقط وإنما طاقة غير ملموسة تحدد توجهات ورؤية المرء الإيجابية والسلبية، وبذلك نكون أمام مرآتين لا ثالث لهما، الأولى وهي اللوح الزجاجي الخارجي الذي نستغله لنبرر رضانا، والمرآة الثانية تكمن في نسيجينا المادي والروحاني، أمام المرآة الثانية نقف عراة مجردين من كل إضافات، لكن المشكلة تكمن في كيفية الإنصات لما تبثه ذبذبات البلور الداخلي· ارتبطت المرآة بالمرأة على مر العصور، حتى لا تكاد تخلو حقيبة من مرآة، ناهيك عن المرايا الأخرى في الأماكن المختلفة· وحتى لا نظلم المرأة، هنالك فئة من الرجال ترتبط بالمرآة ارتباطاً واضحاً، لكن إن وجدت مرآة في جيب سترته أو في درج مكتبه، فإن تصنيفه من قبل الغير جاهز ولا يقبل التشكيك· هل نحن في حاجة إلى كل هذا الانشغال بأنفسنا كي نبدو جميلين، ووسيمين، ومقبولين ؟ وهل هذا الانشغال نوجهه لأنفسنا أم للآخرين؟ ولكن إذا كانت الإضافات من ملابس وعطور ومساحيق يمكنها تجميل أشكالنا، فهل هي كافية لتعكس جوهرنا؟ مرآة المبدع أعماله، يرى نفسه فيها رغم كل من يجلسون أمامه أو يحيطون به أو يستمعون إليه أو يشاهدونه، ويرتبك حين يرغب في رؤية ذاته في عيون الآخرين، لأنه يكون قد انفصل عن مكنوناته، فالمرآة في داخله، وفي العمل الذي يؤديه، وليس في العيون التي قد لا تعكس سوى مشاهد جامدة، وتكون في عالم آخر أحياناً· يقولون إن المبدع يكتب ذاته على الورق، والمرأة ترسم ذاتها على الهواء، تسير وفي مخيلتها آلاف المرايا، وتحاول معرفة ما يدور على سطوحها بشأنها، وإذا انشغل المبدع بما تنشغل به المرأة سيكون إبداعة وفق ما يراه الآخرون، وليس وفق ما يتدفق به أو يهطل على ذاته من مطر تلقائي· ولهذا، فإن أول نصيحة يسديها كاتب صادق مجرب لآخر ناشئ هي: كن ذاتك·· ترى، هل تستطيع المرأة أن تكون ذاتها، بمعزل عن المؤثرات الخارجية، وإلى أي مدى يمكن للرجل إقناع الآخرين بأهميته عن طريق ما أهلته به المرآة ؟ المساحيق كلها تسقط في لحظة ما، المرأة حين تغسل وجهها أو تتحدث، والرجل حين تطول الجلسة ويتحدث، الحديث هو القاسم المشترك بينهما، وهو العاكس للثقافة والسلوك، حتى أن الرائحة تزول مع مرور الوقت وطول الجلسة، فيطفو العطر الحقيقي للإنسان· الوقوف أمام المرآة أمر ضروري، لكن الوقوف أمام ذواتنا أمر مصيري·