الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مؤسسات دبي.. البنية التحتية للثقافة

مؤسسات دبي.. البنية التحتية للثقافة
26 مارس 2014 19:41
في منتصف التسعينيات الماضية، عندما بدأت دبي حركة عمرانية نشطة، وبموازاتها حراكاً ثقافياً متنوعاً (غلب عليه الطابع الترفيهي في بادئ الأمر)، بدا للكثيرين على المستوى القريب أو البعيد، وكأن المشهد الجديد أقرب إلى المغامرة غير المحسوبة، ذلك أن عملية الاستثمار في الغراس الثقافية، على مستوى إشاعة الفنون والآداب، وتحويلها إلى صناعة، من ضمن مفاهيم التنمية البشرية المستدامة، لم تكن مجربة أو مُختَبَرَة عربياً، وبخاصة في مجتمعات فتية، تعتمد بالدرجة الأولى على الاقتصادات الريعية النفطية، وبالتالي لم تكن معاني أو معالم التجربة واضحة في ذهن جميع المراقبين، باعتبارها خيارا وحيدا هو من أقصر وأسرع الطرق إلى المستقبل الآمن. لكن، وبعد أقل من عقدين، حققت دبي قفزة غير مسبوقة في التحديث على مستوى المنطقة. محمد وردي لاستكمال الإطلالة على المشهد الثقافي في دبي، لابد من التوقف قليلاً عند المؤسسات الحاضنة للحراك الثقافي العام في المدينة، على تنوعه وتعدده في كل المجالات الإبداعية على مستوى الفنون والآداب، وهي مؤسسات صارت راسخة القدم، وطويلة الباع في الإدارة وتنظيم واستضافة الفعاليات العربية والعالمية الضخمة، واستقطاب القدرات الإبداعية الخلاقة محلياً وعربياً ودولياً. وفي مقدمة هذه المؤسسات «هيئة دبي للثقافة والفنون»، التي تم إطلاقها في 8 مارس 2008 بموجب قانون أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في إطار خطة دبي الاستراتيجية 2015. وقامت الهيئة بالعديد من المبادرات، التي تثري النسيج التاريخي والمعاصر للثقافة في الإمارة، من بين أبرز المبادرات، «جائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لداعمي الفنون». كذلك الأمر بالنسبة لمبادرة «موسم دبي الفني» الشاملة للفنون، في إطار «أسبوع الفن» الذي يضم، «معرض سكة الفني» و«أيام التصميم ـ دبي» و«آرت دبي»، و«معرض الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصورة» (كوميك كون) و«مهرجان الخليج السينمائي». وهناك مبادرة «موسم دبي التراثي»، التي تقام على مدار ستة أشهر للإضاءة على تراث المدينة. هذا بالإضافة إلى «مهرجان دبي لمسرح الشباب» السنوي. عن هذه المؤسسات وغيرها، التي تشكل البنية التحتية للثقافة في دبي، يتحدث عدد من مسؤوليها والمعنيين بشؤونها: يقول سعيد النبودة المدير العام بالإنابة في هيئة دبي للثقافة والفنون: إن الجهد يتركز على أن تكون الثقافة مكملة للنهضة الاقتصادية والعمرانية في دبي، وفي الوقت عينه أن تلعب الدور الرئيس في رسم هوية الإمارات الثقافية بخصوصيتها العربية والإسلامية، المتناغمة مع توجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في جعل ليس دبي وحدها، وإنما الإمارات والمنطقة عموماً، واحة للتسامح والتمازج الثقافي والحضاري، الأمر الذي يغني خصوصيتنا الثقافية. فهكذا تقوم الحضارات على التلاقح والتراكم الثقافي في تاريخ الإنسانية. لذلك تحرص الهيئة على رفد الحراك الثقافي بالمبادرات المتواصلة، والفعاليات المتنوعة على مدار العام. ناهيك عن ثماني مكتبات باتت بإدارة الهيئة، وهي تقدم خدمات ثقافية هائلة. نموذج الفرص الابداعية من جهته يقول الدكتور صلاح القاسم المستشار الثقافي في الهيئة، إن الهيئة تسعى كل عام لإطلاق سلسلة من المبادرات الرامية إلى تثقيف أجيال المستقبل، لتسهم بدور جوهري في الحفاظ على هذا الإرث العريق وغرسه في نفوس الأطفال والشباب. ويؤكد أن هذه المبادرات تتضمن «موسم دبي التراثي» الذي يسلط الضوء على ثراء تراثنا الوطني، ويقام خلال الفترة الممتدة من أكتوبر إلى أبريل من كل عام، ويهدف إلى تعريف سكان المدينة وزوارها بالتاريخ الحافل لدولة الإمارات العربية المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، أطلقنا «مركز دبي للتنمية التراثية» في العديد من المدارس الحكومية في المدينة، ليقدم للتلاميذ فرصة اكتساب معلومات ومعارف موسعة عن تاريخ دولتهم. الحاضنة الأم من دون شك تُعتبر «ندوة الثقافة والعلوم»، التي تأسست عام 1987 الحاضنة الأم للحراك الثقافي في دبي، لأنها استضافت مئات المفكرين والمبدعين العرب والأجانب، ورعت الكثير من الاحتفالات المسرحية والسينمائية والموسيقية والمعارض التشكيلية. بالإضافة إلى استحداث أهم جائزتين: الأولى: جائزة راشد للتفوق العلمي. والثانية: جائزة العويس للإبداع، التي انطلقت تحت مسمى «جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي». كما قامت الندوة بإصدار مجلة «حروف عربية». كذلك استطاعت الندوة، من خلال «نادي الإمارات العلمي» أن تنشر الثقافة العلمية، بتبسيط العلوم، وتدريب الشباب على ممارستها والتعامل معها. يقول بلال البدور نائب رئيس مجلس إدارة الندوة، إن دبي خطت خطوات واسعة على مستوى تعدد مؤسسات الفعل الثقافي الرسمية والأهلية. فبالإضافة إلى «ندوة الثقافة والعلوم»، هناك مؤسسات خاصة، مثل «مؤسسة العويس الثقافية» و«مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث» و«رواق عوشة بنت حسين الثقافي»، و«جمعية هداة الطوابع»، و«جمعية الحفاظ على التراث العمراني»، و«جمعيات الفنون الشعبية»، و«نادي السيدات»، و«جمعية النهضة النسائية»، وغيرها. هذا فضلا عن احتضان دبي عدداً كبيراً من المهرجانات الأدبية والسينمائية والمسرحية، والتظاهرات الفنية، وتوظيف بيوت التراث العمراني محاضن للثقافة والفنون. إلى جانب الحركة المتحفية. ويلاحظ البدور، أن هناك بعض المعوقات، التي يمكن تلافيها بيسر، مثل عدم التنسيق والتكرار أحياناً في الأنشطة. ومع ذلك استطاعت دبي أن تخلق بيئة يتعايش فيها الناس من جنسيات مختلفة. جمعة الماجد للتراث والثقافة أما مركز «جمعة الماجد للثقافة والتراث» الذي تم تأسيسه في دبي عام 1991، فكان على يحمل على عاتقه الاهتمام بالمشاركة الفاعلة في دعم الحراك الثقافي في الإمارات، انطلاقاً من رؤية مؤسسه معالي جمعة الماجد، الذي وضع نصب عينيه هدف الارتقاء بالثقافة ليس في الإمارات فحسب، بل في الوطن العربي. فعمل جاهداً على توفير الأوعية الثقافية التي يحتاجها المثقف، حيث باتت مكتبة المركز تحتوي الآن على أكثر من 500 ألف مجلد، وبلغ عدد المخطوطات نحو خمسين ألف عنوان، منها حوالي 8000 مخطوطة أصلية، كما تحتوي المكتبة على أكثر من 200 ألف مخطوط مصور. ولم ينحصر جهد المركز بحدود اللغة العربية بل عمل على إنقاذ الكتاب مطبوعاً ومخطوطاً بأي لغة وبأي توجه كان. كذلك قام المركز بتخصيص قسم للتراث الوطني، يقدم صورة الهوية الثقافية من خلال توفير مكتبة تضم عدداً كبيراً من الكتب والوثائق والصور والخرائط التي توثق دبي والإمارات من جميع النواحي، إضافة إلى مشروع جمع المقالات الخاصة بالإمارات. جوائز دبي أولت دبي بمؤسساتها الأهلية والرسمية موضوعة الجوائز اهتماماً، وصارت لديها مؤسسات ترعى الإبداع عربياً وعالمياً، مثل مؤسسة « سلطان بن علي العويس الثقافية»، التي تمنح كل عامين، في مجالات الشعر، والقصة والرواية والمسرحية، الدراسات الأدبية والنقد، وجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية. يضاف إلى ذلك جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي. ومنذ انطلاقته قبل سبعة وعشرين عاماً، كرمت المؤسسة 79 شخصية ثقافية من رموز الإبداع العربي. وتحتوي المؤسسة على مكتبة متخصصة بالأدب العربي المعاصر تضم حوالي (40 ألف كتاب) في حقول الأدب وما يتصل به، حيث كتب القصة والرواية والمسرح والشعر والدراسات الأدبية والإنسانية والنقدية والسير الذاتية والدوريات والمجلات والديانات الفلسفية، فضلاً عن التاريخ والجغرافيا والموسوعات الأدبية والفهارس والقصص أو الروايات المترجمة إلى اللغة العربية. تقول الدكتورة فاطمة الصايغ عضو مجلس الأمناء في مؤسسة «سلطان العويس الثقافية: «لا ريب أن للثقافة مهام متعددة ليس فقط من ناحية إلقاء الضوء على الوعي المتوافر ودوره في الارتقاء المجتمعي، ولكن إبراز الوجه الثقافي المشرق للمجتمع. ودبي تتباهي على غيرها من المدن بأن لديها مؤسسات ثقافية فاعلة ونشطة، على رأسها ندوة الثقافة والعلوم ومؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، التي أتشرف بالانتماء إليها، ونلت شرف عضوية مجلس الأمناء فيها. فدور هذه المؤسسة فاعل على مختلف الصعد الثقافية من فن ومسرح ورواية وأدب، وغيرها من أوجه الثقافة. هذه الأوجه مهمة جدا خاصة بالنسبة لدبي، لأن المدينة حازت سمعتها من الاقتصاد ودوره في بناء المدينة ،ولكن الثقافة هي التي أعطت لدبي روحها، وإذا كانت التجارة هي التي تغذيها، فإن الثقافة هي روحها الجميلة وهُويتها العربية». أيضاً هناك «جائزة دبي الثقافية للإبداع» التي ترعاها مجلة «دبي الثقافية» بإشراف الأديب سيف المري. و«جائزة راشد للتفوق العلمي»، و«جائزة حمدان للتصوير الضوئي»، و«جائزة محمد بن راشد آل مكتوم لداعمي الفنون» و«جائزة دبي للموسيقى»، و«جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي»، و«جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم»، وجوائز أخرى في مختلف أنواع الفنون. أرت دبي بات «معرض آرت دبي» مع اكتمال دورته الثامنة، علامة فنية اطعة في فضاء المنطقة، وربما يصبح نقطة استقطاب عالمية للفنون الحديثة والمعاصرة قبل اكتمال العقد الأول من عمره، بسبب تسارع فعالياته، وديناميكيتها وحيويتها المدهشة، حيث استقطب في دورته الأخيرة أكثر من خمسمائة فنان من مختلف الجنسيات، واستضاف خمساً وثمانين صالة عرض من أربع وثلاثين دولة حول العالم. تقول أنتونيا كارفر مديرة المعرض بشأن مدى تمثيل الثقافة لوجه دبي الحداثي: «نعم، نرى نمواً ونضجاً سريعين للمشهد الثقافي في الإمارات العربية المتحدة مع لعب كل إمارة دوراً مختلفاً مكملاً للآخر، فمن صالات العرض الفنية ومراكز الفن التجارية والمبادرات التي يطلقها الفنانون في دبي، مروراً بالبينالي والمتاحف في الشارقة، وصولاً إلى سلسلة المتاحف التي ستفتتح قريباً في أبوظبي. هذا النمو وثيق الصلة عموماً بالوجه الحداثي لدبي، هذه المدينة التي باتت مركزاً ليس فقط للشرق الأوسط وجنوب آسيا، وإنما تحولّت بشكل ملحوظ إلى نقطة تلاقٍ لكل من أفريقيا وشرق آسيا أيضاً». وتضيف كارفر أن دبي باتت حاضنة لمشهد فني قوي، فمع وجود أكثر من 40 صالة عرض فنية في المدينة، والعديد من المؤسسات الخاصة، علاوةً على مبادرات الفنانين المستمرة، والمطبوعات الفنية وغير ذلك الكثير- كل ذلك، شهادة على ديناميّة المشهد الثقافي في دبي. قطار الثقافة.. إلى أين؟ ب عض المثقفين يرونه على السكّة الصحيحة.. وبعضهم يحكي عن الأثر التغريبي للحداثة عندما فتح «الاتحاد الثقافي» ملف «ثقافة دبي.. رهانات المستقبل»، كان لابد من استطلاع رأي النخبة الثقافية بالموضوع، فطرحنا أسئلتنا حول إمكانية أو كيف تقدم الثقافة وجه دبي؟ وإلى أين تمضي ثقافة دبي في المستقبل؟ فكانت هذه الإجابات: لوتاه: تحوّلات وتغريب تقول الدكتورة حصة لوتاه، إن تعريفها للثقافة من حيث المبدأ، لا يقتصر على النشاط الذهني، سواء على مستوى الآداب أو الفنون، وإنما يتجاوزه إلى مجمل السلوك الإنساني، وخصوصاً في مجال العادات والتقاليد من الأفراح والمسرات إلى الأحزان ومجمل العلاقات الاجتماعية بكل مستوياتها أو خصوصياتها. ومن هذا المفهوم الواسع تعتقد الدكتورة لوتاه أن المجتمع الإماراتي عموماً ودبي خصوصاً، «يمر بمرحلة تحولات كبيرة ومتعددة على كل المستويات، إذ هناك أنماط مختلفة من الحياة اليومية، تداخلت مع الحداثة بشكل مشوه إلى حد ما، أو لنقل إنه غير سوي. ونحن هنا لا نتحدث عن ترحيل أنماط حياتية معينة، أو استعارة أساليب الحياة في داخل بيوتنا من الآخر فقط، وإنما نتجاوز ذلك إلى أبعد من هذا الأمر بكثير». وتضيف الدكتورة لوتاه بأن «هذه الرؤية التي قد تبدو متشائمة نسبياً، لا تتجاهل حقيقة المساعي، أو الأنشطة التي يقوم بها كثيرون، من أجل أنسنة السلوك الاجتماعي، ولكنها في حقيقة الأمر لا تلبي طموحاتنا، لأنها في الغالب لا تستطيع التفاعل مع المجتمع، كونها نخبوية وتخاطب النخبة». بينما في السابق كانت الفعاليات الثقافية بكل أشكالها ترتبط بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً. على سبيل المثال. أنظر إلى الأغنية والموسيقى، التي يفترض أنها سلوك اجتماعي بحت، يعبر عن وجدان الناس ومشاعرهم وذائقتهم وأحاسيسهم، فتجدها صارت مهجنة، وفي الغالب تمر مع ساعتها، دون أن تعلق بالذهن، أو تستثير الوعي”. وتؤكد الدكتورة حصة لوتاه أن هناك حاجة ماسة لإنتاج خطاب فني وأدبي «يعتمد على مرجعياتنا الثقافية، وخصوصاً لجهة أدوات البحث. فنحن ما زلنا نستورد المنهجيات أو أدوات الحداثة من الغرب، وهذا يستحيل أن يكون قادراً على الغوص في مجتمعاتنا، فأصحاب هذه الأدوات لم يدخلوا بيوتنا ويطلعوا على حياتنا، ولن يستطيعوا دخولها لا الآن ولا في المستقبل القريب، حتى الأخوة العرب الذين نشكر ونقدر جهودهم، ليس بمقدورهم الإطلاع على تفاصيل حياتنا، وبالتالي لا يستطيعون سبر حياة الإماراتي بخصوصياتها الثقافية». وتلاحظ الدكتورة لوتاه أن «دبي عندما بدأت بتأسيس النوادي الرياضية في الثمانينيات، كانت هذه المؤسسات تستقطب الجميع، ليس بالمعنى الرياضي فحسب، وإنما كان الجميع يتشاركون ويتسابقون على تنظيم الأماسي الأدبية والفنية والاجتماعية كشركاء حقيقيين، كما يتساعدون في نشر الصحف والمجلات والكتب والمطبوعات المختلفة. كذلك كان الجميع يتسابقون للعمل الاجتماعي، من خلال تأسيس الجمعيات الأهلية». وتستشهد بتجربتها الشخصية في الشراكة مع الكثيرين من شبان الأندية، في تأسيس أول جمعية للمرأة بدبي، ومن بعدها «أسسنا «جمعية النهضة النسائية»، تلتها «جمعية أصدقاء البيئة»، وكنا نشارك في تحرير المجلات التي تصدر عن الأندية، فمثلا أنا كنت أكتب، وكذلك مريم جمعة فرج، وأخريات كثيرات». حسين: مجتمع التعددية بدوره يقول الأديب عبدالغفار حسين: «وجه دبي الثقافي سيظل بارزاً ومشرقاً طالما هو يسلك الطريق الذي يسير فيه، وهو طريق الإيمان بوجوب إقامة مجتمع التعددية الإنسانية، المجتمع الذي يقر بحق الآخر في العيش الهنيء.. مثلما يريد أن يقر الآخر بحقه، والتعددية هنا هي التعددية الثقافية والعناصر التي تتكون منها هذه الثقافة.. وفي رأيي أن أي مجتمع لا يقبل بالتعددية سوف يظل بارحاً مكانه ولا يتقدم إلى الأمام، ونحن في عصر العولمة والاندماج بين الشعوب. وأعتقد أن الإمارات بقبولها هذا النوع من التعايش ستكون في مأمن من التراجع وتضمن لنفسها السير إلى الأمام». من جهته يقول الشاعر خالد البدور إن «الثقافة منتج، مثله مثل أي منتج آخر، أي بمعنى أنها موجودة بأشكال متعددة أدبية وفنية، مسرحية وسينمائية وتشكيلية وشعرية وروائية وقصصية وسوى ذلك من المنتج الثقافي». ويتم رعاية منتجي الفنون والآداب من خلال برامج ومبادرات وأنشطة وفعاليات على مدار العام، وهذا المنتج هو بشكل أو آخر يساهم بصياغة وجه دبي. أما إذا أردنا أن نقيم هذا المنتج، فمما لا شك به هناك تفاوت بالشكل والمضمون على حد سواء. هناك مثلاً أنشطة وفعاليات متميزة على المستويات في مجال الفنون الجميلة، وكل الفنون المرتبطة بها. كذلك على المستوى الأدبي هناك “مهرجان طيران الإمارات للآداب”، الذي أصبح متميزاً على خارطة النشاط الثقافي المستقبلي، وصار بإمكانه أن يقدم وجه دبي على أفضل مثال. أيضاً هناك «مهرجان دبي لمسرح الشباب»، الذي يقدم شباب دبي المسرحي إن صح التعبير». ويلاحظ البدور أن هناك أيضاً مؤسسات ثقافية تقوم بدور بارز ورئيسي في تقديم وجه دبي، مثل «هيئة دبي للثقافة والفنون» و«ندوة الثقافة والعلوم» و«مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية» ومؤسسة «جمعة الماجد للتراث» و«مجمع السركال للفنون التشكيلية» و«آرت دبي» و«سكة الفني»، و«مهرجان دبي السينمائي الدولي»، والعديد من المؤسسات والمهرجانات والجوائز، التي تلعب جميعها دوراً في غاية الأهمية بتقديم وجه دبي. ويرى الشاعر خالد البدور أنه «لابد من تنظيم ورش عمل مستمرة، تعمل على مدى العام، تعلم الكتابة الإبداعية بفنون المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية، وغيرها من الفنون الأدائية والبصرية والحسية.. وهذا حتما يؤدي إلى تنشئة جيل يشارك بفعالية في توجيه المشهد الثقافي المستقبلي، إلى حيث نطمح ونرجو له». سالم: الاتجاه صحيح أما أحد أبرز رموز الحركة التشكيلية في الإمارات الفنان عبدالرحيم سالم، فيرى أن دبي تسير في الاتجاه الصحيح، وخصوصاً على مستوى تقديم الفنون التشكيلية، لا سيما أن «معرض آرت دبي» بات يمثل معلماً ثقافياً هاماً من معالم الإمارات عموماً ومعالم دبي خاصة. هذا بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى على تنوع اهتماماتها وتعدد اختصاصاتها، التي باتت على السكة الصحيحة لجهة نشر الثقافة وعملية التنوير بوتائر سريعة تنسجم مع حداثة دبي، وتعكس رقيها ومدنيتها الصاعدة بقوة الصاروخ. ومع ذلك يُذكر الفنان سالم، بمشروع «مدينة الثقافة والفنون» بدبي، الذي طرح منذ فترة على مستوى رفيع، ولكن الفكرة أو المشروع تراجع عن الضوء، «ولم نعرف ماذا حصل به»، متمنياً إعادته إلى النور لأنه ليس صعباً أو مستحيلاً على دبي. كذلك يتمنى الاهتمام بمسألة تأسيس متحف للفنون، ليجمع ويؤرخ ويوثق للفنون الجميلة بأنواعها وبمقدمتها الفن التشكيلي. الهويّة أولاً من جهتها تقول الشاعرة شيخة المطيري: «أول ما يجب استحضاره في تقديم وجه دبي الثقافي للآخر هو الإيمان بالهوية العربية والإسلامية لدبي وحمل تاريخها الجميل في ثنايا حديثنا، ومعرفة ماضيها وأعلامها وأماكنها الأولى التي شكلت وجهها الحديث. ثم متابعة ما يستجد فيها من أحداث حتى نستطيع إبراز صورتها الثقافية بشكل واضح للآخر. ومن أهم طرق تقديم وجهها الثقافي هي مشاركة أبنائها في جميع المحافل الثقافية وإظهار ما لديهم من أدوات ترسم وجه دبي الثقافي للآخر، ومحاولة تجديد تلك الأدوات بما يتناسب مع النهضة الجديدة التي تشهدها دبي والإمارات». تنوع وشموليّة من جانبه يرى الكاتب إبراهيم الهاشمي أن المشهد الثقافي الراهن في دبي يتميز بالتنوع والشمولية مع المحافظة على الكثير من الخصوصية المتصلة بالثقافة العربية والإسلامية مع الانطلاق إلى الرحابة العالمية. وإذا أخذنا الجانب الفني كمثال فالمشهد كأنه فسيفساء تجمع كل أشكال الفن من معارض للخط العربي الذي أصبحت دبي أحد مراكز إشعاعه وتطوره، حيث أخذت مكانها في العالم كأحد المدن الداعمة لهذا الفن. أما المعارض التشكيلية بشكل عام فنرى التقليدي والتجريدي والتجريبي والتفاعلي و... إلخ، مما يعكس التطور والمواكبة للحركة الفنية عالمياً. ومن دون جدال فإن دبي أضحت إحدى المدن المستقطبة للفنون مع معارضها المتنوعة مثل “سكة الفني” و«آرت دبي» و«نحت دبي». ولو عدنا للمبادرات الثقافية الأخرى سواءً في الإعلام أو الملتقيات الأدبية والثقافية، فنجد أن دبي تشهد حراكاً كبيراً يؤكد أصالتها وتفردها، ويجذر لحركة ثقافية ذات بعد عالمي مع أصالة عربية وإسلامية بصبغة عالمية، خصوصاً إذا استكملت البنية الأساسية التي تشيدها دبي كأكبر المكتبات العامة في المنطقة أو دار الأوبرا الفنية والمرافق الأخرى كالمتاحف الفنية ذات الصبغة العالمية تقنياً وفنياً وعمرانياً».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©