الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مرحبا».. عذابات المهاجرين السرّيين في فرنسا

«مرحبا».. عذابات المهاجرين السرّيين في فرنسا
20 أغسطس 2009 00:48
لعل مخرج فيلم «مرحبا - Welcome» فيليب ليورت أراد بإنجازه لهذا الشريط إحداث رجّة لدى المتفرّج سعيا إلى دفعه إلى الغضب. والفيلم لا يعطي دروسا، ولكنّه يظهر حقيقة، وهو كما يصفه النقاد، شريط حبّ ومغامرة، والصور فيه رائعة التقطت أكثرها في اللّيل، والقصّة بسيطة تروي حياة مواطن فرنسيّ أصبح يعمل مدرّبا للسباحة ويسعى لمساعدة «بلال»، وهو شاب كردي (17 عاما) على اجتياز مضيق بحر «المانش» ليصل الى إنجلترا سباحة ليدخلها خلسة. البطل الذي جسّد دور الشاب بلال في الفيلم هو شاب كردي أيضا، وتمّ اختياره لأداء الدور بعد اختبار، وتبيّن أنّه يتحرّك بتلقائيّة أمام الكاميرا دون تمثيل ودون أيّ تكلّف أو تصنّع. ذهب المخرج إلى عين المكان، وشاهد حياة المهاجرين السريّين المختفين في غابات الشمال الفرنسي، ورأى مرأى العين مأساتهم وظروف إقامتهم القاسية. والعالم الذي يصوّره الفيلم عالم فيه الرّجال والأطفال والنساء يعانون من الضيم والاحتقار واللاّمبالاة، وفي هذه العتمة امتدّت لهم يد بطل الفيلم الذي يعمل مدرّبا للسباحة ليساعدهم متحديّا بذلك القوانين. الفيلم يصوّر الجوّ القاتم الذي يخيمّ على حياة المهاجرين السريين حتى أنّ بعضهم يخفون رؤوسهم أحيانا في أكياس بلاستيكيّة لكي يكتموا أنفاسهم خشية أن تدلَّ أنفاسهم الشرطة المكلفة بمتابعتهم ومطاردتهم والقبض عليهم على مواقعهم. كما يعمدون إلى حرق أطراف أصابعهم لمحو بصماتهم حتّى لا يتمّ التعرّف على هويّتهم أوالتنبه الى البلدان التي جاءوا منها، وعند القبض عليهم يرمى بهم في مراكز بائسة، وقد يمتدّ الحجز سنوات وهم يعيشون في عزلة وشقاء حتّى أنّ البعض منهم يصاب بالجنون وتصيبهم الأمراض الجلديّة المعدية كالجرب. إنّ عددا كبيرا من المهاجرين السريين يدفعون مبالغ ماليّة طائلة مقابل أن يتمّ تهريبهم بحشرهم وسط البضائع التي تنقلها شاحنات عملاقة، ولسوء حظهم ففي حالات كثيرة يتم التفطن لهم وإيقافهم. ولأن أغلب هؤلاء البؤساء قادمون وفارون من بلدان تمزقها الحروب فإنهم لا يرغبون في العودة إلى بلدانهم ويتم الاحتفاظ بهم في مراكز للإيواء هي أشبه بالملاجئ أو السجون في انتظار إحالتهم على المحاكم. مأساة مهملة يبرز المخرج في هذا الفيلم بجرأة معاناتهم بكلّ تفاصيلها الصّغيرة المؤلمة سعياً للكشف عن مأساة إنسانيّة مهملة لا أحد يهتمّ بها في فرنسا، فالنّاس غير ملمّين بها، وغير مهتمّين بأسبابها وانعكاساتها، فالفرنسيّ غارق في شؤونه الدّاخليّة ولم تترك له الأزمة الاقتصاديّة مجالا ليهتمّ بمن هم حوله من هؤلاء البؤساء المتشرّدين التّائهين. والمخرج يبحث في هذا الفيلم عن جلب اهتمام الفرنسيين لمأساة مئات المهاجرين العراقيين، والأكراد، والهنود، والارتيريين المنتظرين على حدود فرنسا مع إنجلترا اللّحظة المواتيّة للعبور إلى الجنّة الموعودة. كل هؤلاء يظهرهم الفيلم وهم في حالة انتظار قد تطول أسابيع وأحيانا أشهر وهم يعيشون عيشة ضنكة في خصاصة وحرمان، وأكثر هؤلاء أنفقوا كلّ مدّخراتهم ومدّخرات أسرهم ومنحوها لبعض السّماسرة الّذين عبروا بهم خلسة حدود عديد الدّول ورموا بهم في غابات شمال فرنسا، والكثير منهم يتم إيقافهم وسجنهم في اليونان أو إيطاليا، ومن عبر منهم إلى الشمال الفرنسي فهم مستعدّون لدفع كلّ ما يطلب منهم ليصلوا إلى الجنّة الموعودة: إنجلترا، والمخرج له أفلام سابقة أخرى لم تنل نفس نجاح هذا الشّريط من بينها: «لا تقلق، إننّي في حالة جيّدة». اختار المخرج للتصوير أمكنة تعكس القسوة ليكون المكان متماشياً مع الخطّ الدرامي للأحداث، فقد أظهر في الشريط أمواج بحر «المانش» المتلاطمة وهي تتعالى بسبب العواصف الهوجاء. وهو بمثل هذه المشاهد المستمدّة من الطّبيعة يريد أن يعكس العلاقات الاجتماعيّة الصّعبة والشائكة أحياناً بين أبطال الفيلم. ويصبح الشّريط السينمائيّ هنا سلاحاً بفضل قدرته على النّفاذ إلى المشاعر والوجدان. وسلاح المخرج هي الصّورة المؤثّرة والمشهد المؤلم. والشريط يفضح العنصرية المقيتة لدى فئات كثيرة من الفرنسيين، ومن بين المشاهد الدالة على هذا العداء للمهاجرين مشهد رفض صاحب محل تجاري السماح لمهاجرين اثنين بالدخول إلى متجره كانا يرغبان في شراء قطعة صابون ليغتسلا به، وفي المقابل يظهر الفيلم فئة أخرى من الشّعب الفرنسي المتعاطف مع هؤلاء البؤساء.، فمساعدة مهاجرين يؤدّي إلى المساءلة القانونيّة وحتّى إلى السّجن، وممرّ السّباحة في فيلم «مرحبا» هو من الّذين أرادوا مساعدة شاب مهاجر رغم علمه بأنّ سيف القانون مسلّط عليه. «بلال» حاول التسلل عبر الشاحنات المختصة في نقل البضائع ولكنه فشل وتمت إعادته من حيث أتى، وهو يريد الالتحاق بفتاة من بلاده تواعدا على الزواج وقد علم أن أهلها قرروا تزويجها غصبا عنها من رجل آخر.، ولذلك يريد عبور مضيق بحر المانش (30 كلم ) سباحة ليصل الى حبيبته. دعوة إلى التفكير إنّّ القاعدة المتبعة في الأفلام السينمائيّة هي أن تثير اهتمام المتفرجين وأن تنفذ الى الوجدان والأحاسيس، ولكنّ هذا الفيلم يدعو إلى التفكير، فهناك فرنسيون - رغم معارضة القانون - لديهم رغبة في مساعدة المهاجرين السريين وتقديم الأكل والرعاية الصحية لهم وكسوتهم، وقد تمّت فعلا محاكمة البعض ممّن قدّموا مساعدة لهم وقد تصل العقوبة نظريا إلى خمس سنوات سجنا بتهمة تقديم مساعدة لمهاجر غير قانوني. «سيمون» بطل الشريط، وهو مدرب سباحة، رجل فشل في حياته الخاصة مع زوجته، ولكنه في المقابل ينجح في سعيه لمساعدة «بلال» على اجتياز بحر «المانش» رغم مخالفة ما يقوم به للقوانين المعمول بها. إنّ نظرة هذا الرجل للحياة والناس من حوله هو جوهر الفيلم، فالإنسان عند شعوره بأنه أصبح - لسبب أو لآخر هشا - فانه يصبح أكثر إنسانية ورحمة بالغير، وبطل الشريط أصبح هشا بسبب أزمة علاقته بزوجته مما غذى مشاعر العطف تجاه من هم أكثر منه هشاشة، كما أن رسالة الفيلم تقول إن الإنسان إذا ما شعر بأنّ خطراً حقيقياً يتهدده فإن ذلك يصقل معدنه الإنساني وينعش أحاسيس النبل ونوازع الخير فيه. وخلال عمله الإنساني في مد يد المساعدة للمهاجرين السريين البؤساء فإن أملاً كان يداعب»سيمون» باسترجاع زوجته التي يحبها والتي قررت التخلي عنه، فزوجته ناشطة في العمل الإنساني وأراد أن يجد مدخلاً لاسترضائها من باب القيام بعمل ينال إعجابها. ولأول مرة في حياته أدرك المعنى النبيل لمساعدة الآخرين. وجلهم من الشباب واحيانا من النساء والأطفال الفارين من الحروب وحلمهم جميعاً الوصول الى إنجلترا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©