السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليست روسيا وحدها: العملاء الإلكترونيون وتحريف المحتوى

8 ابريل 2018 23:08
أخيراً، توقف الناس عن السؤال: «هل يحدث هذا حقاً؟». فقد اعترف «فيسبوك» بوجود معلومات روسية كاذبة ومضللة على منصته، وحظر أخيراً مواقع أنشأتها «وكالة بحوث الإنترنت»، وهي المؤسسة الروسية المسؤولة عن الدعاية «البروباجندا» الإلكترونية السرية. كما أزال «تويتر» شبكة من البرامج الحاسوبية الروسية الأوتوماتيكية. وفي باريس ولندن وبروكسل، عُقدت خلال الأسابيع الأخيرة جلسات استماع ومؤتمرات كبيرة لمناقشة الردود الحكومية الممكنة على حملات المعلومات الكاذبة والمضللة الروسية داخل الديمقراطيات الأوروبية أيضاً. وقد حضرتُ بعض هذه المؤتمرات، كما أدليت بشهادتي في بعض جلسات الاستماع، وكتبت حول الموضوع منذ أن بدأت روسيا حربها الدعائية ضد الغرب في 2014، عقب تدخلها في أوكرانيا. وأتفهم تماماً ازدياد الاهتمام بهذا الموضوع؛ غير أن التحمس المتأخر لكشف التلاعبات الروسية يقلقني لأنه يقلل من شأن حجم المشكلة، التي لا تقتصر على الروس. وبفعل عمل المحقق الخاص روبرت مولر، بتنا نعرف بشكل دقيق كيف تعمل التكتيكات الروسية على الإنترنت. فهم يستخدمون المواقع الإلكترونية المزيفة، وصفحات مزيفة على «فيسبوك»، وأتباعاً مزيفين على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف إضفاء مصداقية أكبر على آراء متطرفة، سواء لليمين المتطرف أو اليسار المتطرف. ويختلقون القصص أو يتلاعبون بها -عبر إخراجها من سياقاتها، أو تغيير تفاصيلها، أو إنشاء مقاطع فيديو مزيفة- وذلك بهدف إثارة الخوف وتعميق الانقسامات الاجتماعية. ففي ألمانيا -وهذه قصة باتت مشهورة الآن- روّج عملاء إلكترونيون وبرامج حاسوبية وسياسيون حقيقيون روس قصة «ليزا» المفبركة، وهي فتاة ألمانية- روسية يفترض أنها تعرضت للاغتصاب من قبل مهاجرين عرب. وخلال الانتخابات الفرنسية، روجت وسائل الإعلام الروسية التابعة للدولة، مدعومة بوسائل التواصل الاجتماعي الموالية لروسيا، قصة أن إيمانويل ماكرون مدعوم من «لوبي للمثليين» في الولايات المتحدة. غير أن كل هذه التكتيكات، التي استُخدمت على نطاق واسع للمرة الأولى من قبل الروس، متاحة أيضاً لآخرين -وليس للسلطويين الآخرين فقط. فبشكل صريح وبشكل قانوني، باتت هذه التكتيكات تُستخدم أيضاً في بعض الديمقراطيات الغربية. ففي إطار حملتها الانتخابية الحالية التي تعادي الأجانب وتستهدف نشر الخوف، استخدمت الحكومة المجرية سلسلة من المنصات لنشر وإشاعة مجموعة كاملة من الفيديوهات التي كانت مزيفة، أو أُخرجت من سياقاتها، أو عدِّلت تكنولوجياً عبر دمج صوت شخص يصيح «الله أكبر» في الفيديو؛ بهدف جعل شجار مفترض بين مسلمين ومسيحيين أكثر صدقية! ورغم أن وسائل الإعلام المجرية التابعة للدولة (والمدعومة من طرفها) تعيد أيضاً نشر وإعادة تدوير مواد روسية أكثر صدقية، إلا أن معظم المواد «المصنوعة على الطراز الروسي» المستخدمة في المجر ليست أجنبية؛ وإنما تأتي من الحكومة نفسها، وبعد ذلك يتم نشرها والترويج لها من قبل العملاء الإلكترونيين المجريين والبرامج الحاسوبية المجرية. وتعمل «فوكس نيوز» ووسائل الإعلام الصديقة لترامب بالطريقة نفسها تماماً. ومثلما كتبتُ في السابق، فإن دونالد ترامب استخدم بشكل صريح شعارات وخطابات روسية خلال حملته الانتخابية 2016. غير أنه في الوقت الراهن لم يعد في حاجة للاستعارة منهم بعد الآن. فقد عدّد مقال لصحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، يحلّل كيف أصبح الرئيس الأميركي مهووساً بـ«قافلة المهاجرين غير الشرعيين»، الطرق التي تغيَّر بها القصة الأصلية وتُنقل بطريقة خاطئة، عمداً، من قبل ما كنا سنسميها في بلد آخر وسائل الإعلام الموالية للنظام. وبينما كان يعاد حكيها على برنامج «فوكس آند فراندز»، أو تضخيمها من قبل موقع «فرانت-بايج ماغ»، أو «مراقبي واشنطن»، وآلاف البرامج الحاسوبية والعملاء الإلكترونيين (الطوعيين والمحترفين)، فقدت القصة بعض التفاصيل المهمة: أن الكثيرين من المجموعة كانوا لاجئين فارين من حروب المخدرات في هندوراس، أو أن الكثيرين كانوا يعتزمون البقاء في المكسيك، أو أن آخرين غيرهم كانوا يأملون عبور الحدود الأميركية بطريقة قانونية من أجل طلب اللجوء. وبحلول الوقت الذي وصلت فيه قصة القافلة حساب الرئيس الأميركي على تويتر (الذي سبق له أن تضمن مقطع فيدو مزيفاً أو يحمل اسماً خاطئاً)، كان الأمر يتعلق بـ«غزو» يتطلب حضور الحرس الوطني. أكرر: إن الأمر يتعلق بتكتيكات روسية. ولكن هذه التكتيكات تُستخدم حالياً من قبل رئيس أميركي، وحكومة مجرية، وآخرين ليسوا في السلطة، أو ليسوا فيها بعد. ولهذا، فإن الحلول والردود على حملات المعلومات الخاطئة والمضللة التي تركّز على روسيا فقط لا تكفي. وعليه، فإن التحدي الحقيقي الذي تواجهه كل المنصات الكبرى هو كيف تعيد تصميم نفسها حتى تصبح أكثر مقاومة للمنظمات، مثل «وكالة بحوث الإنترنت»، التي تنخرط في ما وصفه أحد المديرين التنفيذيين بـ«أنشطة مزيفة منسقة»، تتراوح ما بين استخدام أسماء مزيفة وإنشاء جماهير مزيفة إلى نشر قصص مختلقة وإنشاء قصص وخطابات مثيرة للانقسامات. وربما يجدر بها الكف عن إتاحة إمكانية إخفاء الهوية، أو تغيير الخواريزميات التي تضمن انتشار المواد الأكثر إثارة بسرعة كبيرة، أو اعتماد قدر أكبر من الشفافية بخصوص أدوات تعديل وتحوير مقاطع الفيديو، وخاصة مع التطور المستمر لهذه الأخيرة. *محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©