تسارعت جهود البنوك المصرية في اتخاذ تدابير اضافية لمواجهة غسيل الاموال بالتوازي مع جهود مماثلة تقوم بها وحدة مكافحة غسل الاموال في البنك المركزي المصري.
وتأتي هذه الاجراءات على خلفية تحركات متعددة - تم رصدها دوليا - تقوم بها عصابات الجريمة المنظمة في العديد من بلدان العالم وتستهدف غسل كميات هائلة من الاموال في بنوك الشرق الاوسط بالاضافة إلى ان قضية التنظيم الدولي للاخوان المسلمين - التي تم ضبطها مؤخرا- تضمنت عمليات غسيل اموال شملت تحويلات مالية عبر المصرف العربي الدولي - الذي يعمل وفق اتفاقية تاسيس خاصة- إلى شركات مملوكة لبعض كوادر الاخوان المسلمين حيث سارع مسؤولو المصرف العربي الدولي بابلاغ الجهات المصرية المختصة بعمليات التحويل التي اثارت الشكوك.
نماذج موحدة
وتم مؤخرا اخضاع العديد من الانشطة المصرفية لرقابة اجراءات مكافحة غسل الاموال بما فيها عمليات الاستثمار في الصناديق النقدية واعتماد نماذج موحدة تستهدف كشف هوية الاشخاص الذين يودعون اي مبالغ في حسابات مصرفية تخص الآخرين ورصد التحويلات المالية الواردة من الخارج إلى شركات او اشخاص ليس لديهم تاريخ مماثل في هذه التحويلات والابلاغ عن تحويلات بمبالغ كبيرة غير معتادة وغيرها من الاجراءات التي بدأت كافة البنوك المصرية في تطبيقها بانضباط وتحت رقابة مباشرة من وحدة مكافحة غسل الاموال في البنك المركزي المصري. واشترطت البنوك على الراغبين في استثمار اموالهم بالصناديق النقدية التابعة لها ان يكونوا مالكين لحسابات في البنك صاحب الصندوق للتعرف على ملفهم الائتماني وجميع المعلومات الخاصة بتعاملاتهم المالية. وتأتي هذه الخطوة في ضوء التطورات المالية العالمية والتي اصبحت معها ظاهرة غسل الأموال وتمويل الارهاب من الظواهر التي لها صفة العالمية واصبحت الشغل الشاغل لجميع الدول حيث ينعكس انتشار عمليات غسل الاموال سلبا على الاستقرار الاقتصادي والمالي والأمني لأي دولة ومن هنا كثفت مصر جهودها من اجل مكافحة هذه الظاهرة من خلال الدور الذي تقوم به وحدة مكافحة غسل الاموال بالتنسيق والتعاون مع مختلف الاجهزة الامنية والرقابية. ويرى محمود عبداللطيف ـ رئيس بنك الاسكندرية وعضو لجنة الالتزام بمكافحة غسل الاموال في منطقة حوض البحر المتوسط المعروفة باسم «فاتف» ان وحدة مكافحة غسل الاموال بالبنك المركزي المصري تلزم البنوك حاليا بتحرير استبيان دولي لمعرفة جميع الاجراءات التي تتخذها البنوك لمواجهة غسل الاموال وتمويل الارهاب وابرز جوانب الاستمارة والاستفسار عن هوية ملكية البنك وما اذا كانت هناك اسهم منه مطروحة في البورصة وهل لدى المؤسسة المصرفية التزام خاص من الادارة العليا بتعيين مسؤول التزام يضطلع بتنسيق برنامج مكافحة غسل الأموال والإشراف عليه بالإضافة إلى عدد كبير من النقاط التي تحدد مدى قدرة البنك وإجراءاته في هذا الخصوص وهو ما يضمن اظهار نقاط الضعف والقوة في هذا الموضوع وكيفية تطوير امكانيات البنك لمواجهة هذه العمليات المشبوهة. وقال ان البنك المركزي المصري رفع الحظر عن قيام البنوك بتأسيس صناديق استثمار نقدية بعد اكثر من عام على سريان الحظر الذي فرضه على عمل تلك الصناديق في مطلع العام 2007 اثر قيام مديري الاستثمار في هذه الصناديق بتركيز عملياتها على اوراق الديون الحكومية المرتفعة العائد والصفرية المخاطر بهدف تحقيق عائدات تفوق المحقق من صناديق الاستثمار الاخري غير النقدية.
وسائل جديدة
واشار إلى ان انشاء هذه الصناديق زاد في الفترة الاخيرة ومن الممكن ان تكون احدى الوسائل التي يلجأ إليها المحتالون لتبييض أموالهم خاصة ان أرباحها مضمونة ومخاطرها قليلة وان اشتراط البنوك بان يكون الاستثمار في هذه الصناديق النقدية عبر حسابات مصرفية من شأنه ان يدعم مواجهة عمليات غسل الأموال. ويؤكد علاء سبع ـ رئيس شركة بلتون للاستثمارات المالية ان صندوق الاستثمار النقدي الذي انشأته الشركة بالتعاون مع بنك القاهرة لا يمكنه الاستفادة من عملاء الشركة بشكل مباشر باعتبارها تقوم باعمال الوساطة المالية. وقال ان ادارة بنك القاهرة والقائمين على الصندوق بصفة عامة لن يقبلوا استثمار اي اموال في الصندوق الجديد من اشخاص ليست لهم حسابات داخل بنك القاهرة حرصا على مواجهة عمليات غسل الأموال التي يمكن ان تتم من خلال ضخ اموال في صناديق الاستثمار النقدية عبر اشخاص مشبوهين. ويوضح ان ادارة الصندوق ستشترط على من يريد الاستثمار ان يفتح حسابا بالبنك حتى تتم معرفة مصدر الاموال وجمع المعلومات الخاصة بالعميل بالشكل الذي يضمن ان تكون عملية الاستثمار آمنة وتحقق اشتراطات البنك المركزي المصري التي يشدد عليها في الفترة الأخيرة. ويؤكد ان جهود مكافحة غسل الاموال في مصر تلتزم بأعلى المعايير العالمية المتعارف عليها في هذا المجال؛ الأمر الذي يدلل عليه ندرة هذه العمليات مقارنة بدول اخرى كما ان كافة وحدات الجهاز المصرفي وبقية المؤسسات المالية العاملة في مصر خاصة تلك التي تتعامل مع بورصة الاوراق المالية تلتزم حرفيا بتعليمات البنك المركزي في هذا الشان ونظرا لحرص الجميع على مواجهة هذه العمليات المشبوهة التي تضر الاقتصاد القومي لأي بلد.
سوء توزيع الموارد
وتؤكد الدكتورة هالة السعيد مدير المعهد المصرفي وهو من مؤسسات البنك المركزي المصري أن أهم التداعيات السلبية لظاهرة غسل الأموال وتمويل الارهاب هي التأثير على كفاءة توزيع الموارد الاقتصادية حيث أن تسرب الأموال المغسولة للاقتصاد المحلي يؤدي الى سوء توزيع الموارد من خلال عدم استغلال المدخرات القادمة من أعمال غير مشروعة وبالتالي حرمان المجتمع من الاستفادة من الاستثمارات المنتجة وهو ما يؤدي الى اتساع الفجوة بين الموارد الاقتصادية المتاحة واحتياجات الاستثمار المحلي والتأثير على ميزان المدفوعات؛ حيث أن خروج الأموال المغسولة من الاقتصاد المحلي الى الدول الأخرى يؤدي الى زيادة العجز في ميزان المدفوعات وحدوث أزمة سيولة في النقد الأجنبي والتأثير السلبي على أسعار صرف العملات المحلية مقابل العملات الاجنبية كما يؤدي غسل الأموال الى تذبذب الاستقرار المالي داخل البورصات أو الاسواق المالية التي تستثمر بها تلك الأموال والتي يكون الدافع الرئيسي من وراء الاستثمار بها هو اتمام مرحلة معينة من مراحل غسل الأموال وبالتالي فهي تنتهي ببيع الأوراق المالية بشكل مفاجئ مما يؤدي الى انخفاض حاد في أسعار الأوراق المالية. وقالت إنه روعي في الضوابط الخاصة بمكافحة غسل الأموال الأخذ في الاعتبار المستجدات العالمية وترسيخ ماهو قائم بالفعل في الممارسة العملية بحيث يتم الالتزام بهذه الضوابط بكل دقة من قبل البنوك المصرية وفروع البنوك الاجنبية العاملة في مصر من حيث التعرف على الهوية والاوضاع القانونية للعملاء والمستفيدين الحقيقيين في نطاق فتح الحسابات ومزاولة العمليات المصرفية وغيرها من الالتزامات. ويجب على البنك عدم فتح حسابات وربط ودائع أو قبول أموال أو ودائع مجهولة أو بأسماء وهمية أو صورية كما يتعين عليه أن يتعرف على هوية العميل أو المستفيد الحقيقي والتحقق منها سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا بالاضافة الى التعرف على الغرض من التعامل وطبيعته.
عدد اليوم
