الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رهان سياسة العصا والجزرة في أفغانستان

10 مايو 2010 20:23
ستيفن بيدل باحث بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي كادت الزيارة التي يؤديها كرزاي هذا الأسبوع إلى واشنطن تُلغى تماماً بسبب انزعاج الإدارة الأميركية من محاولته حشو مفوضية الانتخابات الأفغانية بمؤيديه المستعدين دائماً للتغاضي عن التزوير الانتخابي، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على الزيارة، لاسيما بعد تهديد كرزاي بالانضمام إلى "طالبان". وفي خضم الجدل الذي أثاره ذلك التصريح وما أعقبه من صخب بدأت واشنطن تتساءل عما إذا كان كرزاي ما زال شريكاً مناسباً للولايات المتحدة في أفغانستان؟ والحقيقة أن سؤالا من هذا القبيل ينطوي، في حد ذاته، على خطأ كبير، ذلك أن دروس التاريخ تثبت لنا أن الشركاء المحليين قد لا يكونون عادة مناسبين بالضرورة ومنذ الوهلة الأولى، وهذا ما يؤدي أصلا إلى اندلاع حركات تمرد في بلادهم، فالتمرد يعني بالضرورة وجود مشاكل في الحكم، ولو كانت القيادة المحلية فعالة منذ البداية لما ظهر خطر التمرد على السلطة ورفع السلاح في وجهها. كما أن التمرد لا يعني أيضاً بالضرورة أن المشكلة تكمن في القائد أو الزعيم، فقد جرت العادة بالنسبة للأميركيين مثلاً أن يسعوا إلى إصلاح الأمور بتغيير القائد واستبداله بشخص آخر يُعتقد أنه أفضل وأقدر على تحقيق النتائج المرجوة. وبالرجوع قليلا إلى عام 2006 كان رئيس الوزراء العراقي المالكي يواجه أسئلة مشابهة لما يُطرح حول كرزاي اليوم، وكان التساؤل المطروح حينها عما إذا كان المالكي قد استنفد أغراضه وفشل في تحقيق الاستقرار إلى درجة تحتم على واشنطن استبداله. وفي السياق نفسه قررت واشنطن استبدال القائد الفيتنامي "نجو دين ديم" الذي اعتبرته فاسداً وغير قادر على الحكم من خلال السماح بحدوث انقلاب أزاحه من السلطة. ولكن في الوقت الذي استطاع فيه المالكي، الذي ظل في السلطة، خفض حدة العنف وضمان حد أدنى من الاستقرار، فشلت القيادة الفيتنامية البديلة في دعم الجهود العسكرية الأميركية كما كانت تطمح إلى ذلك الولايات المتحدة؛ ولذا فإن السؤال الحقيقي ليس فيما إن كان كرزاي ما زال شريكاً مناسباً، بل هو حول الطريقة التي تساعده على توحيد حكومته وحشدها وراءه، والجواب هو بتغيير الحوافز، فالولايات المتحدة تحتاج إلى برنامج متماسك ومتوازن يجمع بين العصا على المستوى الشخصي غير المعلن وبين الجزرة على الصعيد العلني، بهدف دفع الحكومة الأفغانية تدريجيّاً نحو الإصلاح. ولكن السياسة الأميركية مع الأسف تأرجحت منذ عام 2001 بين طرفي نقيض فيما يشبه الانفصام في الشخصية، فقد تعاملت إدارة بوش مع كرزاي كبطل متوج مغدقة عليه المساعدات السخية في الفترة بين 2001 و2008 دون أن تطلب منه الكثير، هذا في الوقت الذي نسج فيه بوش علاقات شخصية متينة مع كرزاي معبراً عن تقديره لشجاعته لمواجهته "طالبان" في عام 2001، والنتيجة أن هذه المقاربة القائمة على تقديم الجزرة وغياب العصا فشلت في دفع الحكومة الأفغانية إلى تجاوز ثغراتها الكثيرة، بل لقد ساء الحكم في البلاد وتدهور الوضع أكثر. وفي المقابل سعى أوباما إلى قلب هذه المعادلة المختلة بتدارك أخطاء سلفه، وهو ما أفرز مطالب متشددة بالإصلاح صاحبتها تهديدات علنية بوقف المساعدات وانسحاب أميركي مبكر من أفغانستان، ولكن خطاب الإكراه العلني الذي مورس على حكومة كرزاي جاء بنتائج عكسية، ودفعه إلى الإصرار على مواقفه دون أن يعني ذلك أن العناد من السمات الشخصية المعروفة عن الرئيس الأفغاني، ذلك أن تقاليد السياسة الأفغانية ستدفع بالضرورة أي رئيس مهما كان إلى مقاومة التحذيرات الأميركية حتى لا يبدو في نظر شعبه مجرد دمية تحركها أميركا. كما أن بلداً مثل أفغانستان تتجذر فيه ثقافة الخوف والريبة من الأجنبي سيواجه أي ضغط علني بالمقاومة والتعنت بغض النظر عن الشخص الذي يتولى الحكم، وهي سياسة مناقضة لتلك التي اعتمدها بوش لتركيزها على العصا دون الجزرة. وبرجوع أوباما إلى سياسة الجزرة مرة أخرى كما يحاول اليوم بتقربه من كرزاي يكون يكرر بهذه الطريقة أو تلك أخطاء بوش. والحقيقة أن ما تحتاجه السياسة الأميركية تجاه أفغانستان هو التحرك نحو الوسط بإقامة التوازن بين محفزات علنية وضغوط سرية، فالمشكلة من الاستعصاء بحيث لن تنفع معها الجزرة لوحدها، أو العصا بمفردها. وإذا كانت أفغانستان تعاني من حكم سيئ فمرد ذلك ليس فقط إلى افتقارها للمهارات والموارد، بل أكثر من ذلك للتوزيع غير العادل للمساعدات. وتفضل الحكومة الاستمرار على هذا النهج على رغم ما تطالب به واشنطن من إصلاح، ولذا يتعين إرفاق المطالب بضغوط حقيقية تدفع المسؤولين إلى إعادة النظر في حساباتهم، على أن تبقى هذه الضغوط طي الكتمان حتى لا تفرز مقاومة من الجهات المتنفذة التي لا تريد الظهور بمظهر الضعيف، أو من يتقبل الإملاءات الخارجية. ومن حيث المبدأ تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير في أفغانستان وقدرة جيدة على التأثير بالنظر إلى المساعدات التي تقدمها مع باقي أطراف المجتمع الدولي إلى البلاد، كما أن حكومة كرزاي تعتمد كثيراً على المساعدة الأميركية للبقاء في السلطة، وبالطبع يمكن استخدام تلك الورقة للضغط سرّاً على الحكومة ودفعها إلى الإصلاح، بحيث يمكن تسريع برامج المساعدات، أو إبطاؤها، كما يمكن توسيع عمليات التدريب، أو تقليصها، فضلا عن منح التأشيرات، أو رفض استصدارها، وكل تلك الأمور تفتح أمام واشنطن إمكانيات تأثير لا تعد ولا تحصى يمكن استغلالها لتحسين الوضع العام في أفغانستان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©