الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هنَّ كذلك خيمة.. وغيمة

هنَّ كذلك خيمة.. وغيمة
15 مارس 2012
خيمة واحدة تكفي، غيمة واحدة تشفي، قيمة الأشياء في تأثيرها. شيء في الصدر يصفو وآخر يطفو وأشياء تتجاف وتتناف، وتمارس ربقة الحلم المجلل بالهوى والنوى والنوايا الحبلى. وفي المكان، تغتسل الطيور من أدران وأحزان وأوزان وبقايا تعب، لامس الأجنحة منسكباً في عميق الجذور.. من صهوة الفكرة من نخوة العِبْرة، من حرقة العَبْرة، من قُبله وقِبله، وسنبلة البدء واحتفاء العمر بالجمر، واحتمالات القدر المهيب، ساورت وغامرت، وخامرت، وتحاورت المدى، لعل الردى يخفف وطئاً ويزف ولا يسف، ويكف ولا يتف، ويمضي في الموقف الرهيب بلا نحيب.. فمنذ البدء كانت خيمة رخيصة فانشئت وترعرعت، وتفرعت، وتمادت في النشوء والارتقاء منضوية في الاحتواء مكتوية باللظى والتشظي، فإذا بها تتورَّم وتتبرَّم، وتتحزم بقماط النشوة المباركة، في خلوة تجلو عن كاهلها، صدأ وصدى، وتحف الوجه بموس التشفي، ثم تجلس عند قارعة طريق موحش في انتظار الخيل والليل، والبلبل الشادي عند فروع اللهفة، تجلس دامعة مدمية بذكريات وأمنيات، وتأملات زمن انتعل الفراغ المريع، وتمشى مبتهلاً متهللاً متسولاً فرحة الغامرة، متسللاً إلى حيث يسترخي قلب امرأة، راعفة بالتمني، ولعلَّ وعسى بحجم النجمة وسعة اللقمة المضمومة في كف أو فوق كتف.. برفيف خفيف رهيف، وشيء من أسيف المراحل المتراكمة الناجمة عن ركض وخض تجد هذه وتلك ما لا يراه النائم في الحلم.. حلم ليلة بؤس مقله ورحب، رحلة داهمها الطريق بحريق فتعالى صوت الغريق مستنجداً مستغيثاً ضارعاً صاغراً ولعلّ وعسى تكبر ولا تصغر تتسع ولا ترتدع، والخيمة العجيبة رهيبة نجيبة مهيبة ملتهبة بنشيج النسيج ولا شيء يرجع الصدى لأن المدى يزيل النمش بمساحيق التجميل ويعيد الصياغة ببلاغة البلهاء واللاأسوياء.. هذه وتلك تحطبان في الفراغ الوسيع وتحلبان ضرع النخلة لعلّ وعسى الماء يستوي إلى الجودي وتستقر العيون وتسمر الأتون في ليلة فارهة، منزهة من شوائب وخرائب وعجائب ومصائب وعواقب، ومثالب هذه وتلك تخضان وترضخان وتهتفان بالمجيء الجميل والشيء النبيل، وأشياء أشبه بفناء الأصيل، وقت يحمر قرص الشمس، ويحلو الهمس، ويسلو الحس، بنقوش ورتوش، وجزيل من فضيل المرحلة والفرحة المؤجلة والضحكة المستبسلة لأجل الفرار من نار وثلج وعار وسرج، ومدبرات أيام ومكفهرات أحلام وغابرات أنام.. هذه وتلك وضعن الخمار لأجل اعمار قلب ولا دوار درب، ولكن الهوى غدّار وفي النوى أسرار وما تبقى من فكرة تنفيها الجمرة، فما كان منهما سوى الصبر على القهر والمثول أمام الاندحار، بسوار من ذهب مغموس باللهب، ولميع الشهب، وهذه وتلك وهي هنا المكان الذي امتص السحاب بالعجب العجاب، ونطق باقتضاب عن ذهاب وإياب قلن ما لم يقله مالك في الخمر، وما لم يخضه إبن رشد حين تساوى عند الفكر بالكفر، متحدياً متوازييه ومتجاوزيه، معلناً عصيانه على المشي حافياً بلا قدرة أو نبرة.. هذه وتلك وهي، هن المخضبات المخصبات، بالرغبة الكامنة والرهبة المزمنة، والهيبة الممكنة، ورجفة الأطراف، وخفة الأعطاف، ورأفة الأكتاف، ونحافة الخصر، ورهافة النحر، هذه وتلك وهي، أشياء من وجوه الملائكة تحتفي دوماً بهوى الناعسات الكواكب وعشق الربيع المخضب بعشب الانتشاء الأصيل.. يقلن للعاشقين المنصفين، المدنفين، الغارفين من نجوع وربوع الغارفين في خنوع وقشوع، المبتهلين تلاوة، المكتوين غضاضة ومضاضة، ورمضاء وشعواء، وعشواء، وكأداء المستلبين دماً من سحيق وشهيق السادرين في فضاءات لفت لطيفها وغطت غطيطها وشطت شطيطها، واستمرأت الحنث والخبث.. هذه وتلك وهي مسافة ما بين الخطوتين شهقة ما بين اللحظتين نخوة ما بين الصبوتين، صبوة ما بين الصهوتين، وأفق يتألق بالحدق، والألق، ونخلة تراوغ حبة الرمل، لكي لا تجفو ولا تهفو، ولا تجف ولا تكف عن التداخل والتواصل، والتجمل من أجل حياة بلا جفاء وأمل بلا انتفاء.. هذه وتلك وهي نجمات على رؤوس الطير من زمن عاد وثمود لا وأد ولا وغد ولا رغد ولا زهد، كل ذلك كان ويكون شيئاً من تسكين العيون، وأشياء من المجون، وفنون من أفانين الجدب، والخطب، والكرب والصخب، وضجيج ذكورة مستفحلة، متأصلة، متسللة في الوريد والجريد، متوسلة فحولة الأضداد، متوارثة من الأجداد إلى الأحفاد، ومن ميلاد حتى آخر الاستبداد.. هذه وتلك وهي بعض من خفايا ومزايا لم تتضمن حرف نون النسوة، ولا جمع المؤنث السالم، بل هي خارج الحروف الهجائية بعيداً عن قائمة الأسماء والأفعال.. هذه وتلك وهي كأنهن طيف يهفهف بثوب الفرح، يرف بجفن الانتظار، لما سيأتي ويمزج “الغاف” باللحاف، ويكسو الهوى، بندى الصبح ممزوجاً بعِذاب الجرح، هن هكذا منذ حواء ومنذ الاستواء إلى التراب يسرجن خيول المرحلة بكل حفاوة ونافلة يقدن الجباه باتجاه بوصلة فاصلة متنصلة من حوصلة وسنبلة، متجذرة في العمق والحدق، منحدرة من أفق وشفق منكسرة ولا منكسرة، مستقيمة ولا مبتذلة، مستديمة في الذاكرة كالفكرة النابتة من بذرة، ونبرة.. هذه وتلك وهي من نخب نهد وعهد، ووعد، وسد وود، من سطوة الاحتمالات اللاهبة، من صحوة السؤال المنصوب ورهبة الإجابات الصاخبة من حاجبين دليلين على الاعتكاف في محاريب الرهبنة، ولاهوت التواري في خفايا النفس المتفاقمة، هن من كل ذلك، وذلك يكفي لأن يكن العماد والسداد والمهاد والوهاد والسهاد والتعب والغضب والشخب والمد والجزر والسُحرِ والسَحرْ، هن كذلك ويكفي أنهن من ضلع وجذع ومن نصل وفصل ومن نسل وأصل ومن شهقة وربقة، ومن ركض وحض، ومن نقمة ونعمة، وسقيم وعديم وأديم، وسديم، وجديد وقديم، هن كذلك لأنهن النيران والأحزان وأشجان والحان، ومساكن للإنس والجان، ومخابئ لحضيض ورضيض، هن في مسام الجلد ورعشة الكد والجد، وهن الرمش المظلل والمعلل، والمدلل، والمكلل بشيمة الجياد وقيمة المداد، وحكمة النجابة والمهابة. هذه وتلك وهي كلام الله في خلقه، وقدسية الجلالة، والسلالة، هن الزمن المؤزر بأحلام النجباء والنبلاء وهن الأرض المستديرة، على قمر وحجر، وجذر وهن الدعوة المستجابة، إذا ما تضرع متبل أو تجرع متسلب، أوتورع مجزع أو تذرع متوسل بأحلام تضيء ولا تسيء تسفر ولا تقتر، تجهر ولا تكفهر، تمزج الماء الفرات بالملح العجاج، وتطفئ اللغو والسهو، وتملأ وعاء القلب برفيف وتزيف وتهب الجسد، رأفة اللحظة الأخيرة.. هن كذلك لأنهن الخاصرة والخاطرة، وهن المنظر والقدر، والصفر والكبر، والسفر الطويل في رحاب وهضاب، وشعاب، وهن القدرة الفائقة عندما تحسوا الأفئدة رضابا وتلمس خضابا وتهش بلا طاقة ولا ناقة. هن كذلك المجال والمحال، والسؤال، وهن المدار والحوار، وهن الدوار والعلو والانحدار، هن المسار الذي يخفي النجوم في تخوم الأواصر، ويهب العاشقين رمق البدء، وهن الرغبة الممكنة حين تفوه الزوايا بريح ورائحة وفوح ونائحة وخطوة جارحة، تحرك المكامن والمساكن، وتشي بفضيلة التكوين وتلوين الحياة بأطياف وأسلاف وأهداف، ومناف تنفي الوجود لأجل بدايات تستولد الخلود وتحكي رواية الانعتاق من الفراق، ومن عذابات اللحظات المديرة.. هن كذلك يستدن فتربض فامتلكن فأشعن وتشعشعن فأسفرن عن سطوة وسيطرة واستيلاء وجلاء وبعض من بلاء الزمانية، لذته في الاحتواء، وأشهى ما يليه القوة في الانضواء، وأعظم ما يكونه نظرة فابتسامة فشهامة وعلامة عند الجبين، تشير إلى ورطة الهوى عند الأقدمين والآخرين هن كذلك لأنهن، الصرخة المجلجلة والدمعة المزلزلة والنظر المجللة، بدعج وعجيج وضجيج ونبرة تذيب الصخرة في الوادي وتمنح الكائنات رغبة الولوج في الأتون، والمجون، هن كذلك المنعمات بلحظٍ، ولمض وغمض، وفيض، ورمضاء الحرقات المنتهية عند حافة ومسافة ما بين العناق والفراق.. هن كذلك وكذلك دنوا إليهن لأنهن الترائب، وهن سلام الأرض، ووئام السماء، هن الرسالة المحفوفة بمخاطر الخواطر والنواظر والليل المحاصر بعلامات الاستفهام.. حول مقالة «المجمع الثقافي... أنشودة الكلام» عن المدينة والناس والكتاب حين فرغت من قراءة مقالة الأستاذ علي أبو الريش المنشورة في “الاتحاد الثقافي” يوم الخميس 1 مارس 2012 بعنوان “المجمع الثقافي... أنشودة الكلام”، لا أدري لماذا هامت الذاكرة بعيداً؟ فتذكرت تفاصيل علاقتي بهذا الصرح العملاق، عندما حملت كتاب “الاقتصاد بين الفكر والتطبيق”، الذي كنت قد استعرته من مكتبة المجمع الثقافي، لأعيده إلى المجمع المترامي الأطراف مالئ الفضاء الفكري والثقافي لهذه المدينة المنشغلة بأعمال ناسها الكثيرة والمتراكمة وطموحاتها المختلفة. دخلت رويداً رويداً وعلى جانبيّ مركز للمواهب ومكتبة للأطفال. وبدأت أتذكر أنا الجديدة في هذه المدينة الآتية من بلد عربي ماذا سأفعل؟ وكيف سأنسجم ؟ وأنا المهتمة بالحياة الفكرية والثقافية وهوائي وملاذي هو الكتاب. فكان هذا الصرح ضالتي. به هربت من الفراغ، وبدأت أكتشفه شيئاً فشيئاً، بدءاً من مكتبة الأطفال والتي أصبحت طفلتاي تداومان فيها وتقرآن ما يخطر في البال، إلى مركز الأطفال الذي ينمي المواهب المختلفة، إلى المعارض والندوات ومن ثم والأهم المكتبة الضخمة التي بدأت أعتمد عليها لكتابة بحث يخص المرأة الإماراتية خاصة والخليجية عامة، وبالفعل استطعت أن أنهل وبشغف من هذا النبع الصافي والغني بالمعلومات. ومن كثرة تعلقي بهذا المكان بدأت بمراسلة أصدقائي في بلدي، والتحدث عن هذه الظاهرة الفكرية والتي تجمع كل أشكال الفنون وتدعمها بكل قوة. ليس هذا فقط بل الأكثر عمقاً: هذه المشاريع الثقافية التي أخذها المجمع على عاتقه لبناء أرضية ثقافية تساعد البلد وناسها على رفع المستوى الاجتماعي للعلاقات الإنسانية. أخيراً أضم صوتي إلى صوت الكاتب علي أبو الريش بأن هذا المتحف والصرح الكبير هو تراث وخاصرة الثقافة في الإمارات العربية المتحدة.. ولكي تعانق النخلة السماء فلا بد لها من أن تمد جذورها عميقاً عميقاً في التراب. نبيلة أحمد علي باحثة في قضايا المرأة والمجتمع ـ أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©