السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المجادلة في فهم المعادلة!

10 ابريل 2018 23:27
مضحك ومبكٍ في آنٍ معاً أن تكون الأزمات والكوارث والفتن والصراعات صناعة عربية محلية، وأن تكون الحلول أجنبية مستوردة ومفروضة فرضاً على هذه الأمة.. وأن يكون الحضور العربي كامل العدد وطاغياً في الفتن والخراب والدم والدمار وأن يكون الغياب العربي كامل العدد في محاولات الحل. وأن تكون مفاوضات الحل في سوريا تركية إيرانية روسية بلا أي حضور سوري أو عربي. ليست لدى العرب مهمة الآن سوى أن يتقاتلوا ويموتوا بالأصالة أو بالوكالة. وتخاصُم العرب مثل تخاصُم أهل النار. كلما دخلت أمة لعنت أختها، وكل يرجو للآخر ويريد ضعفاً من العذاب، ولكل ضعف ولكن لا يشعرون. ولست أدري ويبدو أنني لن أدري أبداً ما معنى وما مردود اجتماعات وقمم العرب مادامت كل أمورهم خرجت من أيديهم وصارت خيوط لعبتهم في أيدي القوى الكبرى والأخرى الإقليمية. والمعادلة العربية الحقيقية لم يعد فيها سوى خمس دول هي الإمارات والسعودية ومصر والبحرين والأردن.. وكل الدول العربية الأخرى خرجت من هذه المعادلة طوعاً أو أُخرجت قسراً وكرهاً.. والشأن العربي لم يعد يعني سوى هذه الدول الخمس. ومسألة التضامن العربي والعمل العربي المشترك والموقف الموحد صارت من الماضي أو هي صارت مصطلحات متحفية لا معنى لها. والخلافات العربية- العربية أصبحت واقعاً لا مفر منه ولا قفز عليه. والعداء العربي -العربي صار أضعاف العداء العربي- الإسرائيلي. وقضية فلسطين كانت دائماً قميص عثمان الذي ارتدته إيران وتركيا لخطف الشارع العربي الذي اقتنع فريق منه بأن سيطرة إيران وتركيا على الأمة العربية هي الطريق لتحرير فلسطين من الصهاينة. واكتشفنا ربما بعد فوات الأوان ذلك التحالف الاستراتيجي والزواج الكاثوليكي بين كل من إيران وتركيا وإسرائيل. وأن تدخل إيران وتركيا في الشأن العربي هو الذي عبد الطرق كلها لتهويد القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، وأن العرب أخرجوا تماماً من كل المعادلات.. وأن «الإخوان» بنسختيهم السُنية في تركيا والشيعية في إيران جنّدوا فرقاً من العملاء العرب باسم الدين والقدس والموت لأميركا وإسرائيل لتفكيك وتفتيت هذه الأمة، بل وتقسيم المقسم فيها. المصالحات والمعاهدات والاتفاقيات العربية على الورق والاقتتال والاحتراب على الأرض. وهناك تناقض صارخ بين الأقوال الحلوة والأفعال المرة. واللعب ضد العرب صار على المكشوف، ولم يعد التآمر خفياً ولم يعد في حاجة إلى أن يصدع المحللون الاستراتيجيون رؤوسنا بالبحث بين السطور وتحتها. والمسألة أو الطامة الكبرى أن الدين كان ومازال أداة النصب الكبرى على الشعوب العربية، وكان مدخل الشياطين إلى الرؤوس والعقول العربية إذا افترضنا جدلاً أن هناك رؤوساً وعقولاً. وكثيراً ما أتحاور مع من لا ينبغي التحاور معهم، وأتحدث عن التدخلات الإقليمية في الشأن العربي فيردد من أحاورهم نفس مقولة مرشد «الإخوان» في مصر محمد بديع.. المهم أن المتدخلين في شؤوننا مسلمون.. فلا بأس من تدخل إيران أو تركيا. نفس مقولة بديع: (لا بأس من أن يحكم مصر مسلم ماليزي أو تركي أو إيراني أو إندونيسي). أي أن المفاضلة العربية الآن صارت بين احتلال وآخر، واستعمار وآخر، وليست بين الاحتلال والاستقلال. ويذكرني ذلك بما قاله المؤرخ الكبير عبدالرحمن الجبرتي عن حال مصر بعد خروج الحملة الفرنسية منها عام 1801، حيث قال إن الجنود الأتراك الذين جاءوا لتسلم مصر من حملة بونابرت عاثوا في الأرض فساداً، وكانوا يشاركون المصريين حوانيتهم وبيوتهم أو يستولون على المنازل من أصحابها ويطردونهم. ويستولون على أقواتهم وأرزاقهم. وعندما كان المصريون يشتكون لعلماء الأزهر أو للولاة يُقال لهم: هؤلاء إخوانكم المسلمون الذين خلصوكم من الكفرة الفرنسيين. ومن حقهم عليكم أن تكرموهم وتأووهم وتوفروا لهم النفقة، فهذا واجب شرعي، هم يجاهدون بأنفسهم، وأنتم تجاهدون بأموالكم. وهكذا كان ومازال استخدام الدين في اللصوصية والسطو والبلطجة والظلم والعسف وإلغاء فكرة الوطنية والوطن لمصلحة ولحساب الغاصب فقط لأنه مسلم وعلى ديننا.. بينما لم يطلق الجنود الأتراك يومئذ رصاصة واحدة ضد الفرنسيين، وإنما جاءوا لتسلم مصر منهم بوصفها ولاية عثمانية. التاريخ العربي السيئ فقط هو الذي يعيد نفسه ويعاد إنتاجه بأبطال ومؤلفين ومخرجين مختلفين.. على الرغم من أن الاحتلال الفرنسي لمصر الذي دام ثلاثة أعوام فقط لم يرتكب واحداً على مائة من جرائم المماليك والعثمانيين ضد الشعب المصري. ولكن تم تسويق هذه الجرائم النكراء من جانب المماليك والعثمانيين على أنها أفعال إخوة في الدين من حقهم أن يغتصبوا ويقتلوا ويسرقوا.. فهم خير من الكفرة.. وهذا ما يفعله وكلاء إيران وتركيا في المنطقة. ويقولون وهناك من يصدقونهم: نحن نحارب الكفرة واليهود، ونجاهد في سبيل الله ومن أجل تحرير المقدسات. وإخواننا في الدين يدعموننا، وهكذا صارت العمالة والخيانة شرعية باسم الدين، وهذا ما يفعله «الحوثيون» وميليشيات نصرالله و«الإخوان» و«الدواعش» وإرهابيو «القاعدة» و«النصرة» وما يسمى «جيش الإسلام».. كلها أسماء إسلامية لأفعال شيطانية. ولافتات إسلامية لأوكار الخيانة والتآمر. ولذلك أيضاً لم يعد العرب يجفلون من الجواسيس ويشمئزون من العملاء كما كان يحدث في الماضي، بل صار هؤلاء مجاهدين وناشطين سياسيين وحقوقيين، وكل هذا لأنه تم تسويق العمالة والخيانة والجاسوسية باسم الدين وباسم الله. وتم تغليف التآمر بغلاف ديني. وصار تخريب البلاد وقتل العباد في هذه الأمة بشعار «الله أكبر». وعندما تسربل الخونة بالدين أصبح نقدهم أو معاداتهم أو الهجوم عليهم كفراً وزندقة.. وابتلعت الشعوب أو معظمها الطعم (وأكلت الأونطة) كما يقول المصريون وشربت السم الزعاف في آنية معطرة ومبخرة بالدين. ونجحت أو كادت مؤامرة تفكيك وتفتيت الأمة وانتشرت فيها الطائفية والمذهبية كأورام خبيثة. وكل هذا باسم الدين والدين من ذلك كله براء، بل منتهى الكفر ما يفعله هؤلاء المتآمرون بأن يكون الدين وهو الغاية العظمى مجرد وسيلة لضرب ثوابت ورواسخ هذه الأمة.. وليس إلى خروج من سبيل على ما يبدو.. ولم يعد من جديد يقال، وكل ما يقال ليس سوى مجادلة في فهم المعادلة! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©