الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

بلدان نامية تشيخ قبل أن تصبح غنية

بلدان نامية تشيخ قبل أن تصبح غنية
6 ابريل 2018 20:25
قامت ماريوزا دا كونسيساو أباريسيدا بتدريس مادة الرياضيات والعلوم في المدارس العامة في البرازيل لمدة 27 عاماً، وهو ما يكفي للتقاعد على معاش كامل في أواخر الخمسينيات من عمرها. في العام الماضي، وبعد أكثر من عقدين، بعد أن أتمت عامها الـ80، تضطر إلى الانتظار في الصف أمام مراكز توزيع الطعام بالمجان، والمعروفة باسم بنوك الطعام. فقد أدت التزامات التقاعد في أسواق مضطربة إلى إفلاس حكومة ريو دي جانيرو، تاركةً أباريسيدا من دون شيكات المعاشات لمدة أربعة أشهر. وأحياناً ما تضطر إلى الغناء في الشوارع لجذب الانتباه إلى وضع المسنين الذين يُتركون بلا دخل يذكر. وتقول أباريسيدا: «إنه يحزنني أن أرى مدينة ريو التي أحبها في وضع كهذا». نظام المعاشات التقاعدية في البرازيل سخي بشكل غير عادي، ولكن ما يجعلها غير متوافرة للإنفاق على من يستحقونها، هو التحول الديموغرافي الذي من المرجح أن يؤثر على البرازيل وغيرها من الاقتصادات الناشئة لعقود قادمة، فزيادة معدلات العمر في تلك الاقتصادات مقارنة باقتصادات الدول المتقدمة تحتاج وقتاً طويلاً من تلك الدول الأقل دخلاً لتعديل أوضاعها، بما يتناسب مع زيادة أعداد المتقاعدين ولفترة طويلة. في جميع أنحاء أميركا اللاتينية وآسيا، أنتجت عقود من انخفاض معدلات المواليد وتزايد معدلات العمر عدداً أكبر من المتقاعدين مع عدد أقل من العمال، وهذا بالنسبة لصانعي السياسات يعد تحدياً كبيراً، حيث إن تكاليف التقاعد والرعاية الصحية لكبار السن تترك أموالاً أقل للتنمية الاقتصادية. شيخوخة السكان معروفة جيداً في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة، حيث أدى انخفاض معدل الخصوبة بعد طفرة المواليد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى تفوق نسبة العمال مقارنة بأعداد المتقاعدين، اضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة كانت غنية بالفعل مع وجود بنية أساسية. هذه ليس هي الحال في البرازيل. وقد ترك نقص المساكن المزمن كل مدينة كبيرة تنتشر فيها الأحياء العشوائية التي تعرف هناك باسم فافيلاس. ويقطع مترو الأنفاق في ساو باولو خُمس المسافة التي يقطعها نظيره في نيويورك، وذلك على الرغم من أن عدد سكان ساو باولو يزيد على عدد سكان نيويورك بنسبة تصل إلى 40%. وعلى صعيد آخر، يذهب أكثر من نصف مياه الصرف الصحي في المدينة من دون معالجة لإعادة استخدامه. أما في قطاع التعليم فيحصل الشخص العادي على ثماني سنوات تعليم فقط. لطالما كانت معالجة مثل هذه المشاكل المعوقة للنمو أولوية الحكومات المتعاقبة، لكن القوة المالية اللازمة لها تتآكل مقابل أوجه صرف أخرى تبدو أكثر إلحاحاً. فالنفقات التقاعدية تلتهم بالفعل 43% من الميزانية الوطنية للبرازيل، والرعاية الصحية حوالي 7%، في حين أن النفقات التي تمثل أهمية بالغة للتنمية الاقتصادية - التعليم والبنية الأساسية - لا تتجاوز نسبة النفاق عليها سوى 3% لكل منهما. ويتسع عجز الإيرادات في نظام الضمان الاجتماعي كل عام، مع تقلص نسبة العمال مقابل أعداد الذين يبلغون سن المعاش. وتتوقع الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050، سوف ينخفض عدد العمال المحتملين لكل متقاعد في البلدان النامية ذات الدخل الأعلى من المتوسط مثل البرازيل إلى 2.5 فقط مقارنة بـ 7 في عام 2015. لم تواجه اليابان مثل هذا النسبة في أعداد العمال مقابل المتقاعدين سوى من فترة قصيرة، ولديها الآن واحدة من أكثر الحكومات مديونية في العالم. وفي المملكة المتحدة والولايات المتحدة، استغرق الأمر 95 سنة و82 سنة على التوالي، لخفض معدلات المواليد من فوق ستة أطفال لكل امرأة إلى أقل من ثلاثة. وفي تركيا، استغرق هذا التغيير 27 عاماً، في البرازيل 26 عاماً، والصين في 11 عاماً فقط وصلت إلى تلك المعدلات. أصبحت شركات التصنيف الائتماني قلقة. وتشير تقديرات ستاندرد آند بورز إلى أنه ما لم تحدث تغييرات كبيرة في أنظمة التقاعد والرعاية الصحية الممولة من القطاع العام، فإن شيخوخة السكان ستساعد على دفع الدين الحكومي الصافي في أكبر الاقتصادات الناشئة إلى مستويات غير عادية، 307% من الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل، 274% في الصين، 262 % في روسيا، بحلول عام 2050. والخبر السار، كما يقول الخبراء، هو أن صانعي السياسة يمكنهم معالجة عجز الأمن الاجتماعي من زوايا مختلفة: يمكنهم رفع الحد الأدنى لسن التقاعد، وزيادة الأموال، وعدد السنوات التي يجب على العمال ضخها في نظام المعاشات، أو تخفيض العوائد. أما الأنباء السيئة فهي أن مثل هذه الإجراءات تضر بالمستقبل السياسي للقيادات التي تقدم على إعلانها. وتعد تكاليف الرعاية الصحية مرتفعة إلى حد كبير، وهذا أدى إلى نجاح البلدان الفقيرة في الحد من وفيات الرضع والأطفال. ويشكل الأطفال دون الخامسة الآن نسبة 2.9% فقط من الوفيات في البرازيل، مقارنة بـ 35% في عام 1976. أما الأمراض الناتجة عن أمراض الشيخوخة فتؤثر سلباً على الميزانيات بشكل كبير. ويقول لانت بريتشيت، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد الأميركية: «إجراء جراحة القلب المفتوح على رجل يبلغ من العمر 72 عاماً مكلف للغاية، ولا يمكنك أبداً التظاهر بأنه ستكون هناك فوائد إيجابية من هذا الشخص في المستقبل وبعد الجراحة». البرازيل، حيث الوظائف الرسمية نادرة خارج المدن، اختارت منذ سنوات أن تشمل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي كل السكان. وقال دستور عام 1988: «إن كل شخص لديه الحق في الحصول على الرعاية الصحية واستحقاقات التقاعد ويجعل من واجب الدولة توفيرها». يذكر أن العمال في القرى والمناطق التي تبعد عن المدن الرئيسة دفعوا حوالي 3 مليارات دولار كضرائب لصالح الضمان الاجتماعي للأشهر الـ12 حتى سبتمبر 2017، في حين بلغت استحقاقات المتقاعدين في تلك المناطق حوالي 36 مليار دولار. وتعاني ريو دي جانيرو التي يبلغ متوسط العمر بها حوالي عامين أكثر من معدلات الأعمار في بقية البرازيل، حيث يوجد 11% من السكان في سن 65 عاماً أو أكبر، فالمدارس والجامعات مغلقة بشكل دوري، والمستشفيات العامة تعاني من نقص دائم في الإمدادات. وفي وقت من الأوقات، في أواخر العام الماضي، قلة التمويل قلص عدد سيارات دوريات الشرطة في الشوارع للنصف. وتوقف الإنفاق الاستثماري من قبل الإدارة المحلية في ريو ترك العشرات من الأشغال العامة غير مكتملة ومتحللة بسبب المناخ الاستوائي، بما في ذلك محطات معالجة مياه الصرف الصحي، والطرق وتنظيف البحيرات ذات الرائحة الكريهة حول المرافق الأولمبية. وقال جوستافو باربوسا، مسؤول الإدارة المالية السابق في ريو: «إنه لا يعرف متى ستكون الدولة قادرة على استئناف مثل هذه المشاريع. أنا مضطر لدفع فاتورة خفيفة هنا كل شهر. لا بد لي أيضاً أن أدفع ثمن البنزين لسيارات الشرطة لتقوم بدورها في حفظ الأمن. ويجب علي أن أدفع الإيجار».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©