السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات الليل الملغوم

حكايات الليل الملغوم
15 مارس 2012
في ظل الأزمة التي تهدد قطاع السينما والانتاج الفني قدم المخرج علي رجب فيلمه الجديد “ريكلام” قصة وسيناريو مصطفى السبكي، والذي راهن فيه على وجوه نسائية هن غادة عبدالرازق ورانيا يوسف ودعاء سيف وانجي خطاب وعلا رامي وانعام الجريتلي بالاضافة إلى ضياء الميرغني وصبري فواز. والفيلم يعد التجربة الاكثر نضجا لمخرجه ومؤلفه وكذلك بطلاته اللاتي ظهرت كل منهن في أفضل حالاتها، ورغم ان الفيلم يدور في عالم فتيات الليل وكواليسه التي سبق وتناولتها العديد من الافلام المصرية والاجنبية كثيرا، فإن السيناريو جاء محكما ومتماسكا واستعرض بذكاء خلفية معظم الشخصيات في اشارات سريعة جعلت لكل واحدة عالما ثريا بالتفاصيل الصادقة، وربما يكون مأخوذا حقا من قصص واقعية كما تشير دعايته، ولكن الأفيش يبدو مقتبسا مثل معظم الافلام المصرية الاخيرة. وتدور الاحداث حول اربع نساء لكل منهن ظروف دفعتها للانحراف. البداية والبداية مع “شادية” أو غادة عبدالرازق التي ضاقت بالعيش مع زوج والدتها الذي يدفعها للعمل كخادمة في المنازل، ويأخذ كل ما تحصل عليه من جنيهات قليلة، ووالدتها لا حيلة لها. وتقرر “شادية” ان تترك الاسكندرية لتعيش مع خالتها وزوجها المتدين، لعلها تجد فرصة عمل افضل في القاهرة، ولكن زوج خالتها الرجل الطيب المتدين يعاني إهمال زوجته لرغباته وانصرافها للعناية فقط بالبيت والابناء، ويحاول التحرش بها. وتعود “شادية” الى منزل والدتها وزوجها بالاسكندرية وتضطر لقبول الزواج من تاجر مخدرات له زوجتان، وتحاول التأقلم مع حياتها وتضطر إلى ان تساعده كما تفعل زوجتاه الأخريان في ترويج المخدرات حتى يتم القبض عليه وعلى زوجتيه، وتنجو هي بسبب وجودها في منزل أسرتها. وتزداد ضغوط زوج امها عليها بعد ان عادت لتقيم معهم هي وابنتها الرضيعة “شهد”. ومرة أخرى تقرر السفر للقاهرة وتترك ابنتها في رعاية جدتها وتقبل العمل في احد البارات الصغيرة كفتاة “ريكلام”، تقدم الطلبات والمشروبات وتجالس الزبائن وفي النهاية تلبي رغباتهم. مصادفة اما “دولت” أو رانيا يوسف فهي من أسرة بسيطة طحنها الفقر، ورغم ذلك تتمسك بحبيبها الشاب الفقير الذي لا يملك ما يكفي لاستئجار غرفة على احد الأسطح، وتبهرها الحياة المرفهة التي انتقلت اليها احدى صديقاتها والتي تصحبها معها في نزهة تدير رأسها في محال الملابس الفاخرة والعطور والمجوهرات، ثم تقترح عليها العمل معها في أحد الملاهي لتتمكن من توفير نفقات زواجها مقابل ان تجالس الزبائن، وتتناول الطعام الفاخر وتشاركهم الرقص فقط، وتسهل لها الطريق وتطلب منها ان تبلغ أسرتها بأنها تعمل في حسابات احد المستشفيات في وردية ليل، وهكذا تمضي بها الأيام حتى يقترب موعد زفافها وتفاجأ بصديقتها تطلب منها ان تقضي ليلة مع احد الكبار الذي يغرم بالعذارى، وسيدفع لها آلاف الجنيهات، وأمام رفضها تهددها بكشف الحقيقة لأهلها ولخطيبها. وتذهب “دولت” مع الباشا الذي يتركها في الصباح ويسافر لمتابعة أعماله بينما تلعب الميلودراما دورها حيث يطلب الباشا من احد العاملين لديه، وهو بالمصادفة خطيب “دولت” أن يوقظ السيدة التي في حجرته ويصرفها. وفي مشهد شديد التميز تنهار “دولت” بعد ان فقدت حلمها وعريسها وتحطمت حياتها، وتتحدث الصورة السينمائية بلا كلمات. استغلال أما “شكرية” أو دعاء سيف فهي تعيش في أسرة مفككة تضم ثلاثة اشقاء رجال جميعهم لا يعملون، واحدهم ملتح لكنه لا يعرف الصواب من الخطأ، والثاني مدمن ومغيب، بينما الثالث أشبه بالبلطجي لا يفعل سوى التعدي عليها بالضرب لمجرد خروجها لشراء طلبات المنزل بدعوى الخوف عليها ولكنه يرفض ان يفعل أي شيء آخر أو حتى الذهاب بنفسه الى السوق. وهكذا تجد “شكرية” الأمل في علاقتها بجارها الذي يقطن الحارة نفسها ويبادلها الحب ولكنه يطالبها بالصبر عاما آخر حتى يمكنهما الزواج، وعندما يتقدم لخطبتها يرفض شقيقها ويقف الحظ بالمرصاد لاحلام البسطاء فيتم القبض على شقيقها البلطجي الذي يطلب منها الذهاب الى احد المحامين الذي تربطه به صداقة، وبالفعل يتدخل المحامي والذي يعجب بـ “شكرية” ويطلب الزواج منها، ويرحب الشقيق البلطجي الذي يحصل على المقابل المادي الذي يرضيه. وتكتشف “شكرية” ان زوجها عاجز وتستسلم لحبيبها وتحمل “شكرية” من حبيبها ويصدم الزوج العاجز ويصر على اجهاضها ثم يطلقها، وبدلا من ان يعرض عليها حبيبها الزواج تفاجأ به يطلب منها ان تعمل معه كراقصة في الملهى الذي يعمل به كطبال لاستكمال نفقات الزواج، وهكذا تدخل ذلك العالم ويستولي حبيبها على كل ما جمعته من مال ويسافر. انتقام وتعيش “سوزي” انجي خطاب في مستوى اجتماعي راق، فهي ابنة لاحد رجال الاعمال الاثرياء وتربطها قصة حب بزميل لها في الجامعة يتقدم لخطبتها خاصة بعد ان عرف اسم والدها وثراءه، ولا تمر أيام حتى يتعرض والدها لأزمة مالية كبيرة يخسر فيها كل ما يملك ويتخلى خطيب “سوزي” عنها ويبحث عن عروس أخرى ثرية، ولا تجد والدتها (مادلين طبر) سوى شقيقتها (ايناس مكي) لتبحث لها عن مخرج لتلك الازمة، فتقترح عليها العمل هي وابنتها في النادي الصحي الذي تديره. وتكتشف الأم ان النادي الصحي ما هو الا غطاء ولكنه في الحقيقة وكر للدعارة، وعندما تحاول الهرب هي وابنتها تطمئنها شقيقتها بأن الابنة بعيدة عن تلك الأعمال، اما الأم السيدة الثرية الارستقراطية فتقبل ببساطة أن تنخرط في عالم الرذيلة. ويظل دور “سوزي” هو مجرد القيام ببعض الأعمال الإدارية الخاصة بالنادي الصحي، ومن خلال عملها تشاهدها “ليالي” علا رامي في دور شديد التميز ادته باسلوبها الخاص وهي سيدة تتصيد الفتيات وتجلبهن للعمل في احد الملاهي الشهيرة كفتيات “ريكلام”، وتحصل في المقابل على نصف ما يتقاضين بينما يحصل صاحب الملهى على ربع العائد. وهكذا تمضي الاحداث لتصبح الفتيات الاربع هن العنصر الرئيسي لزبائن الملهى وتجمعهن صداقة ويقررن التخلص من “ليالي” التي تفرض سطوتها عليهن وعلى صاحب الملهى، ولكن “ليالي” تتوعدهن بالانتقام وهو ما يحدث بالفعل حيث تدبر لهن خطة ويتم القبض عليهن في قضية واحدة. كواليس يحسب للسيناريست مصطفى السبكي انه قدم تفاصيل وكواليس ذلك العالم بعيدا عن الابتذال، كذلك عنايته بالخلفيات والتفاصيل الخاصة بكل شخصية فلم يظهر فتيات “الريكلام” على انهن ضحايا للرجال فقط، بل اختار نماذج واقعية تبرر انزلاق الرجال مثل زوج الخالة الرجل المتدين الذي يعاني هجر زوجته وعدم اهتمامها برغباته، وحتى رجل الاعمال الثري “طارق بك” صبري فواز الذي يتعرف على “شادية” غادة عبدالرازق ويقضي معها عدة ايام، ويغدق عليها بالمال ويشعر معها بذاته فهو رجل ناجح في عمله لكنه يتعرض لضغوط ضخمة في حياته الأسرية، بينما زوجته تدفعه بسوء معاملتها للبحث عن السعادة بعيدا ولكنه يحتكم لصوت العقل ويقطع علاقته بها حرصا على سمعته وسمعة عائلته وابنته العروس. نجح المخرج علي رجب في تقديم عالم فتيات الليل برؤية متوازنة ممتعة، وقاد فريق الممثلين والممثلات ليظهر كل منهم في افضل ادواره. واستطاع رجب ان يقدم فيلما ثريا بالتفاصيل ولكن بتناغم وايقاع سريع متدفق، ولجأ الى الفلاش باك ليقدم ملخصا لكل شخصية. وكعادته صور مدينته الاسكندرية بشاعرية وإحساس خاص فهي الاسكندرية التي لا يعرف جمال تفاصيلها غيره واجتاز المناطق الملغومة في عالم الرذيلة باسلوب فني راق. أدوار اداء غادة عبدالرازق جاء ناعما وصادقا لتؤكد انها تتألق طالما وجدت السيناريو والمخرج المناسب، وسجلت رانيا يوسف واحدا من اجمل ادوارها على الاطلاق، خاصة في السينما رغم اعتراضها واعلانها تبرؤها من الفيلم بسبب مساحة دورها لكنه دور ترك بصمة لا تنسى. وظهرت دعاء سيف وانجي الخطيب في اول بطولة لهما بشكل متميز يكشف قدرات وموهبة كل منهما، وتعد علا رامي مفاجأة الفيلم بادائها لدور “ليالي” المعلمة الثرية التي تتصيد الفتيات وتقودهن، وكذلك صبري فواز رغم مساحة دوره المحدودة لكن اداءه اضفى قدرا كبيرا من المصداقية على الاحداث. واستطاعت المونتيرة دعاء فاضل ان تحقق الايقاع السريع المتناغم والترابط بين نقلات الفلاش باك على الشريط السينمائي فجاءت المشاهد متدفقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©