الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عملية السلام... رهينة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية

7 مايو 2010 23:44
إن اهتمام الولايات المتحدة الكبير بالمصالح الإسرائيلية، أصبح مع الوقت أحد أهم مسببات التوتر والعنف في العلاقات بين العالم العربي الإسلامي وأميركا. وقد أصبح من الضروري، بل من الحتمي، أن تناقش هذه المسألة بوضوح من قبل أصدقاء الولايات المتحدة قبل أعدائها، ومن طرف حلفائها قبل خصومها. بل إن العلاقة الأميركية-الإسرائيلية في السنوات العشر الأخيرة، بصفة خاصة، زادت على نحو غير مسبوق من أسباب التوتر وأصبحت هي البؤرة المتوترة في العلاقة بين العالم الإسلامي والعربي من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. والسبب واضح في هذا، فالسلاح الذي يقتل به العرب في الأراضي المحتلة هو سلاح أميركي، يقول الغاضبون، والمتفجرات التي تلقى فوق مناطق عربية وفلسطينية هي من صناعة أميركية، والمستوطنات التي تبنى في المناطق العربية وفي القدس تتم بأموال أميركية تصل إلى عشرات المليارات، كما أن الولايات المتحدة ساهمت في حماية إسرائيل سياسيّاً على الصعيد الدولي من خلال حق النقض "الفيتو" حيث إن مجموع حالات استخدام "الفيتو" من قبل أميركا منذ السبعينات وحتى اليوم لحماية إسرائيل في مجلس الأمن يساوي مجموع ما استخدم من حق "الفيتو" من قبل بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مجتمعة. ويصعب على العالم العربي التظاهر بأن كل هذا لم يقع، أو تجاهله تماماً. إن هذا الوضع يثير تساؤلات كبرى حول حيادية الدولة الكبرى الأولى في العالم، كما يثير تساؤلات عن مدى قدرتها على اتخاذ خط سير مستقل عن إسرائيل. والمشكلة الأخطر في الموقف أن الولايات المتحدة لا تساعد إسرائيل الآن للدفاع عن وجودها أو حماية أمنها الوطني أو استقلالها بل تساعدها أساسا -بوعي أم بغير وعي- في قمع الفلسطينيين، وتمكين الاحتلال من البقاء في الضفة وفي القدس والجولان. وحتى الآن، يصعب أن نشرح لشاب واقع تحت الاحتلال أو للشعوب العربية التي تشاهد كيف تستباح القدس أنه يوجد فرق كبير بين سياسة إسرائيل والولايات المتحدة. بينما يعي أفراد أكبر سناً مثلي الفارق في أمور كثيرة وعديدة، إلا أن الصورة العامة للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين ترى فيها منفذاً لرغبات إسرائيل، لا غير. ألا تذهب الأموال الأميركية بصورة أو بأخرى إلى المستوطنات في القدس والضفة الغربية، كما قد تذهب أموال بعض العرب والمسلمين إلى "القاعدة"؟ وهل هناك فرق حقيقي بين الاثنين. فهذا يقتل بإرهابه المدنيين ويعتدي عليهم، وذاك يمارس الإرهاب نفسه بحق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين؟ وبينما توجد قوانين واضحة لمنع وصول الأموال العربية الإسلامية إلى "القاعدة" و"طالبان"، إلا أنه لا يوجد جهد دولي قانوني عالمي لمنع وصول أموال الولايات المتحدة إلى المستوطنين في القدس وحولها وفي الضفة الغربية والجولان. أليس صحيحاً أن كثيراً من الجمعيات الخيرية الأميركية، أمسيحية كانت أم يهودية، تجمع تبرعات كبرى تنتهي في مستوطنات القدس والخليل ونابلس؟ ثم دعونا نتساءل عن النووي الإيراني في مقابل النووي الإسرائيلي: أليس صحيحاً أن الرئيس الأميركي جونسون عندما علم عام 1969 بالبرنامج النووي الإسرائيلي من رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية طلب منه "ألا يعلم أحد أنه يعلم بالأمر، وذلك ليتفادى القيام بأي جهد لإيقاف البرنامج"؟ إن استمرار هذا المنهج اليوم كما في السابق، يعود ويؤكد للعالم العربي والإسلامي أن المنطق في النهاية هو للأقوى وليس للأحق. لكنّ لمنطق القوة حدوداً أيضاً. إن تحفيز ظهور عالم إسلامي وعربي أقل عنفاً وأقل كرهاً للسياسة الأميركية سيتطلب ابتعاداً أميركيّاً عن تسليح إسرائيل وعسكرتها حتى النهاية، وسيعني هذا سياسة أميركية جديدة توقف تدفق المليارات من الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم الإسلامي. إن الإدانة اللفظية الأميركية للاستيطان ستؤدي في النهاية إلى جعل الدولة اليهودية خطراً على نفسها وعلى الولايات المتحدة. ومن هنا، تنبع أهمية توجه أوباما وإمكانية أن يكون قادراً على تغيير المسار. لقد تحولت إسرائيل إلى عبء كبير على الولايات المتحدة، كما أن الالتزام الأميركي بإبقائها متفوقة على مجموع الدول العربية المحيطة بها بينما تقوم هي بالاعتداء على محيطها لن يساهم في السلام الإقليمي والعالمي. بل إن هذه سياسات ستقوي التطرف و"القاعدة"، كما أنها وعلى العكس ستضعف كل الوسطيين العرب. ويبقى عالمنا حتى الآن عالماً غير عادل، ولهذا يصعب أن ينتهي فيه العنف. إن أميركا التي تقاتل في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى تزيد العداء لها في العالم الإسلامي والعربي بسبب دفاعها الأعمى عن إسرائيل التي لا تواجه أصلاً خطراً؛ ولذا فإن انسحاب الولايات المتحدة من الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكناً دون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً يتضمن عودة القدس وانسحاب إسرائيل والمستوطنين، وحلاً عادلاً لقضية اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وانسحاباً من الجولان السورية. إن حلاً كهذا لن يكون ممكناً بلا تحرر أميركي من سطوة اللوبي الداخلي الذي يرهق الولايات المتحدة ويوجهها كما يريد. إن إسرائيل بوضعها الراهن عبء على السياسة الأميركية. هذا ما ينبغي الاعتراف به، والعمل لتجاوزه. شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©