الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكذب ملح الكتابة

الكذب ملح الكتابة
18 يونيو 2008 23:23
لكنّ تحقيقاً نشرته مجلة ''لير'' الفرنسية أظهر أنّ كثيرين ممن يعرضون شهاداتهم على الناشرين، هم ببساطة، كذابون، يختلقون قصصاً من خيالهم، لا صلة لها بالحقيقة والواقع، حتى أنّ النقاد أطلقوا عليهم صفة ''المزيفين''·· فضيحة مونيك أكبر فضيحة أدبية خلال الأشهر الأخيرة كانت من نصيب امرأة اسمها ''ميشا دي فونسيكا''، وقد ادعت، في كتاب لها عنوانه ''العيش مع الذئاب''، أنها يهودية فرت، وهي في الثامنة من عمرها، من جحيم النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، واختفت في الغابة، حيث عاشت مع الذئاب· وقد لاقى الكتاب رواجاً منقطع النظير في العالم بأسره، حيث بيع منه 200 ألف نسخة في فرنسا وحدها، وكانت الكاتبة، اسمها الحقيقي مونيك، واثقة من تمرير كذبتها؛ لأن من عاشوا معها من أهلها ومعارفها توفوا أو اختفوا، إذ إنها ولدت في بروكسل ببلجيكا، وادعت أنّ والديها تم ترحيلهما بعد الاحتلال النازي لبلجيكا عام ،1940 وأنها عاشت مغامرة فريدة من نوعها، باضطرارها إلى العيش في الغابة مع الذئاب، وقد تم تحويل الكتاب إلى شريط سينمائي يحمل العنوان نفسه، وانطلت القصة على الجميع؛ لانّ أحداً في الغرب لا يجرؤ على تكذيب كل ما ومن له صلة باليهود ومعاناتهم· إلا أنّ خلافاً مالياً نشب بين الكاتبة وبين ناشر أميركي لكتابها، دفع هذا الأخير للكشف عن سر يتمثل في أن بطلة القصة المزعومة هي مسيحية وليست يهودية، وفي أنّ الأحداث كلها مختلقة، ولا وجود لها إلا في خيال المرأة· سلالة ملكية في السياق نفسه، تقول سيلفي جيلاسوس، من دار النشر الفرنسية الشهيرة ''روبار دي لافون'': إن أحدهم سلّمها يوماً كتاباً يريد نشره، يروي فيه شذرات من طفولته البائسة وقصصاً من مراهقته الشقية، وقد أعجبت الناشرة بالكتاب لاحتوائه على شحنة من العواطف صالحة لجذب القراء، وجعل الكتاب يحقق رواجاً مميزاً، وهذا الأمر يمثّل ضالة الناشرين الذين يفكرون دائماً في المردود المادي· التقت الناشرة بالمؤلف لتكتشف فيه متحدثاً لبقاً، يسعه تسويق كتابه بصورة جيدة في حال صدوره، لكن، ورغم إعجابها بالكتاب وصاحبه، فقد تسلل إليها قليل من الشك في حقيقة الأحداث التي يرويها المؤلف عن نفسه، خاصّة لجهة تأكيده أنه ينحدر من سلالة ملك أفريقي، وهي معلومة كفيلة بجذب اهتمام القراء الباحثين عن الطريف والمثير والغريب من الأحداث، ودون إعلام المؤلف، كلّفت الناشرة بعض الصحفيين القيام بتحقيقات للتثبت من حقيقة ما رواه في كتابه، وباتصال هؤلاء الصحفيين ببعض أقارب الكاتب وأصدقائه تبين لهم بسهولة أنه كاذب، وقد اختلق حكاية انتسابه لسلالة ملكية أفريقية بهدف ترويج كتابه، ناهيك عن أنّ القصّة برمّتها لا أساس لها إطلاقاً من الصحة، وهي وليدة خياله الخصب ليس إلا· ··وقصّة أخرى ''أنا·· كريستيانا ف· (13 عاماً) مدمنة مخدرات وعاهرة'': هذا الكتاب الذي ألفه صحفيان من مجلة ''شترن'' الألمانية أحدث ضجّة عند صدوره، وهو يروي شهادة حية على لسان فتاة من مدينة برلين الألمانية، عاشت مأساة تدمي القلوب وتتمثل أهمّ فصولها في وصولها، وهي في السادسة من عمرها إلى المدينة المذكورة، برفقة والدتها التي انفصلت عن زوجها السكير وتزوجت برجل آخر، ثمّ انشغلت بعملها وأهملت ابنتها، التي ما ان بلغت الثالثة عشرة من عمرها حتى بدأت ترتاد الملاهي الليلية، وتقتحم عالم المخدرات، لتصبح مدمنة، ولتلتقطها براثن الدعارة فيما لاتزال طفلة· بعد بحث وتقص للحقيقة تبيّن أنّ هذه الشهادة المؤثرة لا تملك صلة كبيرة بالمرأة الحقيقية التي تحمل الاسم نفسه، إذ إنها تعرضت لكثير من التلفيق والتضخيم والمبالغات، وإلى اختلاق أحداث ووقائع لا وجود لها، فالفتاة موجودة فعلاً، لكنّ الصحفيين ألبساها قصّة من خياليهما، ممّا جعل الأحداث لا صلة لها بالواقع إطلاقاً، ورغم انكشاف الحقيقة واصل القراء شراء الكتاب، ومطالعته بلهفة كأنّه يروي قصة حقيقية· بحثاً عن الشهرة والمال ليس بعيداً عما سبق، يقع كتاب ''العشب الأزرق''، وهوعبارة عن يوميات أشيع أنه تم العثور عليها في بيت شابة أميركية أفرطت في الإدمان على المخدرات، وتعرضت للكثير من المشكلات بسسب تناولها لجرعات كبيرة منها· وعلى امتداد العديد من السنوات بيعت مئات آلاف النسخ من الكتاب، حيث أقبل الأهل على شراء الكتاب لتمكين أبنائهم من مطالعته، بهدف الاتعاظ مما حصل للفتاة، واتقاء من شر المخدرات والإدمان، لكنّ تحقيقاً نشرته جريدة ''نيورك تايمز'' مؤخراً بيّن أن الكتاب الشهادة المزعومة هو من تأليف بيارتريس سباركس، وأنّه لا وجود لليوميات، حيث إنّ الأحداث مختلقة، وتنتسب إلى بنات أفكار الكاتب الباحث عن الشهرة والمال· غرامة بمليون دولار مارغريت جونس، سيدة من كاليفورنيا في الثالثة والثلاثين من عمرها، ترعرعت في إحدى ضواحي لوس أنجلوس، وقد أصدرت في شهر فبراير الماضي كتاباً عنوانه'' قصة حياة وأمل''، تزعم فيه أنها من سلالة الهنود الحمر، وأن أسرة من السود الأميركيين تبنتها، وأنها عاشت في أحياء لوس أنجولس المشهورة بالاتجار في المخدرات، ولإضفاء مسحة من الصدقية على قصتها المختلقة، فقد استندت إلى شهادات حقيقية لمنحرفين من الحي المتحدث عنه في كتابها، في حين أنّ بطلة الشهادة عاشت في حي راقٍ ومرفه في لوس أنجولس· وقد سحب الناشر ريفر هيد الكتاب من الأسواق، بعد أن افتضح أمر الكاتبة، وبعد أن عّبر القراء عن احتجاجهم على هذه الخديعة، وفكّر بعضهم في رفع قضية أمام القضاء، على غرار ما حصل للناشر جيمس فراي الذي دفع أكثر من مليون دولار غرامة لقراء كتاب ''مليون قطعة صغيرة'' بعدما تبين أنّ مؤلفه كاذب ادعى أنه قضى سنوات طويلة في السجن بسبب إتجاره وإدمانه على المخدرات، في حين أنه تم إيقافه لمدة قصيرة لدى الشرطة، ولم يدخل السجن يوماً· المؤكد أنّ الهوس بالحكايات المستمدة من الواقع، والمنطوية على حقائق إنسانية أصبح ظاهرة، كما أنّ الكتب المنتمية إلى صنف الشهادات أصبحت تلاقي رواجاً كبيراً، بالرغم من أنّ بعضها ملفق، والطريف أنّ تسعة عشر داراً للنشر رفضت إحدى الروايات التي جرى اقتراحها عليها، لكنّ الأبواب فُتحت أمام صاحبها على مصراعيها عندما قدّمها بوصفها شهادة حقيقية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©