الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هنري جيمس: حياة مضطربة أثارت اهتمام الباحثين

هنري جيمس: حياة مضطربة أثارت اهتمام الباحثين
18 يونيو 2008 23:19
ولد هنري جيمس في مدينة نيويورك لعائلة ثرية، وكان أبوه واحداً من أبرز المثقفين في أواسط القرن التاسع عشر في أميركا· وكانت تربطه علاقات حميمة مع كتاب معروفين أمثال تورو وإيمرسون وهوثورن· عاش حياة إشكالية مضطربة، رصد منها كولم تويبن أربع سنوات فقط، وهي تلك السنوات المحصورة بين عام 1895 ـ 1899 والتي هام فيها جيمس بين عواصم ومدن أوروبية مثل جنيف ولندن وباريس وروما وبون· وقد إختار تويين عام 1895 وهو العام الذي قدّم فيه هنري جيمس عمله المسرحي ''المعلّم دوموفيل'' على أحد مسارح لندن، في الوقت الذي كانت فيه مسرحياته أوسكار وايلد رائجة، وتستقطب جمهوراً واسعاً من المشاهدين البريطانيين· لم تحقق هذه المسرحية أي نجاح يُذكر، بل أن الجمهور بدأ يسخر من مؤلف النص هنري جيمس عندما صعد إلى المنصة ليحيي الجمهور بعد إنتهاء العرض، عندها قرر الإنسحاب من المسرح، والإعتزال في بيته لمدة من الزمن قبل أن يعود لكتابة نصوصه الروائية· العام 1875 انتقل هنري جيمس من نيويورك إلى شقة فاخرة في ريو دي لوكسمبورغ في باريس· وقد كان مسرورا لهروبه مما عدّه عدم تقدير، ومن الحياة الاجتماعية الأميركية غير الغنية· الغوص عميقا يعتقد كل من قرأ رواية ''المعلّم'' أو ''السيد'' بحسب بعض الترجمات، أن كولم لويبن قد قرأ كل أعمال هنري جيمس، وقطّرها في نصه الروائي الجديد الذي أثار إعجاب لجنة التحكيم، فأسندت إليه هذه الجائزة الكبيرة مادياً ومعنوياً· لم تترك هذه الرواية جانباً غامضاً أو معتماً أو مثيراً للجدل إلا وسلطت عليه الضوء، وحللت مشاعره الدفينة، وآراءه المتناقضة، وأحاسيسه المتداخلة بأسلوب أدبي شديد الكثافة والتركيز· وفضلاً عن تأثير الفشل الذريع الذي عانى منه هنري، فقد ألقت بعض الحوادث بظلالها القاتمة على حياته غير المستقرة أصلاً، إذ ماتت المرأة الأولى التي أحبها متأثرة بمرض السل، بينما ألقت الثانية بنفسها من النافذة، وماتت موتاً مريعاً· كان هنري جيمس يعاني من الكبت الجنسي، إذ إنحرفت مشاعره صوب نحات صغير ووسيم وسببت له الكثير من الإشكالات التي لم يستطع البوح بها علانية، فظل يعاني من الإحتباس، فضلاً عن عالمه الموحش الذي تلفه العزلة، ولم يستطع عمه وأخته وخادمه إنتشاله من جو الوحدة القاتل· البحث عن الدهشة يعتبر هنري جيمس أحد أهم المؤلفين في عصره· غادر الولايات المتحدة الأميركية في الثلاثينيات من القرن الماضي، إيماناً منه أن المجتمعات الأوروبية الأقدم والأكثر تنوعاً من المجتمع الأميركي التقليدي ستوفر له مادة أكثر زخماً وثراء لرواياته، وفي عام 1876 اختار إنجلترا موطناً ثانياً له حيث استقر فيها حتى وفاته· وبعد سنة، استعدّ للانتقال إلى لندن، حيث عاش السنوات العشرين التالية· كتب إلى أخيه وليام حول سأمه وخيبة أمله من باريس، يقول بأنّه ''لم يحصل منها على شئ مهم''· وفي العام ،1881 وفي مستهل دفتر ملاحظاته، رأى جيمس تلك السنة بشكل مختلف: ''إنه وقت لا يمكن أن يكون مبددا على الإطلاق''· ويوضح كتاب بيتر بروكس ''رحلة هنري جيمس إلى باريس'' أن تلك السنة في باريس لم تكن وقتا غير مبدد فقط، وإنما كانت حاسمة في التطوّرات التالية في قصة جيمس· في مقابلة نشرت في العام ،1994 تحدث بروكس عن ''إغراء'' كتابة سيرة ذاتية لعلم أدبي· وهو يعتقد بأن السيرة الذاتية ''كانت أحدى الأشكال القليلة التي يمكن للناقد الأدبي أن يستعملها للوصول إلى جمهور كبير''· تنطوي أحداث ''رحلة جيمس إلى باريس'' على أهمية كبيرة، وتتضمّن علاقاته العادية، والاستقبال الجليدي له من قبل الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير ودائرة معارفه، خصوصا بعد أن ارتكب جيمس الذنب الكبير بإظهار إعجابه بقصة غوستاف دروز، إضافة إلى صداقة جيمس الكئيبة وغير المحتملة مع سي إس بيرس الذي نسيه جيمس حالما حصل على أصدقاء جدد في باريس، وصحوته المباغتة في حضور إيفان تورغينيف، الذي وقّره جيمس كإنسان وكروائي· اعترف جيمس لوليام بأنه من غير المحتمل أبدا بأن يتعمق بالمشهد الأدبي الفرنسي، لكنه كتب إليه أيضا عن صداقته العميقة مع الفنان الروسي بول تشوكوفيسكي، وهي صداقة يمتحنها بروكس مع بعض التفاصيل في هذا الكتاب، ذلك أنّ إرتباط جيمس بتشوكوفيسكي كان قويا· التحول إنجليزيا حمل جيمس تقديرا عاليا لفلوبير كصاحب أسلوب وكفنان كرس حياته لحرفته، لكنّه اعتقد أيضا بأنّ قصته كُسِرت من قبل ما دعاه ''العيب أو الخلل'' في رأيه، وهو يعتقد بأن الشخوص التي تمتلك ذكاء محدودا وعواطف سطحية، مثل إيما بوفاري، وفريدريك بورييه كانت كافية لتحمّل عبء قصصه ذات القيمة الأخلاقية· وأكثر أهميّة من تفضيل ''دروز'' كان اعترافه في العام ،1876 عندما كتب إلى وليام جيمس، بأنه ''يتحول إنجليزيا في جميع الأرجاء''· إن إيمان جيمس في الثقافة التي أنجبت جورج إليوت كان أكثر من ردّ فعل ضدّ فلوبير وجماعته، فذلك الإيمان كان حيويا ومتجذرا جدا في إحساس جيمس نفسه كروائي ضمن التقليد الانجلو ـ أميركي· حياة سرية في وقت لاحق بدا كما لو أن إكتمال حضور هنري جيمس في المشهد الأدبي، كان ينتظر قدوم فلويد هوروتز، وهو أستاذ للغة الانكليزية وعلم الحاسبات، لكي يميط اللثام عن عدد من قصصه الضائعة· يبلغ عدد القصص 24 قصة قصيرة من أعمال هنري جيمس المبكرة التي كتبها ونشرها فعلا، ابتداء من سن التاسعة إلى أن بلغ 26 سنة من عمره· صار بإمكان العالم أن يقرأها للمرة الأولى منذ نشرها في مجلات أميركية غير مشهورة ما بين 1852 و·1869 هكذا يؤكد هوروتز ويحاول إثبات نظريته· عمل هوروتز على دراسة هذه المجموعة من القصص القصيرة مدة ثلاثة عقود تقريبا، لذلك تستحق فرضياته أن تؤخذ على محمل الجد، حتى إذا لم يكن المرء منبهرا بفكرة أن يكون هنري جيمس في عمر تسع سنوات قد كتب قصة (زوج من الخفاف) وأرسلها إلى مجلة تخاطب الشباب، هي مجلة ''نيويورك المحلية''، ونشرها باسم مستعار لفتاة ''مدموزيل كابرس''، وتسرد حكاية من زمن الحرب عن الحب ووعد بالإخلاص طوال الحياة، وقصة أخرى بعنوان (طيات الوشاح) بعث بها إلى مجلة ''آرثر هوم'' في 1862. إعادة النساء إلى القطيع ان التعرف على هنري جيمس من خلال الاسم المستعار ''ليسلي والتر''، الذي من الممكن أن يكون مجهولا بالنسبة للكثير من القراء في ذلك الوقت، هو امر ينطوي على مشاكل جسيمة، اذا أخذنا بالحسبان الأسباب التي يقدمها هوروتز· خاصة بعدما عُلم أنه في كانون الثاني ،1869 بعد فترة من إفصاح هنري جيمس عن اسمه الحقيقي، وبداية كتابته به، نشرت قصيدة وجدانية باسم ليسلس والتر نفسه عنوانها ''وسط الزنابق''، في مجلة غالاكسي، لا يذكر هوروتز شيئا عن احتمال وجود شخصية ثانية لها علاقة بهنري جيمس فيما يتعلق بالشعر· ان تلك الشخصية الهزيلة التي استخرجت بطريقة تدعو للريبة اعتمادا على الوسائل العلمية السائدة في القرن الواحد والعشرين، لا تثير اهتماما جادا بأسلوب طرحها· ان كره النساء المشوب بالرياء في الحكايات، والثأر من فتيات متكبرات، لا يعتبر أبدا برهانا على أنها مكتوبة من قبل هنري جيمس بالطبع· في مقال لجيمس يعود الى عام 1868 كتب يقول: ''يبدو لي أنه شيء سخيف الى حد كبير أن يقف المرء على مكان مرتفع، ويحاول استخدام سوط طويل بيده، والكثير من الكلمات البذيئة لكي يعيد النساء إلى القطيع''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©