الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبقرية الطولوني الهندسية زفت ابنته إلى السلطان

عبقرية الطولوني الهندسية زفت ابنته إلى السلطان
21 أغسطس 2009 23:22
أحمد بن الطولوني هو أحد أشهر المهندسين المعماريين في العصر المملوكي بمصر، وقد ورث هذه المهنة عن أجداده الذين كانوا يسكنون على مقربة من جامع أحمد بن طولون بالقاهرة ولذا عرفت العائلة بالنسبة للجامع الطولوني• وقد ترك هذا المهندس أحد أهم الآثار الإسلامية التي يزدان بها شارع بين القصرين بالقاهرة وهي مدرسة وخانقاه الملك الظاهر برقوق. وبلغ من إعجاب الملك الظاهر برقوق بهذا المهندس الفذ وتقديره لموهبته الهندسية أن صاهره في ابنته ولعل تلك المصاهرة الفريدة من نوعها في دولة المماليك تكفي للدلالة على ما كان يتمتع به شهاب الدين أحمد بن الطولوني من منزلة سامية وتقدير كبير لعبقريته المعمارية، وتعتبر هذه المنشأة أول عمل معماري في تاريخ دولة المماليك الجراكسة. تعليمات السلطان وقد أنجز المعلم الطولوني هذه المجموعة الضخمة في أقل من عامين طبقاً لتعليمات السلطان بالإسراع في بنائها، وحسب ما جاء في المصادر التاريخية فقد فرشت المدرسة بالحصر والبسط في رجب من عام 788هـ وحضر الظاهر برقوق إلى المدرسة لافتتاحها، وعاين هو وحاشيته مختلف الوحدات المعمارية الملحقة بها مبدياً رضاه الكامل عما تم تشييده. وتتجلى العبقرية المعمارية لابن الطولوني في حسن استغلاله للمساحة غير المنتظمة التي شيدت عليها المجموعة المعمارية، فنرى انه رغم تعدد اضلاعها يحتفظ لتصميم المدرسة المملوكية بذات الانتظام التقليدي للتخطيط المتعامد• والى أبعد من ذلك ذهبت عبقريته في توظيف الواجهة للتعبير عن ضخامة البناء وفخامته في ذات الوقت• فهو يعمد أولاً الى ان يجعل الواجهة مراعية لخط تنظيم الطريق ثم يعالج صغر طول الواجهة بالقياس إلى عمق الكتلة المعمارية «حوالي النصف» بطرق شتى كلها كفيلة بإقناع المارة أنهم أمام عمارة هائلة الحجم. ومن هذه الطرق استخدام النظام المشهور في صف المداميك الحجرية للواجهة، أي البناء بمداميك من حجارة صفراء وحمراء بالتبادل، ومن المعروف أن الخداع البصري الناجم عن استخدام هذه الطريقة يعطي إحساسا قوياً بالامتداد الطولي للبناء• ثم يركز ابن الطولوني عمله ويكثفه في مدخل المدرسة الذي يقع في الطرف الجنوبي للواجهة، فيختصه بكتلة معمارية تبرز عن سمت جدار الواجهة، امعاناً في زيادة الإحساس بضخامته مع استخدام الرخام في كسوة المدخل. وبعد أن ينتهي هذا المعماري من إسباغ الإحساس بالضخامة والفخامة على كتلة المدخل الحافلة بزخارف الرخام ليرى الداخل اليها انه على وشك الدخول الى بناء هندسي مهيب، يفاجئنا بمنارة عظيمة مكونة من ثلاث دورات امتازت هي الأخرى بتلبيس الرخام في بدن دورتها الثانية وهو أقدم النماذج لتلبيس الرخام في بدن المنارات بمصر. ومن ينظر من بعد لهذه المجموعة المعمارية فإنه يرى بوضوح المئذنة ومعها القبة من أي اتجاه وهو بالفعل ما أراده ابن الطولوني للتأثير على القاصي مثلما فعل في المدخل للتأثير على الداني. ومع هذا الاهتمام الكبير بجذب الأنظار لعظمة البناء وفخامته فان الشهابي أحمد بن الطولوني لم يهمل تحقيق التوازن في توزيع دخلات وفتحات نوافذ الواجهة بأسرها. بيد أن كل ما فعله هذا المعماري الفذ بالواجهة يتضاءل أمام الحلول المعمارية التي توصل اليها لمعالجة مسائل الكتلة والفراغ في التصميم الداخلي للمدرسة والخانقاة• فلما كانت الخانقاة مكاناً لاعتزال المتصوفة عن الدنيا الفانية وزخرفها فقد لجأ معلم المعلمين إلى فصل داخلها بطريقة محكمة عن الطريق حيث يؤدي الباب الى ردهة مربعة غطيت بقبة صغيرة وعلى يمين الداخل اليها باب آخر يؤدي إلى طرقة مستطيلة. وأخيراً تفضي الطرقة الثانية الى صحن الخانقاة• وهذه الرحلة الطويلة عبر الردهات أو الطرقات كفيلة بتحييد اثر ضوضاء الشارع وعزلها كلياً عن المتصوفة المشغولين بالاذكار والدروس. وفضلاً عن ذلك نجده يعمد الى تشييد خلاوي إقامة الصوفية خلف الايوان الغربي بعيداً عن المدرسة وايواناتها الاربعة إمعاناً في توفير أجواء من الخصوصية للمتصوفة• ونعود الى المدرسة لنجد اهتماماً فائقاً بالمواءمة بين التخطيط والوظيفة حيث أفرد مساحة أكبر لإيوان القبلة نظراً لاختصاصه بإقامة الصلوات الجامعة وكذلك حضور دروس المذهب الحنفي الأكثر اتباعا خلال هذا العصر وإزاء ذلك جعل ابن الطولوني الإيوان الغربي اكبر في المساحة من الإيوانين الجانبيين المتساويين لتحقيق التوازن في الكتلة بين هذا الإيوان وإيوان القبلة. سلطانة مصرية وحيدة ويستحق معلم المعلمين شهاب الدين احمد بن الطولوني أن ينعم عليه الظاهر برقوق بهذا اللقب لبراعته وشغفه باستخدام الرخام لإضفاء الفخامة على عمارته وهي فخامة لا تفتقد الذوق الفني• فصحن المجموعة مفروش بالرخام المتعدد الألوان وبوسطه فوارة عليها قبة أقيمت على ثمانية أعمدة رشيقة من الرخام كما فرشت أرضية الايوانات أيضا بالرخام. ولم يساير ابن الطولوني تصاميم المنشآت التعليمية المملوكية، فلم يقنع بإيوان القبلة المتصل المساحة وانما عمد الى تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء الأوسط منها هو الأكبر، وذلك باستخدام أعمدة جرانيتية وفي ذلك مزاوجة بين تصميم المدرسة ذات الإيوانات والمسجد الجامع بأروقته التقليدية. وبطرف إيوان القبلة يعود الشهابي احمد ليذكرنا بمادته الأثيرة، الرخام فيجعل دكة المبلغ من الرخام وهي تعد بحد ذاتها تحفة فنية جديرة بالإعجاب• ويكفي معلم المعلمين احمد بن الطولوني فخراً أن تقف المجموعة التي صممها معمارياً وأشرف على أعمال البناء والزخرفة فيها شاهد عيان على حلوله العبقرية التي تنم عن إدراك كامل للعلاقة بين الكتلة والفراغ واستغلال للخداع البصري، على الرغم من أنه لم يحظ في التاريخ سوى ببعض أسطر أشارت اليه أنه معلم المعلمين الذي شيد مجموعة الظاهر برقوق وأن السلطان تزوج من ابنته التي ربما تكون السلطانة المصرية الوحيدة في تاريخ المماليك.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©