الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسيحيون في دولة الإسلام

20 مارس 2011 21:16
تمر مرحلة في تاريخ بعض الدول تصبح فيها الجريمة السياسية والطائفية أمراً شبه روتيني. ومن الأمثلة على ذلك روسيا في بداية القرن العشرين، وألمانيا وجيرانها في ثلاثينياته. وقد شكّل ذلك في غالبية الحالات سابقة لانهيار النظام القانوني والسياسي. وفي الأسبوع الماضي، ومع مقتل شاهباز بهاتي، وزير الأقليات، هبطت باكستان درجة أخرى على هذا الطريق. ليس هناك سوى القليل مما يقال لهؤلاء الذين يساندون هذه الجرائم، فهم يعيشون في عالم من الأوهام، يعتوره الرعب والجنون. وكما توضّحه ردود الفعل المصدومة من قبل المسلمين في هذا البلد وغيره، تعتبر أعمالهم معارِضة لتعاليم القرآن الكريم وأخلاقيات الإسلام. وفي الواقع فإن الحكومة الباكستانية وغالبية الباكستانيين يجري ابتزازهم. كما يجري شلّ الرغبة الواسعة والعميقة لباكستان في أن تكون ما تريد. وحتى يتسنى ضمان العدالة للجميع، وبالنسبة لبعض القوانين التي تسهل إساءة استخدامها، يجري شلّها بالتهديد بالقتل. وتجعل قضية التجديف للمرأة المسيحية الباكستانية "آسيا نورين"، التي برزت بشكل كبير في حوارات الشهور الماضية، وجريمة قتل سلمان تيسير، محافظ البنجاب المرتبطة بها، كل ذلك يوضح أن هناك فصيلاً باكستانياً غير مهتم بالعدالة والقانون، ولا يهمه سوى تشجيع دكتاتورية دينية غير إنسانية. أسس محمد علي جناح باكستان دولة مسلمة بوعي، يتمتع فيها غير المسلمين بحق الجنسية والأمن الاجتماعي والحريات التي يتطلبها ذلك. ومثلها مثل أفضل الأمثلة التاريخية في الحاكمية المسلمة، كان هناك إدراك واقعي بأن القناعات التعددية والمتنوعة لن تذهب، وبالتالي فالدولة المسلمة العادلة يجب أن توفّر حقوق الأقليات لديها. إذا كان استعداد الدولة لضمان الأمن للأقليات هو اختبار للنضج السياسي والقدرة على البقاء، بغض النظر عن الخلفية الطائفية، فقد كانت رؤية إنشاء دولة باكستان رؤية ناضجة. إن الازدراء الذي أظهره قتلة بهاتي تجاه تلك الرؤية يشكل إهانة واعتداء على الإسلام تماماً كما هو إهانة واعتداء ضد المسيحية في باكستان. يجب إيجاد حوار عقلاني في باكستان حول قوانين التجديف التي هي أساس ما يحدث. ومن المرجح ألا يحدث ذلك إلا إذا استطاع الفكر الباكستاني تشكيل حكم حول ممارسة قوانين التجديف في البلاد. ويشعر معظم المفكّرين المسلمين بالإحراج إزاء ممارسات تخفي الظلم الإجرامي والبلطجة. أصواتهم مسجلة على صعيد واسع. هم بحاجة لأن يُسمَعوا بوضوح أكبر في باكستان، حيث جزء من المشكلة تزايد إضعاف الإسلام التقليدي من قبل التطرف الحديث. وهناك أيضاً حاجة لإثبات النية السياسية للحكومة الباكستانية لمقاومة الابتزاز ولتقييم مستويات المخاطرة التي تعيش تحتها الأقليات وأفرادها. كان "بهاتي" يعلم تمام العلم فرصه في الحياة، كما ظهر من شهادة مثيرة للعواطف سجلها قبل مقتله. تشكّل حماية الأقليات فحصاً مخبرياً للشرعية الأخلاقية لأي حكومة. وتبنى هذه الحماية في عمق هوية باكستان الحديثة كدولة إسلامية ذات اعتبار مدني لغير المسلمين. ومما يحطم القلوب رؤية هؤلاء الذين نعتبرهم أصدقاء يعيشون تحت تهديد الضغط والإكراه والإزعاج وبصمت، وينتهي بهم الأمر إلى خيانة أنفسهم. يجب ألا نسمح لذلك أن يحدث. يجب أن يعلموا بدعم المسيحيين وغيرهم من خارج باكستان لهم ولرؤيتهم التاريخية المميزة. لقد قُتل بهاتي، ليس لعقيدته المسيحية، بل لرؤية يشترك فيها المسيحيون والمسلمون الباكستانيون. عندما تحدثت معه في قصر لامبيث في لندن السنة الماضية، كان على علم تام بالمخاطر التي يواجهها. لم يسمح لنفسه لحظة واحدة بالتحول عن التزامه بالعدالة للجميع. أن يكون شخصاً يتمتع بشجاعة وصمود في المبدأ والهدف قد تغذى بثقافة باكستان السياسية، هو بحد ذاته شهادة على قدرة تلك الثقافة على إبقاء رؤيتها حية ومسيطرة. وتلك إشارات حقيقية للأمل في موقف من المأساة المتعمقة، والتي تحتاج وبشكل ملحّ للصلاة والعمل. د. روان ويليامز هو رئيس أساقفة كانتربري ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©