الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إصلاح المدارس الدينية

19 مارس 2011 20:55
يحاول العديد من الدول في العالم الإسلامي، بما فيها ماليزيا وإندونيسيا وباكستان، إصلاح مدارسها الدينية لإدخال العلوم العقلانية، وقد حققت في هذا المسعى درجات متفاوتة من النجاح. وإذا أخذنا في الاعتبار قرب باكستان من أفغانستان التي تمزقها النزاعات، فإن التركيز على إصلاح المدارس الدينية هنا يعتبر أمراً مهمّاً بشكل خاص. ومن المعروف أن العديد من كبار قادة "طالبان" هم من خريجي المدارس الدينية داخل باكستان، وإن كان يلزم التنبيه هنا إلى أنه ليس بالضرورة أن تعتبر جميع المدارس الدينية في باكستان مشجّعة للتشدد. إلا أن العديد منها تأسس على خطوط طائفية ويتم أحياناً تلقين طلبتها قيم رفض الطوائف الأخرى من خلال أساليب الجدل العنيف، المسؤول ولو جزئيّاً عن تفشي الاحتقان الطائفي. وقد أدى الاحتلال السوفييتي لأفغانستان عام 1979 إلى ارتفاع حاد في تمويل المدارس الدينية داخل باكستان، ووفر سيلاً ثابتاً من الطلبة المحفّزين أيديولوجيّاً في حرب الأطراف الأخرى غير المباشرة على أرض أفغانستان، مبرزاً إياهم كمحاربين، باسم الإسلام، الأمر الذي أدى إلى توجه مزعج في التشدد المسلّح أصبح الآن مشكلة كبرى لكل من المجتمع الدولي ولباكستان. ويشير بحث أجراه البنك الدولي إلى أن عدد المدارس الدينية صغير إذا قورن بعدد المدارس الحكومية والخاصة في باكستان، ولا يضم سوى أقل من 1 في المئة من مجموع الطلبة المسجّلين في المدارس الباكستانية. إلا أن هذه الدراسة لا تأخذ في الاعتبار عدد الطلبة الذين يحضرون المدارس الدينية في المساء، الأمر الذي ربما يفسّر لماذا تقدّر "مجموعة الأزمات الدولية" أن ما يقارب مليوناً ونصف مليون من الطلبة يترددون على المدارس الدينية في مختلف أنحاء البلاد. ونظراً لتزايد التشدد المسلّح والعنف المتطرف، عملت الحكومة الباكستانية لوضع المدارس الدينية تحت سيطرتها. إلا أن محاولات تسجيل هذه المدارس والسيطرة على مصادرها المالية قوبلت بمقاومة شديدة. وقد وقّعت وزارة الداخلية الباكستانية في نهاية السنة الماضية اتفاقية أخرى مع اتحاد منظمات المدارس الباكستانية، وهي تحالف من خمسة مجالس لمدارس دينية رئيسية، الأمر الذي يعطيها إمكانية تحديد مناهجها الدينية. إلا أن هذا الاتفاق لم يوضّح ما الذي سيحتويه المنهاج الديني للمدارس، وهو أمر يدعو إلى الريبة، حيث إن اشتمال المواضيع الحديثة وحدها ليس كافيّاً لمنع عدم التسامح، خاصة إذا استمرت مناهج تعليم المدارس في تشويه وجهات النظر المخالفة. ومن المؤكد أن العالم الإسلامي أنتج كمّاً كافيّاً من المعرفة في المواضيع الإسلامية إضافة إلى المواضيع المعاصرة مثل العلوم الطبيعية والإنسانية، خلال القرون الأربعة عشر الماضية، وهو أمر مقبول لدى مختلف مدارس الفكر، ويمكن إدماجه بأسلوب ابتكاري في المناهج الدينية القائمة بهدف توسيع المنظور العالمي لطلبة المدارس الدينية. فالمناهج والتحسينات في أساليب التعليم هي الأسلوب الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يأخذ الحوار والتفاهم مكانهما بدلاً من المهاترات وإقصاء الآخر الديني والثقافي. وعلى رغم أن المدارس الدينية تحتاج إلى نظام مساءلة متعدد الطبقات لضمان عدم تأجيل وغرس الأيديولوجيات المتطرفة، إلا أن من الأهمية بمكان كذلك إشراك العلماء الدينيين وأفراد المجتمع المحلي في ضمان أن يؤتي هذا النظام ثماره، بدلاً من الاعتماد على المسؤولين البيروقراطيين الحكوميين وحدهم. وقد لا تقابَل محاولات الضغط والإكراه للسيطرة من الخارج على المدارس الدينية، أكانت عن طريق الحكومة أو الهيئات المانحة، إلا بالشك والريبة من قبل مدرّسي المدارس الدينية وإدارييها. وليس المجتمع الدولي المانح وإنما المفكرون المسلمون أنفسهم هم الذين ينبغي أن ينظروا بجدية في هذه القضايا وأن يحاولوا تشجيع نهضة فكرية جادة في بلادهم من خلال بناء نظام تعليم حديث في المدارس الدينية. سيد محمد علي كاتب باكستاني ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©