الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساركوزي في وجه الديجولية

ساركوزي في وجه الديجولية
19 يونيو 2008 01:38
في سياستها الدفاعية الوطنية الجديدة، التي تم إعلانها بعد مرور 14 عاما على تاريخ تقديم السياسة السابقة، تقرر فرنسا أن أمنها يرتبط بأمن القارة الأوروبية والناتو، وهو ما يعد تحولاً ملحوظاً عن تصوراتها السابقة التي اعتنقتها طويلا والقائمة على الاكتفاء الذاتي العسكري والمعنوي· منذ أربعة عقود ونيف، قال الجنرال ''شارل ديجول'' -الذي كان غاضبا آنذاك من الهيمنة الأميركية والبريطانية، على منظمة حلف شمال الأطلسي-: إن تكامل فرنسا العسكري مع الحلف قد أصبح ''أمراً لا مبرر له''؛ أما الآن، وبعد أن اختفى الاتحاد السوفييتي، وأصبح الاتحاد الأوروبي أكثر استقراراً ورسوخاً، فإن الرئيس ''نيكولا ساركوزي'' يرى أن مصلحة فرنسا العليا، تقتضي المشاركة التامة مع واشنطن والناتو لأسباب عدة، من بينها أن الغالبية العظمى من أعضاء الاتحاد الأوروبي، هم أيضا أعضاء في الناتو· والاستراتيجية العسكرية والأمنية الجديدة التي قدمها السيد ''ساركوزي'' -بعد شهور من النقاش الوطني- تدعو إلى جيش فرنسي أصغر حجما وأخف حركة، كما تدعو إلى تخصيص الوفورات التي ستترتب على تقليص حجم الجيش من أجل تحسين منظومة الاستخبارات واقتناء المعدات الجديدة، وعلى رغم أن بناء نظام دفاعي أوروبي موثوق به، يمثل أولوية بالنسبة لفرنسا -كما تنص على ذلك استراتيجيتها العسكرية الجديدة- فإن الأمر المؤكد هو أن خططها الرامية لوضع هذه الاستراتيجية موضع التطبيق، قد تأثرت سلباً بسبب الرفض الأوروبي لاتفاقية ''لشبونة'' التي تتضمن طائفة من اللوائح والقوانين المخصصة للاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة، كان من المفترض أن تؤدي في حالة إقرارها، إلى تسهيل تعاون أعضاء الاتحاد في الشؤون الدفاعية· وفي الواقع أن نشر الورقة الفرنسية البيضاء قد أُجّل، حتى تتبين نتيجة الاستفتاء الأيرلندي على تلك الاتفاقية، لتجنب توفير سبب إضافي محتمل قد يشجع الأيرلنديين على التصويت بالرفض· والعقيدة الدفاعية الجديدة لفرنسا، تسعى إلى إعداد فرنسا وأوروبا لعالم ما بعد الاتحاد السوفييتي الذي تقل فيه أهمية التهديدات العسكرية التقليدية، مقارنة مع طائفة كبيرة من المخاطر العالمية الجديدة والمعقدة بدءا من الأوبئة، إلى الإرهاب، إلى حرب الفضاء الإلكتروني، ووفقا لهذه الاستراتيجية، من المقرر إلغاء 54 ألف وظيفة عسكرية خلال فترة الخمس أو السبع سنوات القادمة، وذلك من إجمالي 330 ألف وظيفة عسكرية حاليا، وعملية إلغاء تلك الوظائف، هي عملية حساسة من الناحية السياسية، إذا ما أخذنا المصالح المحلية والسياسية في الحسبان، غير أنه من المفهوم مع ذلك أن تقليص عدد أفراد الجيش هو الوسيلة الوحيدة، لتوفير المزيد من الإمكانيات المالية، اللازمة لعملية الحصول على المعدات وتدريب الأفراد عليها، من أجل إنشاء جيش وطني أكثر حداثة، تأتي تهديداته على الأرجح من الإرهاب، والهجمات الإلكترونية، أو الضربات الصاروخية أكثر مما تأتي من غزو تقليدي· وقال المسؤولون الفرنسيون إن احتياجات فرنسا العملياتية، قد تغيرت منذ آخر ورقة بيضاء قدمتها الحكومة الفرنسية عام ،1994 وأن تركيز فرنسا بموجب الورقة الجديدة على العمل العسكري الثنائي في أفريقيا، سيكون أقل من تركيزها على العمليات المشتركة مع الاتحاد الأوروبي أو الناتو أو المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، وكان الرئيس ''ساركوزي'' قد أثار موجة من ردود الأفعال السياسية، عندما اقترح إعادة إدماج فرنسا في الجناح العسكري لحلف الناتو، طالما كان هناك ''تقدم موازٍ'' في عملية تطوير سياسة أمنية ودفاعية أوروبية، قادرة على تنفيذ مهام الاتحاد الأوروبي، خارج إطار حلف الأطلسي الذي تقوده أميركا، لم يكن هذا الاقتراح من جانب ''ساركوزي'' رفضا لـ''الديجولية'' فحسب، وإنما كان أيضا رفضا للسياسات المناوئة للتدخل، والكارهة لبوش، التي كان الحزب الاشتراكي المعارض يتبناها· ''لم يعد هناك الآن سبب يدعو للبقاء خارج إطار حلف الناتو'' كان هذا ما قاله أحد المسؤولين الفرنسيين، الذي يُرجع ذلك إلى أن الحلف قد تغير بشكل كبير، بعد انضمام أعضاء جدد في العقد الأخير، كما أضاف هذا المسؤول أيضا: ''مع ظهور مهام أخرى مثل مهام حفظ السلام في أماكن مثل أفغانستان وكوسوفو، فإننا أصبحنا ننظر إلى العلاقات بين ضفتي الأطلسي، باعتبارها ذات أهمية رئيسية سواء للأمن الأوروبي أو الأمن الفرنسي''· على الرغم من هذا الرأي وغيره، كان المسؤولون الفرنسيون حريصين على توضيح أن فرنسا سوف تحافظ على رادعها النووي المستقل، خارج إطار أي بنية تحالفية، وأن فرنسا لن تسمح لقواتها بالخدمة بشكل دائم تحت إمرة أي ضابط أجنبي، حتى لو كان ذلك في وقت السلم، والخطة الفرنسية تقوم على زيادة ميزانية المشتريات العسكرية بنسبة 16 في المائة -دون أن يعني ذلك زيادة فورية في الإنفاق العسكري العام- مع زيادة الإنفاق على الدفاع الفضائي إلى الضعف، بهدف إنشاء نظام إنذار مبكر مضاد للهجمات الصاروخية يتمركز في قواعد فضائية، مع تأجيل القرار الخاص ببناء حاملة طائرات باهظة التكلفة، ومضاعفة الإنفاق على الاستخبارات التي ستتم إعادة هيكلتها، وتعيين رئيس لها· وتحدد الخطة الفرنسية متطلبات جديدة يجب استيفاءها، منها إعداد 30 ألف جندي فرنسي للانتشار في مناطق القتال لمدة 6 شهور، كجزء من هدف فرنسي أكبر حجما، يتمثل في تقديم يد المساعدة للقدرات الدفاعية الأوروبية، كي تصبح أكثر مصداقية وفعالية، أما الهدف الأوروبي، الذي لا يزال بعيدا عن التحقيق، فهو أن يكون لدى فرنسا 60 ألف جندي جاهزين للانتشار خلال عام·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©