الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شمس الحقيقة والخفاء الإلكتروني

شمس الحقيقة والخفاء الإلكتروني
17 مارس 2012
إن كنت متزوجاً وتملك حساباً في «تويتر» مثلاً، وسبق أن كبّرت صورة زميلة تويترية، وأخذت تحملق فيها لدقائق، فإن زوجتك يا عزيزي ستعرف، وهي تعرف الطريق إلى خزانة القباقيب، وكان الله في عون الصلعة. وإن كان لديكِ، أختي الإلكترونية، حين كنتِ مراهقة غاضبة، بريد إلكتروني باسم وهمي، فتاة أحزان، قيثارة البجعة البيضاء مثلاً، وبعثتِ رسالة لناظرة مدرستكِ الذكية، أو زوجة شقيقكِ الطيبة، فإنه سيتاح لهما في يوم ما معرفة صاحبة تلك الرسالة العدائية. وإن كانت هناك منظمة باسم الماسونية، فهي آخر جهة في العالم ستُكشف أوراقها، وكل جهة أو شخصية دون الماسونية، فإن أسرارها لا تتمتع بالحماية، ومن ضمنهم أنا وأنت. وأعني هنا الحماية في الإنترنت، فمن لا يرتبط به، وليس عنده كمبيوتر، فهو أكثر حصانة حتى من الماسونية، ولن نعرف ما فعل وما لم يفعل. تبدأ الحكاية مع منظمة «ويكيليكس» التي سرّبت مئات الآلاف من الوثائق السرية المتعلقة بحروب بوش، ثم أخذت تسرّب البرقيات الدبلوماسية الخاصة بالأخوات أولبرايت وكونداليزا وهيلاري، والأسماء حسب الأقدمية. ولم تكن وثائق وزارة «الجميلات والوحش» موضوعة بالقرب من برميل قاذورات خلف مبنى الوزارة وتصادف أن السويدي جوليان أسانج كان يتنزّه هناك وعثر عليها، بل هي إما مسرّبة من مواقع إلكترونية تستضيف المواقع الإلكترونية التابعة للحكومات، أو من أشخاص يعملون في هذه المواقع. ولا أريد أن أغوص عميقاً لأنني سأغرق في بحر الجهل بالبرمجة، والمهم أن جوليان لم يعثر على الوثائق بالقرب من برميل القاذورات في واشنطن. بالطبع، معلوماتي ومعلوماتك ليست أغلى وأهم من معلومات تمسّ الأمن القومي الأميركي، ومَن لم يقرصه ضميره وهو يعرّض للخطر آلاف الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في تلك الوثائق، فلن يشعر حتى بحكّة في ذقنه وهو ينشر أشياءً تخصني وتخصك. ومَن وقف في وجه أجهزة العالم كلها ونشر غسيل الدبلوماسية الدولية، يعتبرُ شخصاً مثلي ومثلك مجرد غبار على طاولة الإنترنت. أنا أعرف ما يدور بخلدك الآن، لذا فإنني أدعوك لتأمّل الخبر الذي نشرته الصحف مؤخراً بشأن المعايير المعتمدة لنشر الصور في «فيسبوك»، وسرّب هذه المعايير موظف سابق في شركة متعاقدة مع «فيسبوك». هل لاحظت، كالعادة، هناك شخص يسرّب المعلومات؟ ولحسن الحظ أن المعلومات كانت تخص الموقع نفسه لا المشتركين فيه، ومن ضمن المعايير المعتمدة في «فيسبوك» هو التشدّد في نشر الصور المتعلقة بالجنس والتساهل في صور العنف، ويبدو أن معاييرهم تشبه معاييرنا، ومنع نشر صور بعض أنواع القذارة البشرية والتسامح في نشر بعضها الآخر، فمثلاً، صور شمع الأذن لا يقبله «فيسبوك» الراقي لكنه يقبل بسعادة صور مخاط الأنف. والقضية ليست في الشمع أو المصابيح، وإنما في التسريب، فاليوم يسرّب موظف غاضب معايير النشر، وغداً يسرّب موظف ثمل الأرقام السرية لجميع الحسابات في «فيسبوك»، من يعلم؟ يبدو أنك لا تزال غير مقتنع بترك الإنترنت والعودة للكتابة على عظام الحيوانات، إذن: هل أتاك خبر بيع «تويتر» لكل التغريدات التي أرسلها أكثر من مليون مشترك عربي في هذا الموقع بثمن بخس دولارات معدودة؟ وفي التفاصيل، أن كل التغريدات، حتى تلك التي مسحها صاحبها، تبقى محفوظة في مستودع التغريدات بالشركة، وتتيح شركة تتعامل معها «تويتر» لأي جهة، أو شخص، من أي مكان في العالم، شراء التغريدات، أي الاطلاع عليها والبحث فيها، ومعرفة ساعة الإرسال، ومكانه، مقابل ذلك اشتراك شهري قيمته ألف دولار فقط، لا غير. وأنت أعلم مني بالمنازعات القضائية بين منتجي الإبداع الأدبي والفني وبين مواقع الإنترنت بشأن حقوق الملكية الفكرية، فكل شيء قابل للانتزاع في الإنترنت، وأخشى أن يأتي يوم يسدّد فيه أحدهم طعنة سكين لشاشة كمبيوتر في مقهى بكولومبيا، فتنفذ إلى شاشتي في مقهى بدبي وتخترق بطني وأنزف الكثير من الفيروسات إلى أن تنطفئ حياتي. وأشعر بأنك لا تزال متمسكاً بالـ»كيبورد» ولا تريد أن تحطّمه على رأسك، إذن تعال لنتخيّل معاً هذا السيناريو على ضوء ما سبق بيانه من جنابي لكم: ما الذي يمنع مواقع التواصل ومواقع «البرائد»، أن تتيح في يوم ما، لمن شاء، أن يدخل في حساب من شاء، ويطّلع على جميع رسائله وبياناته وحركاته الإلكترونية؟ ولا يهم هنا إن كانت البحبوحة المعلوماتية تمت بشكل مشروع وبقصد البيع والتجارة بالمعلومات، أو بشكل غير مشروع من خلال موظف غاضب أو ثمل وبقصد الانتقام والتخريب. هل هناك ضمان بعد «ويكيليكس» وتسريب معايير «فيسبوك» وبيع تغريدات «تويتر»؟ وإليك الآن أكثر سيناريو مرعب خطر ببالي، وهو أن يتبرّع أحد الحمقى الافتراضيين بقرصنة جميع معلومات كل المواقع الإلكترونية التي نتعامل معها: تواصل كـ«تويتر»، بريد كـ»«ياهو»، بحث كـ«جوجل»، ثم يضعها في متناول البشرية عبر محرك بحث بسيط، ليكن اسمه مثلاً «شمس الحقيقة»، لا يتطلب سوى أن تضع فيه اسم الشخص المعني، أو أي بيانات أخرى، تاريخ ميلاد، مدينة، رقم هاتف، رقم الـ(IP)، ثم بنقرة واحدة يظهر كل شيء من أول لمسة له على لوحة المفاتيح إلى آخر لمسة. مثلاً: في هذا اليوم كتب صاحب الحساب في تويتر الأخ «صوت الإيمان»، الذي هو زوج الباحثة في المحرك، تغريدة سرية أو رسالة مباشرة لفتاة في اليونان، وهذه صورتها يا أختي، فتقوم أختي هذه باستعراض تغريدات الفتاة فتجد هذه التغريدة: أنت شيطان يا صوت الإيمان، قلت لزوجتك الغبية أنك في العمرة بينما أنت في الطريق إلى اليونان؟ لووول أنا أعرف أن كثيرين، وأنا أولهم، سيبدأون في التفكير في «تحركاتهم» الإلكترونية والدعاء ليدوم هذا الخفاء الإلكتروني فلا تشرق علينا شمس الحقيقة يوماً، وأعرف أيضاً أن الوحيد الذي لن يرتعش له إصبع على «الكيبورد»، ولن يشغل باله بشروق أو غروب، هو الذي لا يلتفت يمنة ولا يسرة في الفضاء الإلكتروني، واثق النفس بكل نقرة نقرها على لوحة المفاتيح. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©