الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكونجو الديمقراطية... حروب وفساد!

الكونجو الديمقراطية... حروب وفساد!
13 أغسطس 2009 03:22
لم تعد خافية على أحد تلك المأساة التي وصلت إليها جمهورية الكونجو الديمقراطية بسبب الحروب والصراعات الدامية، لكنها أيضاً تحولت إلى مكان شاسع يعشش فيه الفساد على نطاق لا يمكن تصوره. وما لم تعمل وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، التي وصلت قبل بضعة أيام إلى الكونجو، على معالجة حالة الفساد المتفشية، فإن المأساة ستستمر ولن تنتهي المعاناة. وإذا كانت الكونجو قد تحولت إلى كارثة، فذلك لأسباب يعرفها الجميع ويمكن إيجازها في مقتل خمسة ملايين شخص منذ اندلاع الصراع في عام 1998 وتعرض الآلاف إلى معاملة وحشية من قبل الجنود والمتمردين على حدٍ سواء، فضلاً عن نزوح أكثر من مليوني شخص من منازلهم. وإلى ذلك، فإن السكان البالغ عددهم ستين مليون نسمة يعانون عجزاً حكومياً مزمناً في توفير الأمن والكرامة وأوليات التنمية. ولم تتقدم الأمور إلا ببطء شديد، حيث استغرقت الفترة الانتقالية التي تلت الحرب ست سنوات تخللتها نفقات تقدر بمليارات الدولارات من المساعدات الخارجية، كما نُشر 20 ألف من القوات التابعة للأمم المتحدة دون جدوى... والسبب الأساسي وراء هذا الفشل العام هو تحول الكونجو إلى مكان خصب للفساد بعدما أصبح السياسيون والإداريون من عتاة الفسادين الذين اغتنوا بحرصهم على بقاء الدولة مختلة وعاجزة عن القيام بمهامها، بالإضافة إلى تعزيز العنف المحلي خدمة لمصالحهم الخاصة. فعلى امتداد البلاد، يسيطر الأشخاص الذين يتولون مناصب رسمية على الموارد، وكل ذلك يتم تحت يافطة السيادة الوطنية. لذا تشكل الكونجو المحطة الأكثر أهمية بما تطرحه من تحديات وتتيحه من فرص في جولة كلينتون الأفريقية الأخيرة والتي شملت سبع دول، ورغم ذلك لعب الأجانب في كثير من الأحيان دوراً سلبياً بمحاباة ومكافأة السياسيين والجنود الجشعين وبتعزيزهم سلطة الدولة المتسلطة بدل الحد منها. وعلى سبيل المثال، أدت العمليات العسكرية الأخيرة التي تدعمها الأمم المتحدة ضد متمردي الهوتو الروانديين إلى تشجيع الاستعانة بجنود ينقصهم التدريب ويتقاضون رواتب متدنية انخرطوا في عمليات نهب واغتصاب واسعة، فضلاً عن ترويع الأهالي بدل حمايتهم. ومع أن كلينتون ستتحدث عن العنف ضد النساء، وسيصدق الكونجرس على تخصيص 15 مليون دولار لمشروع إنشاء قوات مهنية وسريعة التدخل تتكون من العناصر الكونجولية على أن تلتزم بالمعايير الدولية وتحترم حقوق الإنسان، إلا أنه من غير المتوقع أن ينجح ذلك في تغيير الوضع المتردي. فالجنود يلجأون إلى ترويع السكان؛ لأنهم يشعرون كغيرهم من موظفي الدولة الفاسدين بأنهم بمنأى عن العقاب، وهم ينهبون لأن الضباط والسياسيين يسرقون رواتبهم، كما يغتصبون لأنها الطريق الأسهل لإخضاع السكان المدنيين. ولا شك في أن هذا الواقع الأليم لن ينتهي ما لم يوضع حد لمعضلة الفساد في الكونجو، علماً بأنه كلما ساهمنا في تمتين عرى الدولة وبنائها نكون قد عملنا وبشكل غير مباشر على تثبيت الطابع السلطوي للدولة وتكريس فسادها الذي ظل يلاحق الكونجو بعناد منقطع النظير منذ قيام الدولة على يد ملك بلجيكا «ليوبولد الثاني» في عام 1885؛ لذا مهما أبدت الدولة الكونجولية من فشل، على كلينتون تجنب تبنيها والمساعدة في بنائها. فما الذي يمكن لوزيرة الخارجية القيام به؟ أولاً عليها ممارسة ضغوط كبيرة على الكونجو ورواندا لتحييد المتمردين الهوتو الذين يصل عددهم إلى حوالي خمسة آلاف عنصر بعد الدمار الذين تسببوا فيه بمحافظات كيفو منذ طردهم من روندا في عام 1994. وبالإضافة إلى الفظائع التي ارتكبوها في حق الأهالي، كان لتلك الميلشيات دور في تأجيج الصراع في المنطقة وظهور ميلشيات كونجولية مناوئة للأجانب. وفي هذا السياق، لا يوجد أقدر من الجيش الرواندي للتخلص من عناصر الهوتو على أن يقوم بذلك تحت سلطة الأمم المتحدة. كما يتعين على فرنسا وبلجيكا اللتين تتحملان مسؤولية تاريخية في هذا الصراع التدخل والمساهمة بنصيبهما في حل المشكلة الكونجولية. دون أن ننسى أيضاً الدور الذي يمكن أن تعلبه القيادة الأفريقية التابعة للجيش الأميركي بتوفيرها الدعم اللوجستي. أما الأمر الثاني الذي يمكن لوزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، الضغط في اتجاه تحقيقه، فيتمثل في الكف عن السياسة الحالية المرتكزة على إدماج المتمردين السابقين في الجيش بعدما بدأت تتضخم صفوفه وتخرج عن السيطرة. ومع ذلك، لن يتحقق سلام دائم ما لم يتم الحد من هيمنة الدولة وتسلطها، وفي هذا الإطار يمكن للولايات المتحدة دعم جماعات حقوق الإنسان الكونجولية لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب السائدة في البلاد، كما يتعين مساندة المبادرات المحلية والاجتماعية التي وقفت إلى جانب الأهالي في مرحلة غياب الدولة لقدرتها على مراقبة الأداء الحكومي وكشف العناصر الفاسدة. وأخيراً، تستطيع واشنطن المساعدة في خلق قاعدة صناعية تقلل من الاعتماد على الأرض والقطاع الزراعي الذي يولد الكثير من الصراعات دون أن ننسى تأهيل الكونجو اقتصادياً لتستفيد من القانون الأميركي الخاص بالتعاون الأفريقي لتحقيق التنمية، والذي حرصت كلينتون على الترويج له خلال زيارتها الأخيرة. بيير إنجلبيرت أستاذ السياسة الأفريقية بجامعة «بامونا» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©