الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرازيل.. دعوة لرحيل «كونا»

15 يونيو 2016 23:22
حتى قبل أسبوعين لم يكن كثير من البرازيليين يعرفون شيئاً عن «إيرونيديز فاسكونسلوس»، ويعرفها رواد الأبرشية في مدينتها سلفادور الواقعة في شمال شرق البرازيل بأنها أرملة تبلغ من العمر 44 عاماً، وهي أم لطفلين وعضو في التكتل المسيحي الإنجيلي المتنامي في برلمان البلاد، لكن بفضل الدور غير المحتمل الذي دعيت لتلعبه في الخروج بنتيجة في فضيحة فساد سياسي تتزايد اتساعاً في البرازيل أصبحت «فاسكونسلوس» شخصية قومية شهيرة بدرجة ما، وكل تعبير يصدر عنها يثير الانتباه العام من «تويتر» إلى قصر «بلانالتو» الرئاسي في برازيليا. وفاسكونسلوس، أو «العمة إيرون»، كما تفضل أن يطلق عليها، ليست في قلب السلطة، بل تصادف فحسب أنها تجلس في لجنة الأخلاقيات في البرلمان، حيث قد ينتهي الحال بها إلى تصويت حاسم على مصير واحد من أسوأ السياسيين سمعة، وهو «إدواردو كونا» رئيس مجلس النواب. والسلطة التي ما زال يتمتع بها «كونا» تمثل درساً في كيف تسطو الشخصيات المهمة وتستخدم نفوذها في المنصب الكبير لتتحايل على القانون في الغالب بموافقة ضمنية من مساعدين طموحين، واُتهم «كونا» بمجموعة من الانتهاكات من التهرب الضريبي إلى تلقي رشى بمبالغ كبيرة من الموردين المتعاملين مع المشروعات الحكومية، وأصدرت المحكمة العليا قرارا يستوجب خضوعه للمحاكمة ويريد النائب العام البرازيلي إلقاء القبض عليه لكن شيئاً من هذا لن يحدث ما لم يوافق أنداد «كونا» على تجريده من حصانته البرلمانية، وهنا تتجلى روح التضامن على أساس العصبية في الحياة السياسية البرازيلية، واستعان «كونا»، وهو بارع في الحملات الانتخابية وخبير باللوائح والقوانين بكل امتياز، وكل علاقة للتمسك بالسلطة حتى لو تراكمت المزاعم ضده وجعلت منه احتجاجات الشوارع منبوذاً قومياً. لكن بعد سبعة شهور من العراقيل والمناورات في لجنة الأخلاقيات، ربما يكون وقت «كونا» قد انتهى أخيراً، ويتوقع في نهاية هذا الأسبوع أن تجري لجنة الأخلاقيات المؤلفة من 21 عضواً تصويتاً، وذكرت تقارير أن عشرة مشرعين يفضلون بقاء «كونا» بينما أعلن تسعة آخرون أنهم يريدون الإطاحة به. وما زال يتعين على «إيرون» أن تعلن رأيها وإذا انضمت للمطالبين بالإطاحة به وساوت بين الفريقين، فإن رئيس المجلس سيرجح أحد الكفتين. ومن المعروف عن رئيس المجلس أنه يريد الإطاحة بـ«كونا»، ودعم «أيرون» قد يُمكن «كونا» من الاحتفاظ بمقعده ويتجنب المحاكمة. فدعنا نخمن كيف ستصوت. إن «إيرون» واحدة من عدد قليل من النساء السوداوات اللائي انتخبن في البرلمان وهي معلمة سابقة لتدريس الكتاب المقدس ومن هنا جاء لقب «عمه» الودي الذي يطلقه البرازيليون على المعلمات. وقضت «إيرون» أربع فترات ولاية كعضو في مجلس مدينتها سلفادور، وانضمت إلى لجنة أخلاقيات البرلمان في أبريل لتحل محل أحد خصوم «كونا»، وهو ما أدى إلى تكهنات بأن «كونا» هو الذي زرعها. وفي كلمتها الافتتاحية في اللجنة، أغدقت «فاسكونسلوس» المديح على رئيس المجلس ووصفت المجلس تحت قيادته بأنه «أكثر إنتاجية عما كان». وفي الوقت نفسه، أقرت بأن السياسة البرازيلية بحاجة إلى عملية «تطهير» دقيقة. ومثل هذا الغموض جعلها فجأة شخصية تخطب ودها الشخصيات العامة والسياسية الكبيرة والقيادات الدينية وطائفة من وسائل الإعلام. ومع تزايد الجدل الشعبي الأسبوع الماضي، فعلت «إيرون» ما قد يفعله أي نائب يقع تحت ضغط الجمهور. لقد اختفت. وفي السابع من يونيو الجاري بينما كان أعضاء لجنة الأخلاقيات يتصارعون بشأن «كونا»، انسحبت «فاسكونسلوس» إلى مكتبها في برازيليا، مما أذكى التكهنات بشأن صفقات سرية، وانطلقت شلالات على الإنترنت تسأل عن العمة «إيرون». الجدير بالذكر أنه بفضل استقلال الشرطة والقضاء والادعاء، قطعت البرازيل خطوات واسعة في عرض المسؤولين الفاسدين على العدالة. و«كونا» ليس إلا هدفاً واحداً في قضية فساد كبيرة شهدت الحكم بسجن أكثر من 100 شخص بسنوات بلغ إجماليها 1140. وذكرت وزارة العدل أن الإدانة بالفساد ارتفعت 438 في المئة من عام 2010 إلى عام 2015، لكن السجون الجيدة ليست وكيلاً عن الحكومة الجيدة. ولن ينتج الكثير عن مثل هذا الحماس القضائي ما دام السياسيون الفاسدون يستطيعون استخدام المناصب بالانتخاب كملاذ آمن. وأمام الهيئة التشريعية الآن فرصة تاريخية لتصحيح هذا الانحراف. وزعمت «فاسكونسلوس» إنها لن تتنصل من واجبها. وبصرف النظر عما تعنيه بهذا، فإنها قد تسترشد برأي المجموع الأكبر، فقد أشار استطلاع رأي في الآونة الأخيرة إلى أن 77 في المئة من البرازيليين يريدون رحيل «كونا». *محلل سياسي أميركي مقيم في ريو دي جانيرو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©