الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آكل بسرعة وبكثرة

آكل بسرعة وبكثرة
9 مايو 2010 21:11
أحد عشر أخاً وأختاً، وأنا آخر العنقود الذي لا يحصل على شيء على المائدة إلا بعد تدخلات كبار الأسرة بأن أعطوا أخاكم كسرة خبز يا وحوش. وبسبب هذا التجمع المبارك بذرت في طينتي خصلة غير حميدة أبداً أمام الأطباق، وهي سرعة الأكل. فمن الطبيعي، بل الواجب، أن تقاتل لتجد لك مكاناً على المائدة مع الكبار، وتأكل بسرعة وتجرّب مما يليك ومما يلي غيرك قبل أن تُطلق صافرة النهاية. فإذا لم تكن سريعاً أكلك إخوانك الذئاب بعد أن يأكلوا نصيبك. لكن بذرة السرعة ما كانت لتنمو شجرة مثمرة بالأضراس والأنياب لولا عوامل أخرى رفعت سرعتي من أربعة أحصنة إلى ثمانية، منها المبدأ الهدّام «آخر واحد». فقد نشأنا في بيت لا خدم فيه ولا حشم، وكانوا يجهّزون لنا العشاء نحن الأخوة المتقاربين في السن لنأكل قبل الآخرين وننام مبكراً، ويضعون الصينية أمامنا ونهجم عليها بسرعة، ويكون آخر من بقي يأكل هو الذي يحمل الصينية إلى المطبخ. لذلك كان كل واحد منا يراقب البقية ويخطط للنهوض قبلهم. والفرق بين من نهضوا وبين آخر من نهض هو اللقمة الأخيرة، أو لقمة الختام، أو مجرد الالتفات إلى جهة أخرى أو الانتباه للقطة في التلفزيون. وعلى الرغم من أن المطبخ لم يكن بعيداً، والصينية لم تكن ثقيلة، بل فارغة تماماً إلا من الأطباق الفارغة تماماً هي الأخرى، إلا أن المسألة كانت مسألة مبدأ، فلِم أحمل أنا الصينية على الرغم من أنهم هم أكلوا أيضاً؟ ومن الطبيعي أن من يبلع بسرعة يولع بالطعام، أو ما يسمى بالنهم، ثم يصبح شرهاً مفرطاً في الأكل، ومع الأيام يصبح جشعاً أمام المائدة ويطمع أن يأتي على كل الموجود. وجاءت النظرية الكلبية لتختم على فمي بالإكثار من الأكل. ففي بيتنا كان ترك بقايا الطعام في الطبق يعد كبيرة من الكبائر، وكثيراً ما سمعت من يوبخني بينما أتهيأ للنهوض: هل تركت بقية الطعام للكلاب؟ ويمكن أن تنتهي المشكلة بأن تغرف كمية لا تزيد عن حاجتك، لكن المشكلة أن أمي هي التي تغرف للصغار، وهي التي تحدد حاجتهم، وفي بعض الأحيان تكون حاجتهم أقل، فيتورّطون بالبقايا أو بالأحرى تتورّط بطونهم. وتستمر المشكلة الكلبية حتى حين يكبر هذا الطفل ويصبح أسداً ضارياً، فعند أمي لا ينبغي للمرء أن يغرف في طبقه أكثر من مرة، وعليه أن يعرف من الوهلة الأولى الكمية التي سيأكلها. وأي جائع في العالم يعتقد في البداية أنه سيقضي على كل ما في المائدة من طعام وأطباق، لكن هذه الرغبة تنحسر تدريجياً حين يبدأ في الأكل. فكيف يصنع هذا الجائع أمام أمي؟ إن وَضَعَ كمية قليلة من الطعام فإنه لا يحق له وضع كمية أخرى، وإن وَضَعَ كمية كبيرة فإنه لا يحق له ترك ما تبقى. لذلك، حين كبرت وصار بإمكاني أن أغرف لنفسي ما أشاء، بضوابط أمي طبعاً، كنت في كثير من الأحيان أصنع جبلاً من الأرز في طبقي، وآكل القمة بهمّة وأشعر ببدايات الشبع، لكنني أضطر إلى دكّ الجبل دكاً دكاً، وجعل قاع الطبق قاعاً صفصفاً، وهكذا أصبح في نظر أمي ولداً عاقلاً ومؤدباً ومقدراً لنعم الله التي لا تعد ولا تحصى. بمضي سنوات على هذه العادة الاقتلاعية، أصبحت آكل أكثر من حاجتي، وبمرور الوقت صرت مؤمناً بأهمية احترام الطعام وعدم ترك البقايا لئلا تذهب إلى برميل القاذورات حيث يستوطن الشيطان، لأن رمي الطعام في بطني لا يعد حراماً، لكن رمي الطعام في البرميل يعد قلة أدب مع النعمة التي هي مهددة بالزوال في أي لحظة. الخلاصة أنني آكل بسرعة نتيجة المزاحمة الإخوانية وبسبب مبدأ «آخر واحد»، وآكل كثيراً نتيجة النظرية الكلبية، وكل هذا يؤدي إلى الولع بالطعام الذي يؤدي بدوره إلى ظهور الأورام الحميدة في طول الجسم وعرضه. أحمد أميري Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©