الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفخاريات في عمان .. حكايات يرويها «الجحال والخروس والبرام»

الفخاريات في عمان .. حكايات يرويها «الجحال والخروس والبرام»
18 أغسطس 2009 01:28
إذا كان الفخار في الماضي من الأدوات المهمة التي تسهل على الإنسان تناول أشيائه من مختلف الأطعمة ويخزنها فيها كتخزين التمور والخبز، وأيضا تسهل له حفظ الماء، خاصة في البيوت، فإن الصورة اختلفت، حيث أصبحت الفخاريات من أهم أدوات الزينة في البيوت ويستخدمها العمانيون في تزيين أفنية بيوتهم ومجالسهم وغيرها. وعرف عن العجوز المسن سرور الجعلاني رحمه الله أنه أحد أمهر صناع الفخار المتميزين في ولاية جعلان بني بو حسن في السبعينيات وورثها عنه العديد من أبناء الولاية ممن تعلمها بمعيته أثناء قيامه بمزاولة الحرفة. وكانت صناعة الفخار هي حرفته التي يعتاش منها ومن خلالها يشكل الأواني والأدوات التي كان يستخدمها أهالي المنطقة في الطبخ والأكل والشرب والبناء أيضا. وكذلك تزيين البيوت. فالفخار وتشكيله صناعة تعد من الشواهد المميزة، لحضارات العالم، إذ يعبر عن مدى تطور وحضارة الأمم، رغم بساطته في فنه، لكنه في الواقع من أصعب الحرف. طقوس دينية تعتبر صناعة الفخار في عُمان من أهم الصناعات التقليدية وأقدمها على الإطلاق، إلى جانب صناعة السفن التقليدية والصناعات الجلدية وكشفت التنقيبات الأثرية عن ازدهار صناعة الفخار في عُمان خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، وكان استخدامه خلال تلك الفترة في الطقوس الدينية القديمة، لتقديم القرابين من الطعام والشراب، ووضعه في القبور. وقد عرف الإنسان القديم كيف يحول الطين إلى مادة صلبة عن طريق الشوي في النار بالأفران «القمائن» وعرف كيف يشكله ويصنعه وأنجز منه الفخار المسامي وغير المسامي في عدة ألوان وأشكال. ومما ساعده اختراع الفخار الدولاب بداية من البطيء ثم السريع الذي أحدث ثورة في كمية الإنتاج. وكان الفخار يجفف في الهواء والشمس ثم يتم إحراقه بطريقة تهوية والتحكم في الهواء ليعطي اللون الأحمر أوالأسود حسب أكاسيد المعادن الموجودة بمادة الطين، وكان يزينه ويصقله قبل الحرق أو بعده. وعرف أول مركز لصناعة الفخار في شرق آسيا وتحديدا في الصين واليابان وكوريا. ويعود تاريخ صناعة أول الفخاريات التي وجدت في عمان إلى عهد جمدت نصر «بداية الألف الثالث قبل الميلاد»، وقد صنع الفخار الذي يمكن الانتفاع منه منذ أن بدأ الإنسان يحتاج للأواني. أما الفخار الذي لا يزال يصنع في القرى حتى السبعينات فهو يستخدم في أغراض عملية إلى حد كبير، وهو يشمل أواني ذات مسام لحفظ المياه وأواني للطبخ وأكوابا. ويعتمد مستوى الإنتاج والطرق المتبعة على نوعية الطين المتوفر وعندما يكون الطين من النوعية السيئة تكون الطرق المستخدمة بدائية. مهد الصناعات الفخارية أوضحت الدراسات الأثرية أن صناعة الفخار في عُمان تأثرت بالحضارات القديمة مثل السومرية، واستفادت من الأساليب الإيرانية وفي فترات لاحقة تأثرت صناعة الفخار العُمانية بفخار سامراء وسيراف واليمن، كما وجدت مجموعة تتشابه مع ما عثر عليه في جزر لامو بشرق أفريقيا. وتتوفر عجينة المـدر وتنتشر بكثرة في السلطنة، وهي المادة الخام التى حولها العُمانيون واستخدموها في صناعة الأواني الفخارية بأشكال متنوعة وأحجام مختلفة. وتشتهر ولاية بهلى في المنطقة الداخلية بأنها مهد الصناعات الفخارية في السلطنة، حيث لا تزال تمارس الأساليب التقليدية المتوارثة في الصناعة، جنباً إلى جنب مع الأساليب الحديثة كما تشتهر ولاية مرباط في محافظة ظفار بصناعة مجامر البخور الفخارية. وتعد بهلى مركزاً لصناعة الفخار في عمان وقد تطورت هذه الحرفة اليدوية حديثا بحيث عززت بمواد صينية خاصة أن هناك مراكز أخرى لصناعة الفخار مثل بلاد بني بو حسن وسمائل ومسلمات ومطرح وصحم وصلالة وفي بهلاء حيث يتوفر الطين ذو النوعية الجيدة. بواسطة القدم كانت هذه الحرفة متطورة إلى حد ما وكان صانعو الفخار في غاية المهارة بتقنياتهم القديمة التي يستخدمون فيها عجلة بسيطة تعمل بواسطة القدم. لقد كانوا يقومون بتسخين المادة الخام في أفران كبيرة مخصصة لصناعة الطوب ويزودونها بالوقود الذي كان عبارة عن أغصان مقطوعة. وإن كل صانعي الفخار في شمالي عمان هم من الرجال بصورة أساسية، فان النساء أيضا كن يقمن بصناعة مواد من الفخار في صلالة كالمباخر الجذابة والملونة، وطاسات للمياه وغيرها من المواد التي يحتاج الناس إليها، ويتم ذلك يدويا من دون عجلة بالإضافة إلى أن صنع الفخار المزخرف يقوم به أفراد ذوو كفاءة عالية فيصنعون أشكالا كالقوارب والسيارات والطائرات . وتتميز بهلى بجرارها الكبيرة المستخدمة في عملية تخزين التمر ومن ضمن الأشكال الأخرى المنتجة هنالك المباخر ومزاريب السطوح وجرار الماء وأكواب المياه وجرار اللبن وأواني الحلوى أما أواني الطعام فتصقل من الداخل، وفي القرون الماضية كان يستخدم الزجاج المصنوع في صحار من أجل عملية الصقل هذه أما الصقل الذي تم في فترات لاحقة فكانت تدخل في مواد محلية ذات نوعية أقل جودة. وتصنع المواد الأساسية للمنتج تبعا للغرض المصنوع من أجله ومثال ذلك أن يضاف الرمل إلى خليط الطين لجعل جرار الماء تحوي عددا أكبر من المسامات. ويستطيع صانع الفخار الماهر صنع أكثر من خمسين جرة في اليوم الواحد ويتم تناقل أسرار المهنة من جيل لآخر وعادة ما يكون ذلك في نفس الأسرة وقد احتفظت بعض العائلات بهذه المهنة لقرون عدة وقد أخبر صانع فخار في صلالة أحد الزوار الخبراء أنه ورث أعماله الفخارية وأنها وصلت إليه من أسلافه في القرن السادس عشر وهو تاريخ أثبتت الدلائل صحته. الجحال والخروس الفخار له عدة أنواع وأشكال وتتعدد أستخداماته ومواد تصنيعه، فالجحال تستخدم لحفظ ماء الشرب، والخروس الحمراء ذات الطبقة السميكة تستخدم كبيرة الحجم منها لحفظ ماء الغسيل وحفظ التمور، وصغيرة الحجم لحفظ العسل والدهون، والبرام تستخدم كأوان لطهي الطعام، ناهيك عن الاستخدامات الأخرى كدلال القهوة والمحاميس والمهاريك. كما أن ولاية جعلان اتسمت بوجود العديد من مصانع الفخار ذات الإنتاجية العالية والجودة الرفيعة، مما جعل الولاية تكتفي ذاتيا وتقوم بالتصدير إلى الولايات الأخرى في السلطنة، وأغلب هذه المصانع أنشئت في قرية «عين وشيلة « لتوفر الطينة فيها التي يصنع منها الفخار. والفخار يصنع من طينتين مختلفتين إحداها بيضاء خالصة والثانية حمراء، فالبيضاء يصنع منها أدوات حفظ ماء الشراب مثل الجحال واليداوي أما الحمراء فيصنع منها الجرور والخروس وما شابه ذلك والأدوات المستعملة في الإنتاج هي القرص الدوار والسكين والمنكش والمنقاش وحبل والمنخل. وبعد أن توفر التربة في المصنع وتوضع في المكان المخصص لها يضاف إليها الماء بكميات معقولة وتعجن حتى تصير طينا وتقسم حسب المقادير التي تحتاجها صناعة كل أداة، بعدها ترفع إلى القرص الدوار، ويبدأ الصانع بتحريك القرص من الأسفل برجله اليمنى ليدور القرص ومعه الطينة فيتم تشكيلها حسب المطلوب باليد مع إضافة الماء لتكون مرنة، خلالها تتم عملية النقش بالأداة، وبعد أن يتم التشكيل النهائي للقطعة ويلاحظ بأن أغلب المياه قد سقطت من الطينة يتم فصلها عن القرص الدوار بواسطة حبل رفيع، ثم تجفف هذه الأدوات الواحدة تلو الأخرى لمدة يومين أو أكثر في مكان مستو، بعدها توضع في الفرن «المحرقة المبنية من الطين» لمدة تتراوح من خمسة أيام إلى سبعة أيام للجرار الكبيرة، أما الأدوات البسيطة فتوضع لمدة تتراوح من 12 ساعة إلى يوم، علما بأن عملية الحرق لابد أن تكون في الفترة المسائية.
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©