الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آسيا بين صعود الصين ونفوذ أميركا

آسيا بين صعود الصين ونفوذ أميركا
20 يونيو 2008 22:51
ما تكشفه أحياناً عبارة بسيطة عن واقع القيادة الأميركية يكون أبلغ أثراً من خطاب كامل، أو تصريحات طويلة عن السياسة الخارجية، وهو ما اتضح خلال زيارة رسمية إلى بكين قام بها أواخر شهر مايو الماضي ''لي ميونج-باك''، رئيس كوريا الجنوبية، والصديق الوثيق للولايات المتحدة· ففي تلك الزيارة صرّح وزير الخارجية الصيني بأن التحالف الأميركي الكوري الجنوبي ليس أكثر من ''تحفة تاريخية''· لذا يتعين على الأميركيين الانتباه إلى التحدي الذي تواجهه قيادتهم في آسيا ومضاعفة العمل من أجل الحفاظ عليها، فمجرد أن تلجأ الصين إلى اختبار إحدى أوثق علاقاتنا الآسيوية يكشف بوضوح أنه إذا لم نبذل جهداً ملموساً قد تجد آسيا نفسها مضطرة إلى رسم مستقبلها بعيداً عن الولايات المتحدة· ورغم أن الحكومة الأميركية، بدءاً من الرئيس وحتى أصغر موظفيها، تجاهد للتأكيد على مصالحها المستمرة في آسيا وقدرتها على البقاء لفترة طويلة، فإن دول المنطقة لا تبدو مقتنعة، فما سبب التخوف الآسيوي؟ جزء من السبب يرجع إلى التغييرات التي تشهدها آسيا وعلى رأسها صعود الصين ونضج حلفائنا بعدما كانوا يعتمدون علينا كلياً في السابق، لكن السبب أيضاً يرجع إلى عدم انسجام رؤيتنا الاستراتيجية· والحقيقة أن الأمر كله يتعلق بأسلوب الولايات المتحدة في رسم سياستها الخارجية، فعندما نعطي إشاراتٍ ملتبسةً تارة بين ''تولي المسؤولية'' في آسيا، وتارة أخرى بين الانسحاب والانعزال فإننا نثير لدى أصدقائنا تساؤلاتٍ مشروعةً حول مدى التزامنا تجاههم ودفاعنا عن مصالحهم· وبفضل الإسهامات الكبيرة لأجيال من الجنود والبحارة والطيارة الأميركيين تعزز تحالفنا في آسيا مع دول المنطقة وترسخت قدرتنا التنافسية على نحو غير مسبوق· وبفضل هذا التواجد الأميركي في آسيا تحولت اليابان وكوريا الجنوبية إلى ديمقراطيات قوية، كما أصبحت تايلاند والفلبين عضويْن مهميْن في التحالف الأميركي في آسيا، ناهيك عن أستراليا التي شاركت تقريباً في جميع الصراعات التي خاضتها أميركا في القرن العشرين، وأثبتت أنها صديق موثوق به· وحتى خارج دائرة حلفائنا لدينا أصدقاء في المنطقة مثل تايوان التي باتت شريكاً أمنياً طبيعياً للولايات المتحدة، إذ تكشف كل يوم مزايا الديمقراطية للشعب الصيني· أما إندونيسيا، البلد الشاسع والمتنوع، فقد بذلت جهوداً مهمة لحل مشاكلها والتوصل إلى اتفاق بين الحاكمين والمحكومين، وهي الصيغة التي قد تلهم العديد من الشعوب، بالإضافة إلى دول أخرى مثل ماليزيا وسنغافورة المنضويتين تحت المظلة الأمنية الأميركية حتى من دون التوقيع على معاهدة في هذا المجال· ويمكننا الاعتماد على دول أخرى نشترك معها في القيم التي تسهل العمل المشترك وتوحد الأهداف· وباختصار هناك إجماع عريض على الرؤية الأميركية لآسيا حرة ومزدهرة وآمنة تدفعنا للتعاون مع أصدقائنا في المنطقة لتحقيق هذه الرؤية وحمايتها من القوى المحلية· وهنا يبرز التحدي الأكبر أمام هذه الرؤية والمتمثل في التعامل مع الصين كقوة أساسية على الصعيد العالمي· فجميع اللاعبين في المنطقة، بمن فيهم الولايات المتحدة، تواجه مصالحهم رهانات حقيقية في علاقاتهم مع الصين، ذلك أن هذه الأخيرة، وبالطريقة التي تُدار بها من قبل الطبقة الحاكمة، تضع نفسها في مسار يهدد الحرية في آسيا، فضلاً عن ازدهارها الاقتصادي وأمنها القومي· وفي هذا الإطار علينا ألا نتحفظ عن الصدع بتلك المخاوف وإعلانها على الملأ، فالصين منكبة في هذه المرحلة على زيادة إنفاقها العسكري وتحديث ترسانتها من الأسلحة، كما تعمل على تعزيز قدراتها في البر والبحر والجو· ولا ننسى أن الصين مازالت تطالب بإصرار بما تعتبره أراضي تابعة لها في اليابان والهند وجنوب بحر الصين، كما تربط علاقات مع أسوأ الأنظمة في العالم وأكثرها بطشاً بشعوبها، فضلاً عن تمسكها بحكم الحزب الواحد· وفي هذا السياق، يتعين على أميركا إعادة التفكير في سياستنا المراوغة وأحياناً المترددة التي تعتمد من خلالها على الصين لاختيار الإصلاح الديمقراطي وانضمامها السلمي إلى النظام الدولي، وفي الوقت نفسه البحث عن البدائل الأخرى· فما نراوغ ضده، وهو صعود قوة غير ديمقراطية ومنافسة لنا في آسيا، بدأ يحصل بالفعل، أما نداءاتنا المتكررة للصين بتبني المزيد من الشفافية، فقد تحولت إلى نوع من عدم التصديق لما يجري في الواقع· وبالتأكيد، يمكن لأميركا التعامل مع الصين كشريك حول بعض المصالح المشتركة، إلا أنه لا يمكن تصور الصين ''كشريك استراتيجي''، حيث الهوة شاسعة بين منظومتي القيم لدى البلدين والأهداف أيضاً متباعدة ومختلفة· وإذا تغافلت أميركا عن هذه الحقيقة، فهي تغالط نفسها وتفقد دورها القيادي في آسيا لصالح الصين بدل تعزيزه وإعادة تفعليه· وفيما يتعلق بالأسلوب، فإنه يتعين على الولايات المتحدة التوقف عن النظر إلى حلفائها وأصدقائها في آسيا على أنهم أتباع، وتشرعَ في التعامل معهم كشركاء حقيقيين يبدون نفس القلق من الصين، لكنهم قلقون أيضاً بشأن المقاربة الأميركية· فلم يعد ممكناً للقيادة الأميركية أن تخير حلفاءها بين صيغة الأمن الأميركية ونموذج الازدهار الاقتصادي الصيني، وهو ما يحتم علينا التركيز على أولويات المنطقة وإطلاق المبادرات الدبلوماسية، وقد يعني ذلك استحداث مؤسسات جديدة مثل تحالف عالمي من أجل الحرية يكمل الأدوات الدبلوماسية المتاحة لأميركا حالياً· كيم هولمز نائب رئيس مؤسسة هيريتاتج الأميركية وولتر لوهمان مدير الدراسات الآسيوية بالمؤسسة نفسها ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©