الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رداء العداء.. هو بيت الداء

17 مارس 2015 22:35
كان العداء لإسرائيل وما زال هو معبر الإرهابيين من كل لون وبوابتهم الملكية إلى قلوب الشعوب العربية وحتى إلى قلوب الرسميين العرب، وفي المقابل كان الاقتراب أو حتى التفاوض أو المرور بجوار أي إسرائيلي هو بوابة الخروج بلا عودة من قلوب العرب. وكان الشعار وما زال: كن عدواً لإسرائيل وافعل بعد ذلك ما تشاء، فكل ذنوبك مغفورة، وكل كسورك مجبورة، كان العداء لإسرائيل وقضية فلسطين هما قميص عثمان الذي ارتداه الإرهابيون والمخربون والمفسدون في الأرض، كان زياً تنكرياً خدعونا به وجاسوا خلال الديار. وهذا الزي التنكري والمزيف هو الذي جعل الأمم تتداعى علينا تداعي الأكلة على قصعتها، وأصبحنا كثرة كغثاء السيل. والعداء لإسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية مشكور ومحمود إذا كان عداء أفعال.. لكنه دائماً كان وما زال عداء أقوال وشعارات، بينما الأفعال لم يكن فيها أي عداء لإسرائيل.. بل كانت الأفعال وما زالت أفعال صداقة وتنسيقاً على أعلى المستويات، ولم تكن شعارات العداء لإسرائيل سوى (سبوبة)، كما يقول المصريون في أمثالهم. لم تكن سوى بوابة العبور إلى قلوبنا وعقولنا وبوابة الشهرة أيضاً - تماماً كما عبر المطرب الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم أو (شعبولا) إلى الشهرة والنجومية التي لا تستحقهما ولا تستحق ذرة منهما موهبته الغنائية. من خلال أغنيته الشهيرة (أنا بكره إسرائيل وباحب عمرو موسى)، بينما شعبان مثله مثل كل العرب لا يكره إسرائيل ولا يحبها، ولا يكاد يعرف عن إسرائيل شيئاً سوى أن كراهيتها والعداء لها بوابة الدخول إلى القلوب وإلى البنوك أيضاً. وفي ظل لجنة المقاطعة العربية وشعار رفض التطبيع مع إسرائيل كان التطبيع يجري على قدم وساق. وكانت لجنة المقاطعة واحدة من آلاف اللجان العربية التي يتم تشكيلها لأي قضية يراد دفنها ووأدها، فالمعروف في أمتنا أن اللجان هي مدافن القضايا، وإذا أردت أن تقبر قضية وينساها الناس إلى الأبد، فشكل لها لجنة رئيسية، أو لجنة فرعية، أو لجنة منبثقة، أو لجنة استماع، أو لجنة تقصي الحقائق، التي من مهامها دائماً طمس الحقائق. واللجان في الأمة العربية هي رهان رابح على ذاكرة الشعوب، التي سرعان ما تنسى القضية عندما يتم تشكيل لجنة لبحثها. وفي المقابل أو في الجهة العكسية، فقد الرئيس المصري الراحل أنور السادات حياته وتم تجريده من وطنيته لمجرد أنه أبرم معاهدة سلام مع إسرائيل كانت الأساس لكن بعد فوات الأوان لمفاوضات سلام عربية إسرائيلية في كل العواصم والمدن بلا جدوى. وقد استثمرت إسرائيل كذبة العداء الشعاري والقولي لها خير استثمار، وخلقت أو ساهمت في خلق كيانات وجماعات ومنظمات إرهابية تلعب في المنطقة وتدمر استقرارها وهي ترتدي قميص العداء لإسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية. والأدهى والأمر أن شعار العداء الكاذب لإسرائيل كان الباب الواسع لقوتين إقليميتين هما إيران وتركيا للتمدد في المنطقة وابتلع العرب الطعم شعبياً ورسمياً وأعطى العداء الشعاري لإسرائيل قبولاً شعبياً عندنا لإيران وتركيا اللتين كانتا دوماً بالأفعال لا بالأقوال أكبر حليفتين وصديقتين لإسرائيل. لكن النبرة العالية وسياسة اللسان الطويل من جانب إيران وتركيا ضد إسرائيل والتهديدات المسرحية المتبادلة معها أوصلت رسالة كاذبة وخاطئة للعرب بأن تركيا وإيران في خندق واحد معنا ضد إسرائيل. وتحت شعار العداء لإسرائيل تمدد الأخطبوط التركي الإيراني في المنطقة من خلال أذرع عربية هي عبارة عن منظمات إرهابية تنفذ الأجندتين الإيرانية والتركية في المنطقة تحت راية العداء لإسرائيل ونصرة القدس والقضية الفلسطينية. كما ابتدعت الدولتان الصفوية والعثمانية كذبة الصراع السُني الشيعي في المنطقة وأيضاً ابتلع العرب الطعم وصدقوا الكذبة رغم أن الصراع في حقيقته فارسي عثماني مشترك ضد العرب. كما أن التحالف بين تركيا «الإخوانية الأردوغانية» السُنية وإيران الشيعية لا يخفى على من عنده بعض الوعي. ومع ذلك تم جر العرب إلى التقسيم والصراع الطائفيين بين السُنة والشيعة - على الرغم أيضاً من أن «الإخوان» السنيين هم أقرب الحلفاء في المنطقة لإيران وتركيا معاً.. واستطاعت الدولتان الصفوية أو الفارسية والعثمانية البيزنطية جعل العرب يخوضون حروباً بينية في كل الدول العربية تقريباً بالوكالة عن إيران وتركيا. فـ «الإخوان» ذراع الدولتين معاً، و«داعش» ذراعهما معاً، و«الحوثيون» و«حزب الله» ذراعا إيران. وهناك علاقات مريبة لتركيا وإيران مع «القاعدة» و«النصرة» و«فجر ليبيا» و«أنصار الشريعة». وكل هذا العبث الواضح بحجة العداء لإسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية لم يوقظ العرب الذين عاشوا وما زالوا يعيشون على ثوابت مزيفة، وأكثرها زيفاً الآن بالتحديد أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، وأن العداء لإسرائيل يجري في الدم. وهو من الثوابت التي تتناقض مع شعارنا المزيف الآخر، وهو أن السلام خيار استراتيجي. ولست أدري كيف يكون السلام والعداء المتناقضين خياراً، ثم متى كان للعرب خيار في أي شيء سوى (الخيار البلدي) الذي يباع في محال الخضراوات؟ لقد غفرنا لكل الطغاة والمستبدين والخونة والعملاء واللاعبين في شؤوننا الداخلية ذنوبهم لمجرد أنهم أعلنوا العداء الشعاري (الحنجوري) الكاذب لإسرائيل، وهذه الغيبوبة التي ما زالت الشعوب تعيشها جعلتنا نخسر كل الحروب، حرب الخناجر وحرب الحناجر، معركة الخنادق، ومعركة الفنادق، وسيبقى رداء العداء لإسرائيل هو بيت الداء! محمد أبوكريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©