السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحوار التعليمي... عنصر غائب

21 مارس 2011 22:11
نشأ انقسام حاد ومؤسف في وجهات النظر، مع احتدام النقاش بشأن الاتحادات المهنية العامة، وخاصة ما تقوم به الاتحادات في الولايات المتحدة من إصلاح المدارس والنظام التعليمي وأوضاع وحقوق المعلمين الأميركيين. فمن جانب يرى المعلمون أنهم يؤدون عملاً شاقاً في ظروف قاسية، وأنهم يعملون لساعات طويلة بأجور أقل، وألا أحد ينصفهم. ومن جانب آخر يرى المنتقدون للعملية التعليمية بأسرها أن نظامنا التعليمي قد تراجع أداؤه كثيراً وأن السبيل الوحيد لتصحيح هذا الخلل هو الارتقاء بنوعية ومستوى أداء المعلمين. ويقول المنتقدون إن معلمي اليوم يتمتعون بحماية وحقوق مهنية لا مثيل لها في مؤسسات القطاع الخاص، مثل مزايا التغطية الصحية والحقوق المعاشية المستمرة مدى الحياة، مقابل ساعات عمل يومي أقل، وسنوات خدمة أقصر من غيرها من مؤسسات القطاع الخاص الأخرى. كلا الرأيين صائبان وإن كلاً منهما على حق. فالتدريس مهنة شاقة جداً، خاصةً عندما تتعلق بتدريس الأطفال المنتمين إلى المناطق شديدة الفقر، حيث يأتي الأطفال من هذه المناطق وهم حاملين معهم الكثير من الصعوبات والتحديات التربوية التعليمية. كما أن كثيراً من المعلمين يعملون لساعات أطول قد تتجاوز السادسة مساءً داخل حرم المدرسة، ثم يواصلون العمل في المنزل بعد ذلك إما في تحضير دروس اليوم التالي أو تصحيح أعمال الطلاب. وهناك من يحصل من المعلمين على نتائج إيجابية للغاية حتى بين صفوف الطلاب الذين يمثل تدريسهم تحدياً حقيقياً لكثير من المعلمين. وهؤلاء هم أبطال أميركا الحقيقيون، ولكن من المؤسف أنهم لا يعاملون على هذا الأساس من ناحية الحقوق والامتيازات المهنية. وهناك معلمون آخرون يكتفون بساعات العمل المقررة فحسب. فهم يصلون إلى مدارسهم قبل دقيقة واحدة من بدء اليوم الدراسي في الساعة الثامنة والنصف صباحاً، ويغادرون المدرسة في دقيقة واحدة بعد الثالثة ظهراً، وهم لا يؤدون سوى الحد الأدنى من العمل اليومي. أما النتائج الأكاديمية التي يحصلون عليها من طلابهم فهي سيئة جداً كما هو متوقع. وفيما لو أتيحت لأحدنا فرصة إمضاء بعض الوقت في الفصول التي يدرّسون فيها -وهذا ما فعلته طوال السنوات الثماني الماضية- فهو يستنتج لا شك أن هذا النوع من المعلمين ينتمي إلى مهنة أخرى غير التدريس. والمؤسف أن نقاشنا العام حول الإصلاح التعليمي غالباً ما يعجز عن التمييز بين هذين النوعين المختلفين جداً من المعلمين، ويساوي بينهم وكأنهم فئة واحدة لا فرق بينها. وفي اعتقادي أن هذا النمط من "التفكير الفئوي الجماعي" لا يضر بالحوار العام بشأن إصلاح مدارسنا ونظامنا التعليمي فحسب -لكونه يحصر التفكير في حدود إما أن يكون المرء إلى صف المعلمين أو ضدهم فحسب-إنما يفوت علينا فرصة الإصلاح التعليمي نفسها. ذلك أن على أي إصلاح بأي مستوى من المستويات لنظامنا التعليمي، أن ينظر إلى المعلمين باعتبارهم أهم عنصر تعليمي تربوي. ويطالبنا هذا الشرط بضرورة التعامل مع التدريس على أنه مهنة لها شروطها ومتطلباتها ومعاييرها. كما يطالبنا هذا بحفز ودعم الأداء التدريسي الممتاز، والحرص على استدامة تحسن أداء المعلمين، فضلاً عن التخلص من المعلمين الذين لا يتمتعون بالكفاءة التدريسية. وعليه، فإن من واجبنا إعادة النظر في معركة فصل المعلمين وخفض عمالتهم مثلما نرى الآن. ففي الكثير من الولايات الأميركية، يتم فصل المعلمين وإنهاء خدماتهم وفقاً لمبدأ الأقدمية وحده، بمعنى أن الأحدث عمراً مهنياً هو المرشح الأول لإنهاء خدماته. وفي هذا المعيار جنون لا بد من علاجه. فنحن لم نسمع مطلقاً بمريض احتاج لإجراء عملية جراحية طالب بأن يجري له العملية الجرّاح الأطول خبرة ومهنية، بقدر ما يطالب المرضى عادة بأن يجري لهم العملية الجراح الأفضل والأكثر مهارة بصرف النظر عن عدد سنوات عمله في مجال الجراحة. صحيح أن للخبرة دورها في جميع المجالات دون شك. ولهذا فليس بالضرورة أن يكون لاعب العام لكرة البيسبول، هو الأفضل بين لاعبي الفريق. غير أن لاعب العام الذي يتم اختياره، عادة ما يكون أفضل من 10 من قدامى اللاعبين، وهذا هو المعيار الذي تأخذ به فرق كرة البيسبول في بناء صفوف فريقها واستقطاب لاعبيها الجدد. وهناك من المنتقدين من يقول بوجود صعوبة في الحكم المنصف على أداء المعلمين. وعليه فإن النظام المعمول به الآن هو أفضل ما هو متوفر لنا. ولكن لا بد من القول بأن مثل هذا الزعم مثير للسخرية لعدم منطقيته وعقلانيته. فمن من الأمهات العاديات لا تدرك أن في المدرسة التي يدرس فيها ابنها أو ابنتها معلمين ممتازين بارعين وآخرين هزيين لا يساوون شيئاً؟ أليس في هذا التقييم من قبل الأهالي والأمهات والآباء العاديين دليل على وجود إمكانية ومعايير موضوعية للحكم على أداء المعلمين. وهذا ما يدفعنا إلى القول بإمكانية التوصل إلى معيار موضوعي لتقييم المعلمين، قوامه الكفاءة وجودة الأداء التدريسي. ولكي نصل إلى هذا المعيار، علينا أن نقيس ونقارن بين التقدم الأكاديمي السنوي الذي يحرزه الطلاب لمعلمين يواجهون ظروف عمل وتحديات تدريسية متكافئة. وهناك باحثون كثيرون قاموا بهذه المقارنة بالذات واستنتجوا وجود فوارق هائلة في النتائج التي يحرزها الطلاب ذوو القدرات الاستيعابية المتشابهة. وتوصلت الأبحاث أيضاً إلى أن منشأ هذه الفوارق ليس أداء الطلاب، إنما أداء المعلمين الذين يضطلعون بتدريسهم. ثم هناك معايير أخرى يستطيع مدراء المدارس أو غيرهم تطبيقها في التمييز بين أداء المعلمين. وأياً تكن المعايير التي يمكن التوصل إليها، فإن من الواجب التمييز بين المعلمين وعدم التعامل معهم بنظرة "فئوية جماعية" تخطئ الفروق بينهم. وهذا ما يجب ألا يغيب عن حوارنا العام بشأن الإصلاح المدرسي التعليمي. جويل كلاين كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون التعليمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©