الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم محمد إبراهيم: الشاعر طير.. والطير إما حرُّ وإما داجنُ

إبراهيم محمد إبراهيم: الشاعر طير.. والطير إما حرُّ وإما داجنُ
13 أغسطس 2009 02:24
شاعر يشبه ذاته، بهذه العبارة من الممكن اختصار الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم، شخصاً وشخصية. إنْ لم تتفق معه في الرأي فإنه يبقي دائماً على تلك المساحة الخضراء بينك وبينه، علماً أنه يطرح رأيه كاملاً غير منقوص وليس من دون ما يسند به قوله، فلا كلام على عواهنه. إنه الشاعر الذي لا يكتب إلا نفسه، بكامل أناقته ورصانته. ما يلي حوار معه: سأبدأ مباشرة، بصدد الشعر ما الذي يقلق إبراهيم محمد إبراهيم الآن؟ في الحقيقة ليس هناك أي قلق فيما يخص علاقتي بالشعر، فأنا ذلك الشاعر الذي لا يتعذب من غياب الشعر، فالقصيدة تأتي وتفرض نفسها من فكرة أو ذكرى أو حتى إحساس غير محدد المعالم، فإذا حدث ذلك فهذا يكون بمثابة الصاعق لإشعال فتيل القصيدة التي ما تلبث أن تبدأ. إن قلقي ليس مع القصيدة وإنما مع الكون؛ والناس ومع كل هذه الحيثيات التي أحياناً تجرّنا إلى ما لا نريد. ولا أريد أن أخوض في تفاصيل ولكن خذها هكذا بشكل عام سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية ... إلخ. هذا الحراك السريع جداً وهذه التغيرات المذهلة .. فما يقلقني هو هذا السؤال الذي يطرح نفسه عليّ: هل أسهمت، بوصفي شاعراً في تغيير ما؟ وأسأل نفسي: هل لي أدنى تأثير فيما يحدث؟ ويرتد إليّ الجواب مباشرة: لا. هذا ما يحزنني ويقلقني أنا بوصفي كائناً أيضاً. لست راضياً عن نفسي أن أكون هكذا شيئاً شكلياً، ربما رغماً عني أو ربما أنا لا أملك القدرة على إحداث هذا التغيير أو هذه المساهمة في تحويل مجريات الأمور نحو الأفضل. حتى على نطاق ضيّق وفي ما يخصني أشعر أنني مجرور من حيث لا أدري إلى حيث لا أدري. جعلتني أشعر أن هناك قلقاً ما على مصير الشعر فيما تقول، هل لهذا القلق ما يبرره؟ الأمر ليس بهذه السهولة أو هذا الاختصار، فإذا فكّرنا في مصير الشعر فهذا يعني أننا نفكر من خارج الدائرة، أما إذا بقينا داخل الدائرة، نحن كشعراء فالقضية تختلف، فأنا لا أستطيع أن أفكر من خارج الدائرة أبداً إذا كنت أتحدث عن الشعر، لا أستطيع أن أفصل نفسي عن هذه الدائرة وربما لو تسنى لي أن أخترق هذه الدائرة وأخرج منها ثم أسلط ضوءا عليها، فقد أستطيع أن أفند وأحلل وأحاول أن أجيب عن هذا السؤال الكبير الذي يتعلق بمصير الشعر. لكن لا أستطيع أن أخرج. قد أصف لك الحالة وأنا داخل الدائرة فقط. كنت أودّ لو تناولنا الأمر من زاوية أخرى وهي ابتعاد الجمهور عن الشعر بوصف ذلك ظرف تلقٍّ. فلم يعد الشعر، عموماً، جماهيرياً فيما أحسب، وبات يعيش عزلته الخاصة، هل توافقني الرأي؟ نعم، هذا صحيح، أوافقك تماماً في هذا الأمر، ودعني هنا أصنف الشعراء إلى ضربين: أولاً الشاعر طير، والطيور على ضربين: طير داجن وطير حرّ، أما الطير الداجن فهو ذلك الطير الذي لا يغني إلا إذا أُعلف وأُطعم، أما الطير الحرّ فهو ذلك الطير الذي يغني في كلّ الظروف، ويغني دونما مقابل، وإذا حزن أو فرح غنّى وإذا سكت فما هذا السكوت إلا الاستعداد للغناء، هو يغني لأجل الغناء وليس طلباً للعلف على العكس من الطيور الداجنة التي لا تغني إلا إذا تهيّأت لها ظروف الراحة، من هذا المنطلق الأزلي أقول إن الشعر بخير، ما دام هناك بكاء فهناك شعر، وما دام هناك فرح أو ألم بل ما دام هناك إنسان تجد شعراً. إذن، أنا لا أخاف على الشعر الحقيقي الذي ليس بشعر الطيور الداجنة. لكن، إذا سلّمنا بأن الشعر يعيش عزلته الخاصة، أليس حريّاً بالشعر العربي الذي دخل عبر السنوات الخمسين الماضية في استقطابات إيديولوجية حادّة فيعيد النظر في ذاته؟ هذا السؤال ينبغي أن يجيب عليه النقاد، لأنهم خارج هذه الدائرة، دائرة القصيدة والشاعر، هم أكثر قدرة على التحليل وطرح النصائح، أما بالنسبة للشاعر أو على الأقل بالنسبة لي، لا أعير الحراك الشعري الكثير من الانتباه، أنا، فقط، أغني وأقول ما أريد، بمنتهى التلقائية. تؤثر فيّ الأحداث والحراك ولكن لست أسيرا له، بل أقول ما أريد. الشاعر والألم للألم موقع مركزي في صنيعك الشعري، فماذا تقول؟ هكذا يقال.. لا أدري ربما أن بضاعتي حزينة وأن إحساسي بالحزن أعلى من إحساسي بالفرح، وهذا عندما أقرأ مسيرة حياتي منذ الطفولة. لكن لا تسألني لماذا فحتى أنا لا أدري لماذا أنا حزين. ربما للأمر صلة بأن في هذه المسيرة الزمنية من الحزن أكثر بكثير مما يدعو إلى الفرح، وهذا يفسر تلك المسحة من الحزن في معظم قصائدي حتى الغزلية منها. خلال الحرب الأخيرة على غزة، ربما كتبت الكثير، قصدت الألم الجمعي وحساسيتك الفائقة تجاهه؟ بل كيف تنظر إلى ما يسمّى بالالتزام؟ إنني ذلك الشخص الذي لا يفصل بين كيانه وكينونته كإنسان وبين كينونته كشاعر، إنني أعامل أبنائي كشاعر وزوجتي، بل ويؤخذ عليّ أنني أتعامل مع زملائي في العمل بشاعرية، فإذا كتبت قصيدة عن غزة، وبدا فيها شيء من الحزن فهو حزن حقيقي، وقبل غزة عن العراق وفلسطين في أحداث أخرى. بمعنى آخر أنا لا أنفصل عن واقعي، غزة بالنسبة لي ليست تلك التي تُشاهد على التلفاز ويُشاهد أطفالها قتلى وجرحى وجوعى وسوى ذلك، بل إن هؤلاء الأطفال هم أطفالي وهؤلاء الشيوخ هم بمثابة أعمامي وأخوالي، لا أدري ربما هي التربية الاجتماعية وليس السياسية، فأنا لم أربّ سياسياً أبداً، بل رُسخّت هذه العلاقة بفلسطين والعراق وشتى أنحاء الوطن العربي منذ الطفولة، وهذا ما كنت أسمعه من أمي ومن أبي، فلم أكن منفصلا عن هذه الأحداث إنها مرتبطة بطفولتي وتألمت لأجلها منذ كنت طفلاً، لكن، لم أشعر أبداً ومنذ أنْ بدأت بكتابة الشعر وحتى الآن أنني أكتب خارج ذاتي، إن ما أكتب يصدر عني بشكل تلقائي، أنا لست بشاعر مناسبات أبداً ولكن ثمة أحداثا تفرض نفسها عليّ فتخرج القصيدة، كمَن يُضرب ويتألم. هل تعتقد أن تجربتك الشعرية أُنصفت نقدياً؟ هنا لن أتكلم عن الإنصاف والإجحاف، غير أن معظم ما كُتب عن قصائدي للأسف حتى الآن لم يلامس أغوار ما كتبت، وإنما كان في بمثابة القراءة السريعة والتوصيف الخارجي والتصنيف الذي تحدثت عنه، أما ذلك الناقد الذي يغوص في أغوار ما كتبت، فلم ألتق به إلى الآن. هل ينطبق هذا الأمر على شعراء آخرين في الإمارات؟ أستطيع القول إن معظم ما كتب عن الشعراء في الوطن العربي هو من هذا الضرب. قلة هم الذين توغلوا في الشعر وأعطوه حقه. لكن هل المأزق شعري أم نقدي؟ أعتقد أن المأزق نقدي، وليس شعرياً أبداً، لأنّ القصيدة الرديئة تستحق التحليل على نحو علمي لكي يخرج هذا الناقد إلى أنها رديئة وهذا ما لم نره أبدا. نرى التصنيفات والقراءات السريعة . مَنْ المسؤول عن هذا الخلل؟ في حين أن الأكاديميات هي الأحرى بها إعادة قراءة المنجز الشعري؟ لا أريد تصنيف النقاد أيضاً إلى طيرين أحدهما داجن والآخر حرّ، لكن إن تكلمنا عن المبررات شأننا في ذلك شأن الرجل العادي فسوف نجد مبررات كثيرة ألخصها بمعادلة العيش والحياة فهل نحن نتعامل مع الشعر والأدب والثقافة إجمالا بمفهوم الحياة أم بمفهوم العيش؟ هل أكتب القصيدة كي أعتاش من ورائها؟ هل أكتب بوصفي ناقداً هذا الكتاب أو هذه الدراسة كي يضاف إلى رصيدي كتاب أو شيئاً من المال أم أنني أكتب لأنني أحب أنْ أكتب، فأمارس حياتي. ولكن نرجع مرة أخرى إلى أن ثمة نقادا رائعين لكنهم لا يجدون مَنْ يطبع لهم هذا الكتاب، لو أردنا أن نكون منصفين وكذلك هم الشعراء الذين بالمستوى والحال ذاتيهما. الشعر والعالم الافتراضي لديك موقع إلكتروني خاص بك، هل تعتقد أن هذا العالم الافتراضي قام بزيادة مساحة التلقي بالنسبة إليك؟ بلا شك لقد وسّع من شريحة القرّاء والمحبين للقراءة والثقافة، أو أنّه سهّل عليهم التواصل مع الكلمة ومع الفكرة، ولكن يشوب هذه الوسيلة بعض الشوائب المتمثلة في هذه الفوضى، فالمجتمعات المنظمة لا يُخشى على الأفراد فيه لأن الفرد عندما يفتح جهاز الكمبيوتر يعرف إلى أين هو ذاهب ولكن الفرد في المجتمع الفوضوي هو الذي يفتح الكمبيوتر ثم يذهب إلى الإنترنت من الذهاب إلى الإنترنت دون غاية مسبقة، فيسوقه الإنترنت إلى مطارح لم يكن ليفكر فيها أبدا، وحتى الذين يدخلون إلى المواقع الأدبية فهم يمكثون فيها لخمسة دقائق ثم يذهبون إلى مواقع أخرى لأنه لا يدري ماذا يريد. لا شك أن شبكة الإنترنت هي نعمة للذي يعرف كيفية التعامل وهي نقمة ومضيعة للوقت للذي لا يعرف. لقد زادت من مساحة الشعر والأدب باللغات كلها، لكن هل زادت من عدد محبي الشعر؟ أعتقد أنه بالنسبة للذين لم تكن علاقتهم بالشعر ليست وطيدة قبل الإنترنت هل توطدت الآن؟ أنا أشك في ذلك. فالأمر لا علاقة له بالوسيلة إنما بالتربية. دعني أسأل هنا، هل عادة الكتابة لديك بعادة القراءة؟ إن القراءة لديّ أقرب إلى المزاجية، أنا لست ممنهجاً في القراءة أبداً، أنا ممن إذا جاع أكل وإذا عطش شرب، وإذا أحس أنه يريد أن يتنفس بشكل جيد يخرج من البيت إلى البر أو البحر لكي يستنشق الأكسجين، ورغم ذلك فأنا كثير القراءة لأنني ربما أجوع كثيراً وأعطش كثيراً، وأشتاق إلى الهواء كثيراً. قرأت في الشعر والنقد والسياسة والفكر والقانون لكن متى وكيف؟ أنا مستسلم لمزاجيتي في هذا الأمر لأنني إذا أحسست بالرغبة في القراءة في مجال معين فإني لا أترك القراءة فيه حتى أشعر أنني قد اكتفيت إلى حدّ ما فتواتيني رغبة أخرى في القراءة في مجال آخر وهكذا. كيف ترى موقع الشعر في الإمارات قياساً إلى الشعر في البلاد العربية الأخرى؟، وأنا هنا لا أتحدث عن مراكز وأطراف بل عن فاعلية. لا ينفصل الشعر في الإمارات عن الشعر في سواها من الدول العربية الأخرى، فالتواصل بين الشعراء قائم سواء عبر العلاقة الشخصية أو عبر الكتب التي قد نعثر عليها في مكتبة أو في معرض للكتاب، فهي تجعل الشاعر يقرأ للكل، وهذا ما ينطبق على الشاعر في الأردن وفي مصر وفي المغرب، فنحن الشعراء العرب نقرأ لبعضنا البعض ونتأثر ببعضنا البعض. خذ مثلا الشعراء المغاربة الذين ينهلون من الأدب الفرنسي ويتأثرون به أكثر، فتجد هذه العدوى/ التأثر قد تنسحب بشكل أو بآخر إلى بقية الشعراء في الدول العربية، أي أننا نتأثر بما يتأثرون به عبر التواصل. وعلى مستوى الشكل، تجد هنا شعراء يكتبون النثر وآخرين يكتبون التفعيلة والعمودية، شأننا شأن أي بلد عربي، وبالنسبة للمضمون فهو يعتمد على الاشتغال الذاتي لكل شاعر وكيفية هذا الاشتغال ثم ما هي قراءاته وبمن يتصل من الشعراء العرب من خارج الإمارات ومع مَنْ يتواصل، بناء عليه ينعكس ذلك على كتابته الشعرية، لذلك أقول إن الحركة الشعرية هنا في الإمارات لا تنفصل عن الحركة الشعرية العربية، اللهم، إذا كان هناك ثمة اختلاف، فهو أن الشاعر هنا مقلّ في الإنتاج الشعري، ولا أدري لماذا، واحتاج إلى وقت من التأمل كي أجيب عن سؤال حول هذا التراخي لدى الكثير من الشعراء الإماراتيين. ورغم أنني أنفي عن نفسي هذه التهمة، بالمقابل فإن الكثرة لا تعني الجود والأفضل لكن أريد من الشاعر الجيد أن يُكثر من هذا الشعر الجيد ولا أقصد تكثيرا في القصائد التي تصير ركاما، لكن عندما نقارن حجم إنتاج الشعراء في الإمارات بما ينتجه الشعراء في البلدان العربية تجد أن الشعراء لدينا مقلّون في الكتابة. .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©