السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

ابتهال: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "إليكَ إلهي"

ابتهال: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "إليكَ إلهي"
14 يونيو 2016 10:25
إليكَ إلهي إنَّني لعجولُ **** وإنِّي لمولايَ الكريم سؤولُ وقدْ جاءني عنهُ الحَديثُ بأنَّهُ **** جوادٌ غفورٌ جاءَ عنهُ رَسولُ وإنَّ رجائي فيهِ ما ذرَّ شارقٌ **** وما حانَ منْ شمسِ النهار أفولُ فواللهِ وجدي لاشفاً لِرسيسهٍ **** إلى حينَ يُدنيني إليهِ وصولُ كَلِفْتُ بهِ وجداً وأتلفَ مهجتي **** ودادُ لمنْ نفسي إليهِ تؤولُ نهاري نهارُ التَّالفينَ صبابةً **** وليلي إذا عزَّ الرَّجاءُ يطولُ إليكَ إلهي لا لغيركَ مرجعي **** وإنِّي بما قدْ رابَني لخجولُ وما حُجَّتي عندَ السُّؤالِ وحاجتي **** وماذا إذا حانَ الجوابُ أقولُ وإنِّي لا أدري بما اللهُ فاعلٌ **** إذا بانَ في آنِ الحسابِ ذهولُ سوى أنَّني أرجو نداهُ وجودهُ **** وأنْ يشملِ العبدَ الفقيرَ قبولُ إليك إلهي.. حالة صوفيّة خالصة تعبر عن محبّة نقيّة محمد عبدالسميع (أبوظبي) ها نحن أمام لاميّةٍ لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي ابتهال تتناسب موسيقاه السريعة مع لهفة سموّه؛ لأن يبثّ ربه همومه ونجواه، وهي في الواقع حالة نفسيّة وبلاغيّة أن تتناسب بحور الشعر مع غرض القصيدة، إذ يبدأ سموّه بنداء إلى ربّه، منتهياً بحرف الرويّ بما فيه من حزن وتحبب، حيث تلازمت الواو مع اللام لتشكّل موسيقى عذبة غاية في التعبير عن نفسية الشاعر الذي ينسى كلّ شيء بين يدي ربه. تنساب الأبيات بلطف، بما في صيغة المبالغة «عجول» من دلالة، إذ إنّها جاءت على وزن فعول، وكذلك سؤولُ، وكلّ ذلك يصبّ في الرجاء وقوّة البيت الذي هو انعكاس لنفس ملّت كل ما حولها وهي ترجو الله وتتذلل في حضرته عزّ وعلا، ويشرح لنا سموّه دون أدنى تكلّف مسوّغات ثقته بربّه، كيف لا، وهو الذي جاء عنه رسول يهدي الناس، وهو الغفور الذي كتب على نفسه الرحمة، ثمّ إنّ الرجاء لا ينقطع، إذ عبّر صاحب السمو عن ذلك بقوله البليغ: (وإنّ رجائي فيه ما ذرّ شارقٌ/ وما حان من شمس النهار أفول)، بمعنى أن الأوقات كلّها هي أوقات رجاء، وذلك إيمان المؤمن وثقته التي لا تنقطع بالله. ينتقل سموّه في أبيات القصيدة بألفاظ دالة، وتعبيرات ذات جرس قويّ مثل «رسيسه»، إلى حالة صوفيّة خالصة هي تعبير عن محبّة نقيّة لا يخالطها زيفٌ أو رياء، حيث قمّة العبادة ومعرفة الله أن يكون العابد أو المحبّ كلفاً بالله، وتلك هي المحبّة التي يعيش صاحبها أعذب الطقوس وأوسع الآفاق. «نهاري نهار التالفين صبابةً/ وليلي إذا عزّ الرجاء يطولُ»، بيت معبّر تتداخل فيه الصبابة وهي قمّة أو سنام المحبّة والصوفيّة بالخوف والوجل والانتظار، وهي دفقات تحيلنا إلى مكاشفة واضحة وصادقة لا لبس فيها أو غموض، فالخجل والتواضع والقلق والتدبّر وتأمل الحال المقبلة والحيرة في تصوّر يوم السؤال والحشر والموقف العظيم، كلّها صفات تجعلنا نزداد ثقةً بإيمان الشاعر وخوفه أمام رحمة الله الواسعة، ويكفي أن يحس القارئ أو متأمل النصّ بأنّ سموّه إنّما ينوب عنه ويتكلّم بلسانه ولسان حال جميع المحبين الذين يزهدون بما في أيديهم أمام رحمة الله الواسعة، بل ويختمون مخاوفهم بأنّهم وبالرغم من كلّ شيء يثقون بمحبة الله للناس وجوده، وهو الذي شمل الجميع بهذا اللطف، ويظهر لنا البيت الأخير في الابتهال كيف يريح سموّه قارئه بأنّه ومع كلّ هذه الثقة يظلّ يرجو الله ويطلبه أن يحظى لديه بالقبول. التقديم والتأخير جاء لغايات بلاغية، ولم يكن ثقيلاً أو متكلفاً عن صاحب السموّ، حيث لخّص بأقلّ الألفاظ الحال، فجاء الوعظ صافياً لا تنفر منه النفس وهي تعيش لحظات هذا الابتهال الذي تختلط فيه المخاوف بالثقة والرجاء. تسابيح سَبَّحْتْ باسمك المَجيدِ السَّماءُ **** وتسامتْ باسمكَ الأسماءُ يا عظيماً ويا حليماً وفَرْداً **** منْ عطاياكَ دامتِ الآلاءُ سَبَّحْتْ باسمك الحَميدِ البرايا **** وتَعالى إلى عُلاكَ الدُّعاءُ أحَدٌ واحدٌ سميعٌ عليمٌ **** كلُّ أمرٍ لَهُ إليكَ انتهاءُ ترزُقُ الطَّيْرَ دونَ سعيٍ وكَدٍّ **** باتِّكالٍ بهِ يكونُ النَّماءُ سبَّح الكَوْنُ كُلُّهُ لإلهٍ **** واحدٍ واجبٌ عليهِ الثَّناءُ أنزَلَ الكُتُبْ أرسلَ الرُّسُلْ أنبا **** وهدَى الناسَ آيةٌ والضِّياءُ حينما تُنْصَبْ الموازينُ يوماً **** لحسابٍ بِهِ يحينُ اللقاءُ عندها نَرتَجي منَ الله عفواً **** حينَ يأتي مُحمَّدٌ واللواءُ فاجعل المصطَفى شفيعاً وكنْ لي **** غافراً ذاك مطْلَبي والرَّجاءُ تسابيح.. الانسجام بين المعنى والشكل أبوظبي (الاتحاد) بما لبحر الخفيف من حزن ولطف، وبما لـ«فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن» من تأثير وهدوء وثقة، ينطلق صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مُقرّاً بما للألف المشبعة والهمزة من راحة في الوقوف والمدّ، مُقرّاً بمن سبّحت باسمه المجيد السماء، وتسامت باسمه عزّ وجلّ الأسماء، ولا شكّ في أنّ تأخير لفظة السماء التي هي فاعل في نحو اللغة، وتقديم الاسم المجيد، وبما يقتضيه فعل التسبيح، لفتة ذكيّة من لفتات سموّه التي اعتدناها في قراءة أبياته والتفاعل معها، إذ التقديم يفيد الأهميّة مثلما تفيد تاء الزيادة والألف في الفعل «سما» بقوّة الفعل «تسامت»، وهنا فنحن سائرون مع سموّه في همزيّته التي يمتدح فيها صفات ربّه العظيم الحليم الفرد صاحب العطايا والجود الذي تسبّح باسمه الحميد البرايا ويتعالى إلى علاه الدعاء. إنّ تكرار التقديم والتأخير في هذه الأبيات ليجيء الفاعل في آخر عجز البيت كقول سموّه (وتعالى إلى علاك الدعاءُ)، وكذلك في نهاية شطر البيت كقوله (سبحت باسمك الحميد البرايا)، لَيدّل على تصوّر سموّه المسبق ببلاغة الابتهال، الذي يمكن أن يكون بليغاً لا مجرّد ألفاظ جاهزة ووعظ كما يعتقد الناس، يقال دون تشويق أو حثّ، فهذه الفنون مهمّة لأن يتابع القارئ ما ينطوي عليه هذه الابتهال من أحزان. كثيرون يرون الابتهال كلاماً ساذجاً لا بلاغة فيه أو يخلو من الإمتاع، وللحقيقة فإنّ سموّه يكسر هذه القاعدة بهذه الفنون البلاغية، وفي السياق يعدد الصفات ويذكر المحاسن إذ إن الابتهال أيضاً فيه فائدة الوعظ والإخبار، ويجب أن يتوشّى دائماً بالرداء الطيب مثلما عليه أن يتدثر بما هو طيبٌ وجميل من القول والموسيقى والانسجام بين المعنى والشكل. يضعنا سموّه ببعض صفات ربّه، وهي عيّنة على صفات كثيرة يتفاعل معها سموه والقارئ، ومنها أنّ المنتهى إليه جلّت قدرته، وأنّ الطير تروح خماصاً وتجيء بطاناً، كما في الحديث الشريف الذي تناصّ معه صاحب السمو وعبّر عنه بالشعر، إذ كلّ المخلوقات مرزوقة، وكأنّ سموّه يريد أن يقول بأعلى صوته إنّ الجميع لو اتّكل على الله لرزقه من حيث يدري ولا يدري، وتلك صفات إيمانية يرتاح لها بنو البشر، وتشعرهم بكثيرٍ من الاطمئنان والعمل الواثق وعدم التزاحم في سبيل الحصول على هذا الرزق. إنّه الإله الذي أنزل الكتب وأرسل الرسل وينصب الموازين يوم القيامة ويوم يُعرض عليه الناس للحساب، يوم يكون اللواء وتكون الشفاعة بسيّد ولد بني آدم محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم. وفي النهاية، يطلب سموّه بالتحبب إياه الذي ابتدأ به الابتهال، أنّ يكون المصطفى شفيعاً له بين يديه سبحانه، والشفاعة حق، وهو مطلب الشاعر ورجاؤه على الدوام، وفي ذلك يكون الإيمان والحال التي لا تنقطع عراها مع الله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©