الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جزائريون يتصيَّدون التخفيضات الموسمية لشراء الألبسة

جزائريون يتصيَّدون التخفيضات الموسمية لشراء الألبسة
17 مارس 2013 20:05
حسين محمد (الجزائر) - تُعدّ التخفيضات الموسمية لأسعار الملابس والأحذية فرصة لذوي الدخل المحدود بالجزائر لاقتناء حاجياتهم منها، ويترقبها هؤلاء مرتين كل سنة كما تنص قوانين وزارة التجارة، إلا أن الكثير منهم عبّر عن خيبة أمله في هذه “التخفيضات” واعتبرها “وهمية” ومجرَّد “حيلة” من بعض التجار لصرف سلعهم عبر تعليق ملصقات توهم الزبائن بأن هناك تخفيضات، دون أن يقوموا بالفعل بتخفيض أسعار سلعهم، باستثناء الرديء منها. مرتان في العام إذا كانت مواسم تخفيض الأسعار في فترات محددة، نشاطاً تجارياً عريقاً في أوروبا والغرب، فإنها حديثة العهد في الجزائر؛ إذ لم تعرفها بشكل قانوني ورسمي، إلا ابتداءً من عام 2006 فقط، بعد أن أصدرت وزارة التجارة مرسوماً قانونياً ينظم هذا النشاط ويقننه، ويسمح به مرتين فقط في السنة، مرة في الشتاء وأخرى في الصيف، وتدوم كل فترة ستة أسابيع، ويشترط أن يُقدِّم التجار الراغبون بتخفيض أثمان سلعهم طلبات للولاية، بغية الحصول على رخص تسمح لهم بهذه الممارسة التجارية الاستثنائية في فترة محددة. وأدى ذلك إلى بداية بروز هذا النشاط منذ عام 2006، ولكن على مستوى بسيط، حيث لم يتحوّل إلى ممارسة تجارية تنافسية ينتظرها الزبائن محدودو الدخل بشغف سوى منذ نحو عامين إلى ثلاثة فقط، كما إنه لا يزال مقتصراً على الملابس والأحذية والحقائب الجلدية فقط، ولم يتوسّع ليشمل كل السلع كما هو جار في مختلف البلدان التي تملك تقاليدَ عريقة في هذا المجال. وبحسب إحصائيات مديرية التجارة لولاية الجزائر، فإن عدد تجار الملابس والأحذية الذين طلبوا رخصاً لتخفيض أثمان سلعهم في الفترات المحددة من قِبل الوزارة، قد انتقل من 60 ترخيصاً في عام 2009 إلى 188 ترخيصاً في 2013، أي أنه تضاعف بـ3 مرات في أربع سنوات، ما يدلّ على الاهتمام المتزايد للتجار بهذه الممارسة التجارية الجديدة بالبلد، لكن محمد حجال، مسؤول المراقبة بمديرية التجارة، أكد أنها لا تزال محدودة جدا بالنظر إلى العدد الكبير للتجار بالجزائر. وتُحصي الجزائر الآن نحو 1,5 مليون تاجر نظامي، وعشرات الآلاف من التجار الفوضويين، ومنهم عشرات الآلاف من تجار الملابس والأحذية، النظاميين والفوضويين، ما يعني أن عدد الذين يمارسون التخفيضات الموسمية لا يمثل شيئاً في هذا العدد الضخم. يقول محمد حجال “التخفيضات في أسعار الملابس والأحذية تكاد تقتصر على شوارع الجزائر الوسطى، بينما هناك بلديات كثيرة في عاصمة البلد لا يعرف تجارُها أبداً هذه الممارسة التجارية، ثقافة التخفيضات لم ترسخ بعد لدى التجار وربما رأى فيها بعضُهم ضرراً وخسارة”. إقبالٌ متباين مع ذلك، تعرف الشوارع الكبرى لمدينة الجزائر حركة تجارية نشيطة هذه الأيام، فقد بدأ موسمُ التخفيضات الشتوية منذ نحو شهر، وهي فرصة كان ينتظرها الكثيرُ من ذوي الدخل المحدود لاقتناء حاجياتهم من الألبسة والأحذية بأسعار مناسبة. الكثيرُ من محلات الملابس في شوارع “الشهيدة حسيبة بن بوعلي”، و”الشهيد العربي بن مهيدي” و”الشهيد ديدوش مراد” بقلب مدينة الجزائر، تفاعلت مع الحدث عبر وضع ملصقاتٍ كبيرة على واجهات المحلات تحمل عبارة “سولد” أي “تخفيضات”، وبجانبها ملصقاتٌ أخرى صغيرة تحمل الأسعار القديمة لكل سلعة وهي مشطَّبة وبجانبها أسعار جديدة منخفضة، وتعجّ المحلاتُ بالزبائن الذين يعاينون السلعَ ومقاساتِها وأسعارها، وبعضهم يقتني ما يجده مناسباً له وآخرون يخرجون من المحلات بلا اكتراث. ويؤكد رفيق سليماني، تاجر ملابس بشارع حسيبة بن بوعلي، أن فترة التخفيضات تعدّ بالنسبة إليه “فرصة ذهبية لصرف السلع وتجديد المخزون وكسب زبائن جدد”. أما الزبائن فتختلف آراؤهم بين مصدِّق ومكذب، يقول عثمان ماضي، موظف إداري، وهو يخرج من محل ملابس بشارع “ديدوش مراد” محملاً ببدلة فاخرة “سعر هذه البدلة طيلة أيام السنة لا ينزل عن 13 ألف دينار جزائري، لكني اقتنيتها بـ7 آلاف دينار فقط اليوم، أي بقرابة نصف ثمنها، التخفيضات حقيقية ولولاها لاضطررنا إلى اقتناء الملابس المستعمَلة”، أما الشاب فؤاد لعْجايلية، فقد خرج من محل بشارع حسيبة خالي الوفاض، يقول “هي مجرد حيلة يلجأ إليها التجار للتخلص من مخزون سلعهم المكدسة والرديئة تمهيداً لاقتناء سلع جديدة تتوافق وفصل الربيع، هناك تجارٌ يلهبون الأسعار قبل بدء موسم التخفيضات بأسابيع قليلة، ثم يقومون بتخفيضها مع بداية موسم التخفيضات، ويكتبون الأسعار القديمة والجديدة في ملصقات لإيهام الزبائن بأن هناك تخفيضات حقيقية، في حين أنهم أعادوا الأسعار إلى ما كانت عليه قبل أسابيع وكفى، هؤلاء لا يقبلون بأن ينخفض حجمُ أرباحهم، ولسنا سذجاً لنصدق خُدعهم”. تصريف السلع في مدينة الرغاية، 30 كلم شرق الجزائر، أكد لنا أصحابُ محلات الملابس أن تخفيضاتهم حقيقية، وأن هذا الموسم فرصة لهم لتصريف سلعهم واقتناء أخرى، إلا أن التاجر جمال غراب، المدعو “مينو”، يكشف عن سبب آخر دفعه شخصياً إلى تخفيض أثمان ملابسه بمقدار يقلُّ عن نصف سعرها أحياناً: “هناك دخلاء على المهنة قاموا بإغراق السوق عبر تخفيض أسعار سلعهم إلى مستويات متدنية، ما أجبرني على الرد بالمثل وعرض سلعي بأسعار تقلُّ حتى عن أسعار الشراء نكاية فيهم، سأغيّر نشاطي التجاري بعد نهاية موسم التخفيضات”. واللافت للانتباه أن جمال كان يبيع الملابس الكلاسيكية مع الملابس العصرية وكذا الرياضية من قمصان وأحذية موجَّهة للرياضيين، وعرض بعض السلع بأقل من نصف أثمانها، بل بثلثها: “اعتبروني مغامرا أو مقامرا إذا شئتم، لكني أريد إغراقَ سوق المدينة ردا على التجار الهواة، وبعدها سأغيِّر النشاط، لم تعد هناك تجارة”. من جهتها، لا تنظر الجمعيات بحماس إلى تجربة التخفيضات في الجزائر، ويعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك وتوجيهه مصطفى زبدي حملات التخفيض “إشهاراً كاذباً لسلع التجار وذرا للرماد في العيون، ومواسمُ التخفيضات لا تتعدى ستة أسابيع في كل مرة، ولكن أغلب هؤلاء التجار يعلقون لافتات التخفيض طيلة السنة، ما يؤكد أنهم يستعملونها وسيلة لاستدراج الزبائن فقط”. ويؤكد زبدي أن المشكلة تكمن في غياب “ثقافة التخفيضات” وتقاليد راسخة في هذا المجال بالجزائر، بدليل أن عدد التجار المنخرطين فيها قليلون جدا، كما إن التخفيضات تنحصر في الملابس والأحذية والحقائب الجلدية فقط، ولا تشمل جميع السلع كما هو الحال في الغرب الذي يملك تقاليدَ عريقة في هذا الجانب، ما يعود بالفائدة على التجار والزبائن وينشِّط الحركة التجارية ككل. ويضيف “زرتُ مختلف محال التخفيضات وعاينتُ الأسعار وتأكدتُ أنها تبيع سلعَها بالأسعار القديمة نفسها، وليس هناك إشهارٌ حقيقي للأسعار القديمة والجديدة أو فصلٌ بين السلع المعنية بالتخفيضات عن غيرها كما ينص القانون، إنه احتيالٌ على الزبائن في ظل غياب الرقابة التي تتقاعس عن أداء دورها في مكافحة هذا الغش”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©