الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أيرلندا خطفت الأضواء··· وأطفأت مصباح أوروبا

أيرلندا خطفت الأضواء··· وأطفأت مصباح أوروبا
19 يونيو 2008 01:39
منذ أن وعيت على السياسة وبدأت أدرك ما يدور حولي وأنا أسمع عن أوروبا تمر إما ''بأزمة''، أو ''تتخبط في الفوضى''، أو ''تعيش حالة من الإحباط''، لأن إحدى دولها فشلت مرة أخرى في المصادقة على معاهدة أوروبية جديدة، وفي جميع تلك الحالات كان يقال إن الأمر يتعلق بتحول مهم في البناء الأوروبي مثل إصدار عملة موحدة، أو ما شابه، وغالباً أيضاً ما يكون البلد المتصلب الذي يرفض المعاهدة دولة صغيرة مثل الدانمارك بعدما اعترض ناخبوها على المعاهدة المنشئة للعملة الأوروبية الموحدة في العام ،1992 وقتها تذمرت فرنسا وألمانيا من أن عضواً صغيراً في الاتحاد يعيق المسار الأوروبي ويعرقل تقدمه، لكن أوروبا لم تيأس من الدانمارك، حيث استؤنفت المفاوضات ومنحت لها ''مخارج'' حتى صادقت في السنة التالية على المعاهدة ووافق الناخبون على العملة الأوروبية الموحدة، وظن الجميع أن النظام استتب حتى فاجأ الفرنسيون أنفسهم قبل الآخرين عندما صوتوا في استفتاء عام نظم في 2005 ضد الدستور الأوروبي· لكن البطل هذا الأسبوع الذي خطف الأضواء وأحدث الصدمة هو أيرلندا، البلد الأكثر استفادة من الاتحاد الأوروبي، فخلال العقدين الأولين من عضويتها تلقت أيرلندا حوالي 50 مليار دولار من دافعي الضرائب الأوروبيين، وهي الأموال التي حولتها من بلد زراعي اشتهر بشعرائه التراجيديين إلى اقتصاد ناجح يشتهر بشركات إنتاج برمجيات الكمبيوتر· وتحولت ''دبلن'' من مدينة راكدة إلى عاصمة تضج بالحركة والرواج، وبدأ الأيرلنديون يستوردون العمالة ويستقدمون المهاجرين، وفي إحدى اللحظات اللافتة والمهمة تجاوزت أيرلندا بريطانيا في الدخل الفردي، بل واستمرت في مسيرة الازدهار والرخاء لتحافظ على مركزها كإحدى أفضل دول العالم في مجال الدخل الفردي، لذا كان لرفض الناخبين الأيرلنديين لمعاهدة ''لشبونة'' وقع المرارة بالنسبة للأوروبيين، ذلك أن البلد الذي يدين بتقدمه إلى أوروبا يعيق اليوم مجموعة من الإصلاحات التي جاءت كبديل للدستور الأوروبي البائد وتهدف إلى منح أوروبا شخصية قوية في السياسة الخارجية من خلال تنصيب رئيس للاتحاد الأوروبي وتعيين وزير للشؤون الخارجية· لكن لماذا رفض الأيرلنديون المعاهدة؟ جزء من الجواب يكمن في رسالة الاحتجاج التي أرفقها أحد الناخبين ببطاقة الاقتراع السلبية، فبدلا من أن يعبر عن رأيه في ما تقترحه الاتفاقية مثل سياسة خارجية موحدة لأوروبا، اختار هذا الناخب الاحتجاج على وقف رحلة الطيران الأيرلندي ''إير لينجس'' من أيرلندا إلى لندن، وليس غريبا أن يكتب أحد الصحفيين في ''أيريش تايمز'' قائلا: ''مساكين الموظفين الأوروبيين'' في بروكسيل، مشيراً إلى إحدى السيدات الأيرلنديات التي قالت بأنها رفضت المعاهدة الأوروبية لأنها تخشى أن يُستدعى أبناؤها للخدمة العسكرية في الجيش الأوروبي الجديد، وهو الجيش الذي بالطبع لم تشر إليه وثيقة الاتفاقية، ولم يفكر الأوروبيون أبداً بإنشائه؛ وكما هو الحال دائماً في هذه المناسبات يبدو أن معظم الناخبين لم يقرؤوا ما جاء في المعاهدة من بنود، أو أنهم قرؤوها ولم يفهموها، ويبدو أيضاً أنهم استغلوا الاستفتاء للتعبير عن آرائهم بخصوص أشياء لا علاقة لها بالمعاهدة مثل الحاجة إلى ربط أيرلندا بلندن عبر رحلة جوية· وبرغم المساندة القوية للاتفاقية التي أظهرتها الطبقة السياسية في أيرلندا من أحزاب سياسية وجماعات الضغط، وحتى الكنيسة الكاثوليكية، إلا أنهم قاموا بذلك بواسطة شعارات جوفاء لا تحمل أي مضمون مثل ''ما هو جيد لأيرلندا هو جيد لأوروبا''، والواقع أن المشكلة ليست جديدة، حيث فشل السياسيون الأوروبيون على الدوام سواء في أيرلندا أو الدانمرك، أو فرنسا في تسويق مشاريعهم الوحدوية، من خلال حملات الاستفتاء المتكررة، إلى الناخبين، بل وفشلوا حتى في لفت أنظارهم· وربما يتعين على الأوروبيين التوقف عن الشعور بالصدمة كلما أخفقوا في أحد مشاريعهم الطموحة، فقد يأتي يوم تتحول فيه أوروبا إلى بلد واحد وينخرط المواطنون في مؤسساتها تماماً كما هم منخرطون اليوم في مؤسساتهم الوطنية، لكن ذلك لن يحدث قريباً· لذا نرى كيف تُختطف الاستفتاءات الشعبية وتسيطر عليها الإشاعة والأقاويل، بل حتى القضايا البعيدة جداً عن الاهتمامات الأوروبية، وقد يكون من الأفضل لو تأقلم القادة الأوروبيون مع هذا الواقع وواصلوا عملهم في بناء الاتحاد الأوروبي· وكما أثبتت التجربة لا يوجد ما يضير في أن تتبنى بعض الدول الأوروبية مشاريع وحدوية مشتركة مثل العملة الموحدة وأن تسير دول أخرى بمفردها، وبالأخص في السياسة الخارجية الأوروبية، حيث تكون في قمة نجاحها عندما تتفق دول بعينها -فرنسا وألمانيا وبريطانيا- على مواقف محددة وتدافع عنها أمام العالم، وبالعكس من ذلك تواجه السياسة الخارجية الأوروبية مصاعب جمة عندما يصوغها موظفون غير منتخبين لا يدينون بالولاء للناخبين، لذا لا تلقوا بالا للخطاب المتحسر على المعاهدة في بروكسيل، لأنه إذا كان الأيرلنديون، وهم الأكثر تحمساً للاتحاد الأوروبي، لم يهتموا بما فيه الكفاية لقراءة الاتفاقية التي رفضوها، فذلك لأنه لا خير فيها ولا تستحق أن تمر أصلا· آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©