فتّش عن الحق

«فتّش عن الحق، أصغ إلى الحق، علّم الحق، أحببْ بالحق، تكلمْ بالحق، دافعْ عن الحق حتى الموت».. إنه الشمس التي لابد أن تشرق وإن غابت . كل منا يعرف أن ما يفعله حق أم باطل، وحين يقول أحدنا عن الباطل إنه حق، فإنما يكذب على نفسه ويوهمها، لأن الحق لا يَخفى وإن أُخفي فإنه لا يموت لصحته وإحكامه، إنه الحقيقة. الحق في «مقاييس اللغة» نقيضُ الباطل، ثم يرجع كل فرع إليه بجَودة الاستخراج وحُسْن التّلفيق ويقال حَقَّ الشيءُ وجَبَ و»حق» الحاء والقاف أصل واحد، وهو يدل على إحكام الشيء وصحّته. يقول العرب: «إنك لتعرف الحَِقَّةَ عليك، وتُعْفي بما لدَيْكَ». ويقولون: «لَمَّا عَرَف الحِقَّةَ منّي انْكَسَرَ». ويقال حاقَّ فلانٌ فلاناً، إذا ادّعى كلُّ واحد منهما، فإذا غَلَبَه على الحقِّ قيل حَقَّه وأحَقَّه. ويقال «لا تذهب بنفسك عن الحق» حين يكون الحق واضحاً جلياً ثم يُبتعد عنه وقيل عن علي بن أبي رافع، حيث قال: كنت على بيت مال عليّ بن أبي طالب وكاتبه، فكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة، فأرسلت إليَّ بنت عليّ بن أبي طالب؛ فقالت لي: إنه قد بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عقد لؤلؤ، وهو في يدك، وأنا أحبُّ أن تُعِيرَنيه، أتجمل به في يوم الأضحى. فأرسلت إليها: عارية مضمونة «أي مُؤدّاة يجب ردُّها إجماعاً مهما كانت عينُها باقية، فإِن تَلِفَت وجبَ ضمانُ قيمتها»، مردودة بعد ثلاثة أيام يا بنت أمير المؤمنين. فقالت: نعم! عارية مردودة بعد ثلاثة أيام. فدفعته إليها وإذا أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه؛ فقال لها: من أين جاء إليكِ هذا العقد؟ فقالت: استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين؛ لأتزين به في العيد، ثم أرده. فبعث إليَّ أمير المسلمين فجئته؛ فقال لي: أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع؟ فقلت: معاذ الله أن أخون المسلمين! فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم! فقلت: يا أمير المؤمنين؛ إنها بنتك؛ وسألتني أن أعيرها العقد تتزين به فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة على أن تردَّه سالماً إلى موضعه؛ فقال: رده من يومك، وإياك أن تعود إلى مثله؛ فتنالك عقوبتي. ثم قال: ويلٌ لابنتي! لو كانت أخذت العقد على غير عارية مردودة مضمونة، لكانت إذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة. فبلغت مقالته ابنته، فقالت له: يا أمير المؤمنين؛ أنا ابنتك وبضعة منك، فمن أحق يلبسه مني! فقال لها: يا بنت أبي طالب؛ لا تذهبي بنفسك عن الحق! أكلُّ نساء المهاجرين والأنصار يتزينّ في مثل هذا العيد بمثل هذا! فردته إلى موضعه. البحتري: لمْ تَبلُـــغِ الحَــقَّ وَلَــمْ تُنْصـــِفِ عَيـــنٌ رَأتْ بَينــاً، فلَــمْ تَــذْرُفِ مِنْ كَلَــفٍ أنْ تَنقَضــي سَــــاعَةٌ يأتي بهـــــا الدّهْــرُ، وَلَمْ أكلَــفِ لا تَــدَعِ الأحْشَـــــــاءَ، إلاّ لهَــــا تَحَـرُّقٌ، ذاتُ الحَشـــَا المُرْهَــفِ يَضِيعُ لــبُّ الصّــبّ في لحظِهَــا، ضَيَاعَهُ فـي القَهـــوَةِ القَرْقَـــفِ وَصَفْـوَتــي الـرّاحُ وَسَـــاعٍ بهَـــا، فَدونَكَ العَيـشَ الـذي تَصْطَفـي أحلِــفُ باللـــه، وَلَــــوْلاَ الــذي يَعـرِضُ مـِن شَـــكّكَ لم أحلِــفِ أقْبَلُ مِـــــــنْ مُؤتَمَــــنٍ خَائِـــنٍ عَهْداً، وَلاَ مِـــنْ وَاعــدٍ مُخلِــفِ إذا الرّجَــالُ اعتَمْــتَ أجوَادَهــمْ، فاسمُ إلى الأشـــرَفِ، فالأشْــرَفِ إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae