السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن حزم.. الفقيه المتعصب للحق

ابن حزم.. الفقيه المتعصب للحق
13 يونيو 2016 18:27
محمد أحمد (القاهرة) فقيه أندلسي، كتب في الحب وأحوال العشاق برقة وعذوبة، وجادل الفقهاء بحدة وعنف، فاجتمعت فيه صفات متناقضة، لين الطبع وسعة الأفق مع التشدد وسرعة الانفعال والتعصب لما يعتقد أنه الحق. ولد أبو محمد علي بن حزم الأندلسي في قصر بالأندلس عام 384 هـ وعاش ومات فيها، كان أبوه وزيراً للخليفة هشام المؤيد آخر الخلفاء الأمويين في الأندلس، شهد تمزق أجمل بلاد المسلمين، وأصبحت قرطبة عاصمة الدولة دويلة صغيرة، وانصرف أهلها عن اقتناء الكتب إلى حيازة الجواري، وتدنى قدر الكتاب والشعراء والمفكرين والإبداع المهرة وأهل الفنون وعلا قدر من دونهم. الأدب والفقه في هذا الجو المضطرب عاش ابن حزم 72 عاماً اشتغل خلالها بالسياسة والأدب والفقه والشعر ودرس الفلسفة والمنطق وعلوم الاجتماع والفلك والرياضة وعلم النفس، وصوَّر مجتمعه ورسم أعماقه ومفاسده ومظالمه، وانفعل بشدة في رفضه لهذا المجتمع. ترك أكثر من 400 مؤلف بين كتب طوال ورسائل قصيرة، ومنها «المحلى بالآثار شرح المجلي بالاختصار»، و«الإحكام في أصول الأحكام»، ورسالة في الغناء الملهي أمباح هو أم محظور»، ولم يكتف بالكتابة وخاض الصراع السياسي والمغامرات العسكرية. كان ابن حزم في الخامسة عشرة حين سقط الخليفة هشام المؤيد وُعزل أبوه من الوزارة وتمت مصادرة قصره وأمواله وتبقى للأسرة منازل قديمة انتقلت إليها ودور متفرقة في أرجاء الأندلس ومات أبوه بعد أربع سنوات وقد علمه كي يصبح وزيراً مثله. درس ابن حزم العلوم الدينية على مذهب الإمام مالك، وهو المذهب الرسمي للدولة الذي فرضه الأمويون، ولم يسمحوا لمذهب غيره بالوجود في الأندلس، وقال ابن حزم: «مذهبان انتشرا بقوة السلطان، مذهب أبي حنيفة في المشرق ومذهب مالك في الغرب». افتى ابن حزم بأن نظام الإيجار في الأرض الزراعية حرام، فأسرع كبار الملاك إلى الفقهاء، فأجمعوا على أن ابن حزم يحّرف في الدين ويناقض شيخه ابن داود الأصبهاني إمام أهل الظاهر. ورد على متهميه بهجوم عنيف، قال إن المزارعة هي عمل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يؤجر أرض خيبر وإنما تركها مزارعة بالنصف لزارعها، إذن فالمتبع هو القرآن والسنة لا قول أبي حنيفة ولا قول مالك لأنه لم يأمرنا باتباعها، ولم يسكت مخالفوه واتهموه بقصور في الفهم، وتصاعدت الاتهامات بينهما، والتف حوله الشباب والفلاحون لإعجابهم بآرائه. خشي الأمراء الثورة ضدهم فصادروا بعض أملاكه وأراضيه، فاضطر للرحيل إلى جزيرة أندلسية بالقرب من المغرب، التقى فيها بفقهاء الأندلس المهاجرين وعلماء ومفكرين وفقهاء من المغرب. بدأ الذين ناظرهم في مهجره الجديد يضيقون به، فقد كان أسلوبه في الجدل يوغر الصدور، ووصفه بعض أصدقائه «أوتي العلم، ولكنه لم يؤت سياسة العلم»، وقاده حماسه للمنهج الظاهري ورفضه للقياس وللاجتهاد بالرأي إلى الوقوع في التناقض. طلب منه صديق أن يكف عن الكتابة في الفقه حتى تهدأ الثورة ضده في الأندلس واقترح عليه أن يكتب عن الحب، فكتب ابن حزم رسالة عن أحوال المحبين وعلامات الحب سماها «طوق الحمامة في الألفة والآلاف»، وبسببها اتهمه الفقهاء بأنه يحرض على الفجور. موقف الإمام ابتعد عن الكتابة عن الحب، وكتب عن السياسة والتاريخ، وتناول موقف الإمام علي ومعاوية وكان له موقف مخالف للأئمة ولم يقبل آراءه أحد من السنة أو الشيعة وثاروا جميعاً عليه، فدعاه صديقه أمير «مايوركا» للإقامة عنده واشترط عليه ألا يشتغل بالسياسة. تعرض ابن حزم لمكائد المنتفعين من مناصبهم، واستطاعوا أن يؤلبوا عليه المعتضد بن عباد أمير أشبيلية، فأصدر قراراً بهدم دوره ومصادرة أمواله وحرق كتبه، وفرض عليه ألا يغادر البلدة وألا يفتي، وتوعد من يدخل إليه، وتوفي الإمام سنة 1064 م.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©