الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الثالث» تقدم الصراع الشرس بين الذات والآخر

«الثالث» تقدم الصراع الشرس بين الذات والآخر
21 مارس 2011 22:12
قدمت فرقة مسرح دبي الشعبي مساء أمس الأول على خشبة معهد الشارقة المسرحي عرضا بعنوان “الثالث” ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة الحادية والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية. والعرض الذي أقيم في رابع أيام المهرجان من تأليف وإخراج عبدالله صالح وأداء كل من الممثلين إبراهيم أستادي ورائد الدالاتي، وبمشاركة كل من عازفي العود والجيتار عبدالرحمن محمد ويوسف عبدالرحيم اللذين شاركا في تقديم المؤثرات الصوتية الحية على جانبي الخشبة، كي يكون حضورهما مساهما في تدعيم وتعزيز السينوغرافيا العامة للعرض. وكان واضحا من عنوان المسرحية أنها تسعى لإغواء المتفرج كي يبحث عن الشخص الثالث وسط شخصيتين رئيسيتين بدا أنهما على تناقض كبير وتباين مفرط فيما يخص فلسفة التعامل مع المفاهيم والموضوعات الإنسانية العامة والخاصة، هذا الشخص الثالث سوف يظل يحوم مثل شبح فالت داخل فضاء العرض، مع وجود وعد حاضر من الكاتب والمخرج في الكشف عن هويته في الختام كي يقول كلمته الحاسمة حول الجدل الفائر والنقاش المحتدم بين الشخصيتين. يبدأ العرض بمساحة داكنة يتوسطها مقعد خشبي وديكور افتراضي لمحطة قطار، يدخل فجأة على المشهد المعزول والبارد شاب ــ الممثل إبراهيم أستادي ــ وهو يصرخ: “لقد فاتني القطار، ولن أكمل الامتحان، لا لن أعيد الدراسة لسنة أخرى”. و من خلال مونولوج داخلي منبثق من الحنين والشكوى، نكتشف أن هذا الطالب المغترب في سنته الدراسية الأخيرة يتشوق للعودة إلى بلده وأهله بعد أن وصل إلى ذروة الملل والضيق من كل هذا العالم الغريب والمختلف المحيط به والضاغط على أنفاسه. يأخذ الطالب غفوة على المقعد بانتظار القطار التالي، ولكنه يفاجأ بشخص غريب يوقظه بعنف كي يفسح له مجالا للجلوس، وبعد فترة من الصمت يبدأ الاثنان بكسر حاجز التوجس، والدخول في حوار اعتيادي وعابر يقلل من الرتابة والجو الكئيب المسيطر على المكان، نكتشف من خلال هذا الحوار أن الرجل يعمل مديرا تنفيذيا لإحدى الشركات العقارية، وهو ناقم كثيرا من العمليات الإرهابية في محطات المترو والتي أضرت كثيرا بأمن واستقرار واقتصاد بلده الذي احتضن المغتربين والأجانب ولم يتوقع منهم هذا الرد العنيف والقاسي والمؤلم، بدوره أراد الطالب أن يعرف الرجل باسمه، وفي اللحظة التي نطق فيها الاسم وهو “رشيد” أخذت علامات الضيق والارتياب تتوضح وبقوة على ملامح الرجل، هذه اللحظة الصادمة ستقود حوارات وأجواء العرض باتجاه أو منحى آخر مليء بالتوتر والصراع وسوء الفهم والتفاسير المغلوطة حول وجود المغتربين العرب والمسلمين في البلدان الأجنبية، وتحولهم ــ كما يرى الرجل ــ إلى قنابل فكرية وعقائدية أدت إلى ترويع وقتل أناس أبرياء لا ذنب لهم في الصراعات السياسية الدائرة حول العالم، وبجانبه يدافع رشيد عن الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في الغرب، مشيرا إلى أن هذه التصرفات الإجرامية تصدر من فئة ضالة لا تمثل كل المسلمين، ويؤكد رشيد للرجل بأن بعض السياسات العسكرية الخاطئة للغرب كان لها دور كبير في ولادة هذه الفئة. تتصاعد وتيرة النقاش فجأة بين الاثنين، وفي لحظة غضب وغليان داخلي يقوم رشيد بمهاجمة الرجل وتقييده وتكميم فمه، مما يستدعي أجهزة الأمن لمحاصرته وتضييق الخناق عليه كي يخلي سبيل الرجل، وفي لحظة جنونية أخرى يقوم رشيد بإطلاق النار على نفسه كي يختم المشهد على لقطة دامية وحاسمة. ولكن هذه اللقطة لن تختتم نهائيا حيث ينتقل صوت الطلقة النارية إلى مشهد لرشيد وهو نائم على المقعد وبجانبه ذات الرجل الأجنبي، فنكتشف أن الحكاية برمتها كانت مجرد حلم مزعج تحول إلى كابوس مخيف أثناء الغفوة التي أخذت رشيد إلى رحلة داخلية خطرة وقاتلة. بعد أن يستيقظ رشيد ويتنبه للثلج المتساقط عليه وعلى الرجل الذي يجلس بجانبه، يكتشف أن الرجل الذي يراه في الواقع الآن هو ذات الشخص الذي تعارك معه في الحلم، ومع رغبة رشيد في فتح حوار جديد ومختلف معه يكتشف أن الرجل أصم وأبكم، وينتهي العرض على تعليق صارخ من رشيد وهو يردد: “لا داعي للنقاش أصلا.. لا داعي للنقاش أصلا”. ويستمر الثلج في التساقط حتى مع إضاءة الصالة وخروج الممثلين والمخرج لتحية الجمهور، في دلالة وتأكيد على برودة الوعي الجدلي عند هذا “الآخر”، وعدم اهتمامه أصلا بالحوار مع من يراهم قابعين في الجانب المظلم والبدائي والهمجي من العالم. امتازت مسرحية: “الثالث” بأداء الممثلين إبراهيم أستادي ورائد الدالاتي اللذين استطاعا التجاوب مع الإيقاعات الهادئة والأخرى الصاخبة والمتصاعدة التي خلقت معها موجة من التبدلات ولانتقالات العنيفة والهائجة التي خدمت فكرة العرض، وساهمت في تنويع وتلوين المشاهد حسب الغايات المرسومة لها. أما السينوغرافيا ورغم وجود بعض الهنات في توظيف الإضاءة المركزة على جسد وانفعالات الممثل، إلا أنها مالت إلى الديكور المتقشف الذي لم يخل من بناء تجريدي اعتمد على التناوب بين الظل والضوء لخلق إيهامات متحركة، خصوصا في المشاهد المتعلقة بمرور القطار الوهمي في المحطة، وفي مرحلة الانتقال المفاجئ بين الحلم والواقع خصوصا في المشهد الختامي للعرض. يعرض اليوم تعرض في السابعة من مساء اليوم على خشبة معهد الشارقة المسرحي، مسرحية “أنا وزوجتي وأوباما” تأليف مرعي الحليان وإخراج أحمد الأنصاري وهو عرض خارج المسابقة.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©