الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة في روسيا··· لا أحد يسيطر عليها

الحياة في روسيا··· لا أحد يسيطر عليها
23 يونيو 2008 02:17
في التاسع من نوفمبر ،2007 وأثناء عملية للقوات الخاصة الروسية في قرية ''شيمولجا'' التابعة لجمهورية ''إنجوشيتا''، أطلقت تلك القوات النار على شخص يدعى ''رحيم امرييف'' وأردته قتيلا ثم وضعت بندقية آلية بجوار جثمانه وأعلنت أنه قد لقي مصرعه أثناء تبادل لإطلاق النار، وهو ما لم يكن صحيحا على الإطلاق، لأن ''أمرييف'' هذا كان طفلا في السادسة من عمره! الشيء اللافت للنظر في روسيا ''بوتين'' اليوم -لا تزال روسيا ''بوتين'' حتى بعد أن انتقى الأخير رئيسا للدولة بمعرفته- هو فساد القضاة، وفساد الشرطة، والقوات الخاصة أي جميع المؤسسات والقوى المنوط بها الحفاظ على النظام والقانون في الدولة، وما عليكم كي تتأكدوا من صحة ما أقوله سوى قراءة الأمثلة التالية: في العشرين من مايو الماضي، صدمت سيارة مسرعة يقودها نجل وزير الدفاع الروسي ''سيرجي إيفانوف'' سيدة تدعى ''سفيتلانا بيرايدز'' (68 عاما) أثناء عبورها أحد الشوارع -من المنطقة المخصصة للمشاة- مما أدى لمصرعها، مع ذلك، لم توجه النيابة أي تهم جنائية لنجل الوزير· وفي العاشر من سبتمبر الماضي، كانت ''ناتاليا تروفانوفا'' تقود سيارتها القديمة، متجهة مع عائلتها إلى منزلها عندما اقترب منها موكب سيارات لرئيس المحكمة العليا ''فايتشسلاف ليبيدوف''، وقامت إحدى سيارات الموكب التي كانت تسير بسرعة كبيرة في نفس الحارة التي تقود فيها ''تروفانوفا'' بصدم سيارتها، وعلى الرغم من تحطم سيارتها وتناثر جثث من بداخلها فإن موكب رئيس المحكمة العليا لم يتوقف، وتابع طريقه حسب شهود العيان، وعندما جاءت الشرطة وكتبت تقريرا عن الحادث فإن ذلك التقرير جاء فيها أنها كانت تقود سيارتها في الحارة الخطأ، وتسير عكس اتجاه السير· وفي ليلة ماطرة من ليالي سبتمبر الماضي، وبعد حادث ''ناتاليا تروفانوفا'' شاهدت بعينيّ سيارة ''لكزس'' فضية فاخرة تسير بسرعة كبيرة في شارع ''كوتوزوفسكي'' في موسكو، ثم تخرج فجأة من حارتها الواقعة في أقصى يسار الشارع، وتتجه بالعرض إلى الجهة المقابلة، لتصطدم وجها بوجه مع عدة سيارات قادمة من الاتجاه المعاكس، ويتناثر الحطام والزجاج المهشم وأشلاء الجثث على الطريق· وبعد مرور ساعة على هذا الحادث المروع علمت أن السيدة التي كانت تقود السيارة تبلغ من العمر 27 عاما، وأنها في حالة غيبوبة، ولا يعرف لها مهنة محددة، وأن الشخص الذي كان يرافقها في السيارة، ولقي مصرعه كان نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي! وعلمت فيما بعد أن النيابة لم توجه أي تهمة لتلك السيدة المجهولة المهنة!· فالجرائم في روسيا قلما يتم التحقيق فيها خصوصا إذا ما كان ضحاياها من الفقراء، بل إن ما يحدث في الكثير من الأحيان أن التهم توجه للضحايا في حين يفلت الجناة بلا عقاب، مع ذلك، هناك نوعية معينة من الجرائم تحرص النيابة على التحقيق فيها، منها على سبيل المثال الحالة التي اتهمت فيها النيابة أحد معارفي بالتبرع لقائد إرهابي الشيشان بمبلغ 20 مليون دولار، ومنها تلك الحالة التي اُتهم فيه شخص أعرفه معرفة وثيقة، بأنه كان يدعو إلى خصخصة المجال الجوي فوق المحيط المتجمد الشمالي، والحالة التي اتهم وكيل النائب العام البنك الذي يعمل فيه أحد معارفي أيضا بأنه يحاول إشعال شرارة ثورة للإطاحة ببوتين· كان هناك شيء مشترك بين الحالات الثلاث وهي أن أسماء المتهمين فيها وردت ضمن قائمة 100 أغنى رجل في روسيا، التي نشرتها مجلة ''فوربس''، وفي رأيي أن ما يحدث الآن هو سمة مميزة لعهد ''فلاديمير بوتين'' وليس من مواريث الحقبة السوفييتية أو من مخلفات ''بوريس يلتسين'' كما يدعي البعض· فتحت روسيا ''بوتين'' تحول رجال الأعمال إلى فرائس يطاردها رجال يحملون رتبا على أكتافهم، وفي عهد ''بوتين'' تحول الحق في ارتكاب الجريمة دون أن يطال مرتكبها عقاب، إلى ميزة رسمية تقتصر على البعض دون الآخر في روسيا، فإذا لم يثر الضحية ضجة، فإن الجاني لا يعاقب، أما إذا التجأ الضحية إلى الرأي العام، فالجاني لا يعاقب أيضا، والذي يعاقب هو الضحية الذي تجرأ على تحدي النظام باللجوء إلى الرأي العام، ولكن من الذي وضع قواعد اللعبة؟ أنه ''بوتين''! هو أيضا الذي أمر بقتل كل من وردت أسماؤهم على قائمة تعرف باسم ''قائمة الإرهابيين الوهابيين'' التي أعدها جهاز ''إف· إس·بي''، من الذي أمر بإعداد تلك القوائم؟ هو نفسه ''بوتين'' الذي ظن أن الطريقة الوحيدة للحيلولة دون انتشار الإرهاب في شمال القوقاز هي قتل المتطرفين الإسلاميين بالجملة بسبب ما يعتنقونه من أفكار ومعتقدات، والقتل بالجملة للمتطرفين لم يؤد إلى حل مشكلة التطرف بل أدى إلى مفاقمتها في الحقيقة، لدرجة أن روسيا قد فقدت السيطرة على جمهورية ''إنجوشيا''· ولكن من يجرؤ على قول الحقيقة لـ''بوتين''! في الغرب يقرأ الناس أن ''بوتين'' هو الرجل الذي استعاد مجد روسيا، وأنه الرجل الذي عزز قبضته على السلطة، في حين أن الحقيقة أن تلك هي الصورة التي تروجها عنه شركات العلاقات العامة التي استأجرها، عليكم ألا تصدقوها، فالحقيقة هي أن السلطات الروسية لا تسيطر على الدولة، ومع ذلك، فإن المجموعة الحاكمة والدوائر المقربة منها، تعتقد واهمة أننا أقوياء حقا، وأن معيار قياس عظمة الحاكم وقوته، هو مقدار الأموال التي يكدسها في حسابه المصرفي· جوليا لاتينينا صحفية وروائية روسية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©