الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سماسرة الهجرة غير المشروعة يسلبون الشبان حياتهم مقابل وهم العمل في أوروبا

سماسرة الهجرة غير المشروعة يسلبون الشبان حياتهم مقابل وهم العمل في أوروبا
6 مايو 2010 21:04
فتحت حوادث الغرق الأخيرة لعشرات من الشباب المصريين في مياه البحر المتوسط خلال هجرتهم بطرق غير مشروعة إلى أوروبا جدلاً ساخناً حول الأسباب التي تدعو هؤلاء الشباب إلى المخاطرة بأرواحهم طمعاً في فرصة عمل أوروبية لا سيما أنها كشفت عن أن هناك عصابات منظمة تتقاضى حداً أدنى قدره 50 ألف جنيه، ويصل أحياناً إلى 120 ألف جنيه من كل شاب نظير تسهيل هجرته خصوصاً إلى إيطاليا وفرنسا. () - كشفت إحصاءات وزارة الداخلية المصرية عن ضبط 78 رحلة هجرة غير مشروعة عبر مراكب وزوارق في الفترة من مارس 2009 إلى مارس 2010 توفي خلالها 461، وتم إنقاذ 2809. وتشير إحصائيات لمراكز حقوق الإنسان في مصر إلى أن قرابة 457 ألف مصري هاجروا بطرق غير مشروعة خلال السنوات العشر الماضية، وكان لإيطاليا منهم نحو 90 ألف مهاجر، وبلغ حجم ما أنفقوه في سبيل هجرتهم 500 مليون جنيه مصري. مدلول نفسي يقول الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم إن أي شاب يرغب في الهجرة غير المشروعة، يلجا إلى السماسرة ويضطر لدفع نحو 50 ألف جنيه كحدٍ أدنى، وقد يتضاعف في حالات أخرى، وهذا المبلغ في حده الأدنى يُعد مناسباً جداً إذا أراد هذا الشاب خوض غمار الحياة العملية داخل وطنه، فمن الممكن أن يبدأ بمشروع صغير محدود التكلفة، وبالصبر والاجتهاد والمثابرة ينجح ويسدد ما عليه من ديون وينمي مشروعة دون الحاجة إلى السفر، إلا أن هناك دوافع أخرى تحرك هؤلاء الشباب مثل الطمع والثراء السريع وما شاهدوه أو سمعوا عنه عن بعض النماذج الناجحة في تجربة السفر إلى أوروبا. ويرى خبير الطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة أن ما يحدث من تكرار لحوادث الهجرة غير المشروعة وموت عشرات الشباب غرقاً له مدلول نفسي يتلخص في شيوع اليأس لدى الشباب بسبب تفشي البطالة والشعور بالضياع وفقدان الانتماء للوطن، مما أوجد مساحة من فقدان الثقة عند هؤلاء الشباب في قدرتهم على تحقيق الذات داخل وطنهم أو إمكانية تغيير أحوالهم إلى الأفضل. وعن تزايد أعداد من يخاطرون بحياتهم طمعاً في حلم الهجرة، يقول “يجب إلا نستهين بشعور الشباب بالفراغ، فمن شأن ذلك أن يعرض الشاب لحالة اكتئاب نفسي، ولا يرى إلا السفر كباب وحيد للخروج من تلك الحالة، فيخاطر على أمل أن يحالفه التوفيق في النجاة والوصول، وهو هنا أقرب إلى شخصية الذي يغامر بكل شيء على أمل الفوز بما يحلم به”. ويشير عكاشة إلى إجابات بعض الشباب ممن يتم انتشالهم أحياء بعد تعرض مركب الهجرة غير المشروعة للغرق، قائلاً إن الشاب رغم كونه على علم بأنه قام بعمل غير قانوني وعرض حياته للخطر، يأتي بمبررات متعددة مثل كونه في حاجة ماسة إلى المال للإنفاق على أسرته، وأنه سافر بحثاً عن حياة كريمة ولديه طموح يصعب تحقيقه في وطنه. ويؤكد أن كل هذه الحيل تستخدم من الناحية النفسية كوسيلة للتغلب على الصراع النفسي ومشاعر الإحباط التي يعيشها الشاب، حيث فقد فرصته في السفر وخسر مالاً في غالب الأمر يكون قد اقترضه من آخرين، وبالتالي تزايدت همومه بديون لا يقدر على سدادها ويبدأ التفكير بالاقتراض ثانية ليكرر تجربة الهجرة غير المشروعة مرة أخرى، وهكذا.. ويطالب عكاشة أجهزة الإعلام بزيادة الوعي لدى الشباب بمخاطر الهجرة غير المشروعة وتسليط الضوء على ما يواجهونه من صعاب ومتاعب. اقتراض ورهن ترفض الدكتورة عزة كريم، الخبيرة بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلقاء اللوم على الشباب أو اتهامهم بالتراجع عن العمل في أي من المشروعات الصغيرة واستثمار مبلغ خمسين ألف جنيه داخل وطنهم، مؤكدة أن غالبية من التقت بهم من الشباب الساعين للهجرة غير المشروعة من أسر فقيرة لا تمتلك مثل هذا المبلغ أو حتى نصفه، موضحة أنه يتم جمعه عبر الاقتراض من الأقارب والأصدقاء وبيع أو رهن قطعه أرض أو منزل الأسرة أو بيع مصوغات الزوجة أو الأم على أمل أن ينجح الشاب في السداد واستعادة ما تم بيعه. وتؤكد أن الشباب محبطون من الروتين وتجارب فاشلة كثيرة لمشروعات خاضها غيرهم في السنوات الأخيرة كاستصلاح الأراضي ومشغولات يدوية وغيرها وفشلت بسبب ارتفاع فوائد البنوك على القروض، والنتيجة أن المجهود يذهب هباء. وتضيف أن‏ تلك النماذج التي لم تستطع النجاح في مشروعاتها الخاصة لعبت دوراً كبيراً بواسطة تسليط وسائل الإعلام الضوء عليها في إحجام الشباب عن خوض غمار تلك التجربة، مفضلين حلم السفر عليها كحلٍ أخير بعد أن ضاقت سبل الحياة في الوطن وتفشت لديهم البطالة. وتشير كريم إلى أن ظروف الفقر وقلة فرص العمل ليست جديدة على المصريين، فقد بدأت ظاهرة السفر بحثاً عن الرزق منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، وكانت وجهة المصريين الدائمة هي الدول العربية لاعتبارات تتعلق باللغة والجوار، ولكن مع تعذر السفر الآن إلى الدول العربية وضعفت الرواتب بها عن الماضي، بقي خيار التسلل خلسة إلى الدول الأوروبية، وفي مخيلة كل شاب تجارب سمع عنها لآخرين خاضوا التجربة من قبل وعادوا بأموال وفيرة. وكرست ذلك أعمال سينمائية شهيرة مثل فيلم “النمر الأسود” بطولة أحمد زكي و”همام في أمستردام” بطولة محمد هنيدي. والنتيجة أن الشاب بات صيداً سهلاً لسماسرة الهجرة غير المشروعة الذين وجدوا في معاناته فرصة لتحقيق مكاسب كبيرة في أسرع وقت، فانتشروا في قرى ومدن مصر يوهمون الشباب بأن الطريق سهل وميسر فينخدع الشاب ويبدأ في تدبير المبلغ الذي يريده السمسار، وهو غالباً لا يقل عن 50 ألف جنيه، فيبيع كل ما تطوله يداه ويقترض على أمل السداد عندما يصل إلى أوروبا، والنتيجة إما أن ينتهي به المطاف غرقاً في البحر أو طريداً تلاحقه الشرطة في البلد الذي يصل إليه؛ لكونه لا يحمل أوراق إقامة صحيحة، كما يتعذر حصوله على فرص عمل مناسبة وكريمة وتصير حياته في الخارج وأسرته في الداخل جحيماً لعجزهم عن تسديد الديون المتراكمة. مواجهة الظاهرة ترى الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، أن الظروف الراهنة من تردي الأحوال الاقتصادية، وزيادة البطالة، وضعف الأجور، وغلاء المعيشة.. جعلت عدداً لا بأس به من الشباب ينظر للمستقبل داخل الوطن بصورة سوداوية؛ لهذا يسعون وراء المجهول فيلقون بأنفسهم إلى البحر طمعاً في النجاة والوصول إلى البلد الأوروبي وتحقيق الذات هناك، ويرون أن السفر أفضل بالنسبة لهم من الاستدانة والمجازفة بإقامة مشروع نسبة فشله تزيد على نسبة نجاحه. وتؤكد أن مواجهة تلك الظاهرة تبدأ بإيجاد حلول مثل فتح تخصصات يتطلبها سوق العمل بالفعل، وتدريب الشاب خلال سنوات الجامعة على إدارة مشروع خاص يختاره بالتوازي مع دراسته، وعندما يتخرج ولا يجد عملاً يناسب مؤهله العلمي يكون البديل أمامه المشروع الذي تعلم إدارته مع ضرورة تيسير حصول الشباب على القرض اللازم وقطعه الأرض والتصاريح لهذا المشروع، فلا يكفي أن تعطيه الدولة قرضاً وتتركه فريسة للروتين والإجراءات البيروقراطية التي تعوق نجاح أي مشروع. وتقول عائشة عبدالهادي، وزيرة القوى العاملة والهجرة في مصر، إن الوزارة لا تدخر جهداً في مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة بتوعية الشباب عبر وسائل الإعلام بمخاطر الانسياق وراء سماسرة السفر والأحلام الزائفة والعمل مع بقية أجهزة الحكومة المصرية على توفير فرص عمل للشباب بالداخل وتشجيعهم على إقامة المشروعات الخاصة بهم وتذليل الصعاب أمامهم حتى لا يكون خيار الهجرة حتمياً أمام الشباب. وتشير إلى أن الوزارة نجحت خلال العام الماضي في توفير ‏367‏ ألف فرصة عمل حقيقية للشباب من خلال مكاتب التشغيل والقطاع الخاص والاستثماري وشركات إلحاق العمالة كما تم إنشاء قاعدة بيانات للراغبين في العمل والهجرة على موقع الوزارة، وبلغ عدد المسجلين في العمل بالداخل‏ 2.5 مليون شاب‏، وعدد الراغبين في العمل الموسمي والمؤقت‏ 100‏ ألف، وعدد الراغبين في الهجرة‏ 85‏ ألفاً.‏ ويطالب حسين أمين، أستاذ الأعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، جميع الجهات من إعلام ومنظمات مجتمع مدني بالتكاتف مع الأجهزة الحكومية في رصد خطورة الظاهرة وزيادة وعي الشباب، مؤكداً أن الحل الأفضل للحد من ظاهرة الهجرة غير المشروعة يكمن في زيادة التنمية، وتوفير فرص عمل كريمة، وزيادة تسليط الضوء على مخاطر تلك الظاهرة. وترى فوزية عبدالستار، أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة، أن تغليظ العقوبة على كافة أطراف عملية الهجرة غير المشروعة بداية من الشاب إلى مكاتب التسفير والسمسار وصاحب المركب، يعد أمراً ضرورياً في تلك المرحلة لإيجاد حالة من الرهبة والخوف من خطورة مخالفة القانون، وهو ما تبحثه حالياً لجنة الاقتراحات والشكاوى بالبرلمان المصري.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©