الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله الحبشي يحصر الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي

عبدالله الحبشي يحصر الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي
20 أغسطس 2009 00:42
لا تزال طرائق تكوين المعاجم العربية تخضع للاجتراحات والابتكارات العلمية ولم يقتصر التأليف فيها على اللغة بل تعداه إلى اتجاهات وتخصصات كثيرة ومختلفة. والناظر اليوم إلى لسان العرب المعجم الكبير لابن منظور (630 - 711 هـ) تراه يدهش حقاً من هذه البراعة في الجمع والسعة في الاطلاع وإتقان اللغة، بالإضافة إلى الاستغراب حقاً من إمكانية وصبر «محمد بن مكرم بن علي الخزرجي الأفريقي الملقب بابن منظور» على استقصاء الكلمة وتتبع جذرها واختلافاتها، لعدم توفر أسباب التسهيل المعرفي ولا الكتابي ولا البحثي، لكنك أيضاً تستغرب حقاً لو عرفت أن مرحلة البحث المعجمي قبل ابن منظور قد مرت بـ 500 سنة من التنقيب، أي منذ أبوعبيد القاسم بن سلام 150-244 هـ في معجمه «الغريب المصنف» مروراً بالمعاجم المتعاقبة، وأن هذه جميعها قد استفاد منها ابن منظور بل كان قد وضع أمهاتها أمامه عندما ألف «لسان العرب» أي بمعنى آخر أن هذا الأخير ما هو إلا وليد جهد الكثيرين من الذين سبقوه، وبما يمكن وصف هذه الحالة مثلما قيل: «الأسد ما هو إلا مجموعة خراف مهضومة». الخطوات الأولى اعتمد ابن منظور كما جاء في مقدمته على تهذيب اللغة للأزهري والمحكم لابن سيدة والصحاح للجوهري وحواشي ابن بري على الصحاح والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير.. وكما قال ابن منظور: «... وليس لي من هذا الكتاب «ويقصد لسان العرب»، فضيلة أمت بها ولا وسيلة أتمسك بسببها سوى أني جمعت ما تفرق في تلك الكتب من العلوم وبسطت القول فيها». وأظن أن أضافته اللاحقة التي سنوردها هي الأهم والأكثر علمية وتوصيفاً لحركة بنية المعاجم العربية حيث قال: «فليعتد من ينقل عن كتابي هذا أنه ينقل عن هذه الأصول الخمسة». ومما يؤشر في قول ابن منظور السابق أن الاكتشاف المعجمي قد تم قبل مئات السنين منه وما التجويد الآتي بعد تلك الحقبة إلا نوع من البسط والشد والتلخيص، فإذا ما أردت أن تعود إلى جذر كلمة عربية ما، فإنك ستجده في كل المعاجم غير أنك ستجد شرحه مبسوطاً أو ملخصاً، مع افتراض جودة الترتيب واحتذاء أحدهم حذو الآخر في المنهج، مثلما تبع ابن منظور كتاب صحاح الجوهري حيث قال في ذلك: ورأيت أبا نظر إسماعيل بن حماد الجوهري قد أحسن ترتيب مختصره، وشهره بسهولة وضعه فخف على الناس أمره فتناولوه، وقرب عليهم ما أخذ فتداولوه وتناقلوه». ومن أجل معرفة الأصول لابد من القول في الجذور مثلما قال السجستاني في كتابه النخل عن أحد الرواة «كان يروي أصول النخيل فمات الرجل وعاش الفسيل» بما يمكن القول بأن اللغة ظلت حية تنمو جذورها وتهرم أغصانها ويموت رواتها واحداً بعد الآخر، أما الأصول فممتدة، وأما الجذور فمعتدة، وأما لأغصان ففارعة وأما الأوراق فمزهرة، حفظت بالقرآن وبالحديث، وبجهود أهل المعاجم، ومنهم أبوعبيد القاسم بن سلام في معجمه الأول «الغريب المصنف» وعبدالرحمن الهمذاني في «الألفاظ الكتابية» وابن فارس في «متخير الألفاظ» و أبو منصور الثعالبي في «فقه اللغة» وابن سيدة في «المخصص في اللغة» ثم الزمخشري في «أساس البلاغة» وابن الأجدابي في معجمه «كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ» والرازي في «مختار الصحاح» والفيومي في «المصباح المنير». الترتيب الصوتي وللمعاجم طرائق أهمها الترتيب الصوتي أولاً والألفبائي ثانياً حيث يعد معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي الأصل في ذلك حين اتبع ترتيباً صوتياً لم يسبق إليه أحد. لم يسلك الخليل الترتيب الألفبائي وإنما جعل مخارج الحروف عماده في التأليف وهذا الترتيب هو الأساس الأول للمعجم، حيث قسمه إلى كتب وجعل كل حرف كتاباً ثم قسم كل كتاب «حرف» إلى أقسام بحسب ابنية الكلمات وهو الأساس الثاني، ثم قلب الكلمات التي ذكرها تحت كل بناء على الصور المستعملة عند العرب وهو الأساس الثالث. وجاء بعد «العين» معجم «البارع» لأبي علي القالي «280-356 هـ» و»تهذيب اللغة» لأبي منصور الأزهري 282 - 370 هـ و»المحيط» للصاحب بن عباد 324 - 385 هـ و»مختصر العين» لأبي بكر الزبيدي - 379 هـ و»المحكم» لابن سيدة 398 -458 هـ. أما معاجم الترتيب الألفبائي فمن أهمها «تاج اللغة» و»صحاح العربية» لأبي نصر الجوهري (332-400 هـ) الذي اشتق اسمه مما صح من الألفاظ معتمداً الترتيب الهجائي «الألفبائي» للحروف، كونه الأساس الأول والأخير في كيفية بناء المعجم من أبواب وفصول. تبعه بعد ذلك ابن منظور في «لسان العرب» والفيروز آبادي «729 - 817 هـ» في القاموس المحيط ثم الزبيدي في تاج العروس 1145-1205 هـ. ما وراء المعاجم قُعدت اللغة وصارت معاجمها تحوي الغريب والمستحدث ولا تبالي بما جاء من غريب لغوي مستورد أصبح شائعاً، لأن اللغة لابد أن تحافظ على أرومتها الأساسية ومن هذا المنطلق كان لابد من التجديد في الاستحداث والابتكار - وهذا ما نحن بصدده هنا - حيث برع الباحثون العرب في اكتشاف معاجم يمكن أن يطلق عليها ما وراء المعاجم كما فعل الباحث اليمني عبدالله محمد الحبشي في كتابه «معجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي وبيان ما ألف فيها» في جزءين من إصدار هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. ولم يكتف الحبشي بهذا الكتاب الموسوعي بل ألف «معجم العلماء والمشاهير الذين أفردوا بتراجم خاصة «وهو أيضاً من إصدار هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. يقول الحبشي في تقدمته: «لقد تعددت المعاجم وكثرت اتجاهاتها وتخصصاتها ولم أجد معجماً واحداً يستقصي الموضوعات التي تطرق لها المؤلفون الإسلاميون على مختلف تخصصاتهم وتشعبات موضوعاتهم، ومن ثم يستقصي أعيانها في تنظيم معجمي دقيق، وهي الحاجة الماسة التي طالما تشوق إليها الباحثون وعانوا من أجلها المشاق الصعبة». يروي الحبشي أن أول معجم أصدره كان عام 1985م.. وبدأ بعد ذلك يهذب فيه طارقاً الموضوعات التي تعرض لها المؤلف الإسلامي عبر عصور حضارته الزاهرة. وقد جمع الباحث تحت عناوين - درجت على الطريقة الألفبائية - تناولت مختلف الموضوعات، أي كل ما أنتجه المؤلف الإسلامي من معرفة وكشوفات علمية عبر عصور التحول الإسلامي ابتداءً من العصر الإسلامي الأول «النبوة» حتى وقتنا الحاضر. دواعي التأليف حدد الحبشي أهمية معجمه في أنه يوفر المشقة على الدارسين في معرفة الكتب التي تناولت الموضوعات التي يبحثون عنها وفيها عندما يحاول الباحث الحديث معرفة مصادره في موضوعه بكل سهولة. لم يعد البحث العلمي مقتصرا على التعرف على المصادر بل أصبح تحليلا لمادة تلك المصادر أي أن موضوع الاستعارة مثلاً في اللغة والأدب يستدعي من الباحث الخوض في خصائصه وتحليلها وتبيان أشكالها أما مصادر الاستعارة والمواضع التي طرقت أنواعها فهي متعددة، ذلك ما يذكره على سبيل المثال كتاب الحبشي. أما أهمية معجم الموضوعات المطروقة فهي التيسير على الباحث وعدم إضاعة الوقت في البحث عن المصادر التي طرقت الموضوع الذي يريد البحث فيه. وفي مجمل المعاجم التي تقترب من هذا الموضوع تراها معنية بأسماء الكتب وتراجم العلماء، حيث رتبت حسب العنوان ولم تعن بالموضوع - كما يذكر الحبشي - إلا ما جاء منها مبوباً على حسب فنون العلوم الإسلامية الكبيرة، كالتفسير والحديث والفقه ونحوه، ولم تعن بدقائق هذه العلوم وتفاصيلها كما هو عند ابن النديم في كتابه «الفهرست» حيث اعتمد على الموضوعات الكبرى أو لنقل وفقاً للمصطلح الفلسفي المقولات الكبرى التي تعتبر علماً قائماً، شريفاً، كما صنفه العلماء العرب، وهي التفسير وعلوم القرآن واللغة والنحو والفقه وعلوم الكلام والتاريخ والموسيقى والأغاني والأدب والشعر وعلم الكيمياء، ثم جاء بعد ابن النديم العالم طاشكبري زاده «تـ 968 هـ «في كتابه مفتاح السعادة» حيث ذكر كبريات أسماء العلوم الإسلامية ثم جاء حاجي خليفة «1067 هـ» في «كشف الظنون». الحبشي في معجمه للموضوعات المطروقة اتخذ من الموضوع والمادة أساساً في تصنيفه التسلسلي حيث تعدى الفهارس إلى التراجم. أما حصر رؤوس الموضوعات كما أراد الحبشي فهو مطلب مهم لتحديد الموضوعات التي طرقها المؤلف الإسلامي عبر العصور المختلفة من خلال عناوين الكتب ذاتها لا من حيث ما تطرقت إليه الموضوعات في الكتاب. وقد اشتمل العلم الإسلامي على مختلف المعارف التي تناولها العالم المسلم وفقاً لجزئيات الحياة الدنيوية حيث تناول الإنساني وعلومه الذاتية والكونية ونقصد بالذاتية ما اكتشفه الإنسان في مختلف نواحي المعرفة التي تهتم بصحته الجسدية والعقلية كذلك العلوم الفلكية التي تفيد الزراعة والملاحة ومعرفة نواحي الحياة الدينية، أي باختصار كل ما هو ديني ودنيوي. هذا التناول الذي اضطلع به العلماء المسلمون كان لابد من حصره في معجم كمعجم الحبشي الذي عدّ مبتكراً فيه. يقول الحبشي نفسه: «وأنت حين تتصفح مواد هذا الكتاب لا تمر على مسألة من مسائل العلم، إلا وتجد المؤلف الإسلامي قد خاض غمارها وأفاد فيها ببحث أو أفردها في مؤلف مستقل في حين لم يكن أحد من أبناء الشعوب الأخرى يعرف أسماء تلك العلوم فضلاً عن التأليف فيها». منهج الحبشي اعتمد عبدالله محمد الحبشي طريقة في تأليف كتابه «معجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي وبيان ما ألف فيها» وهي اتباع الأسلوب المعجمي في التبويب؛ بأن يأتي باسم الكتاب ويضعه في موضعه المناسب من المادة المخصصة له في هذا المعجم بعد أن يجرد عناوين الكتب من ظاهرها المسجع ويدخلها في صلب الموضوع. وقد ترك ذكر الشروح والحواشي جميعها مكتفياً بالكتاب «الأم أو الأصل» الذي وضعت من أجله تلك الشروح والحواشي. أما العلوم الشهيرة فاكتفى الحبشي بما اعتنى به المؤلف الإسلامي على مستوى التأليف كالفقه والتفسير والحديث بذكر أمهات الكتب فيها فقط. ومن خلال هذه الطريقة كان الاختصار جزءاً من منهج عبدالله الحبشي في حصر الموضوعات المطروقة وما ألف فيها، حيث اكتفى بذكر لقب العلماء المشهورين فقط.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©