الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم الاقتصاد.. ومواكبة الواقع

12 يونيو 2016 23:24
من حيث الجوهر، هناك أربعة أنشطة مختلفة تحمل اسم «الاقتصاد الكلي». ولكن هذه الأنشطة لا يربط بينها في الواقع العملي، سوى رابطة محدودة نسبياً. وإدراك الفارق بينها، يساعدنا إلى حدٍ كبيرٍ، على فهم السبب الذي يجعل السجالات التي تجري حول دورة الأعمال التجارية، شديدة التشويش. وأول هذه الأنشطة، هو ما يمكن نطلق عليه لفظ «اقتصاد كلي المقاهي»، وهو باختصار ما نسمعه في المناقشات العابرة، ويدور عادة حول أفكار الحكماء الراحلين مثل فريديرك هايك، وهايمان مينسكي، وجون ماينارد كينيز. وهذا النوع لا يتضمن نماذج رسمية، ولكنه ينطوي على جرعة مكثفة من الإيديولجيا السياسية. ثانيها، هو «الاقتصاد الكلي المالي». ويضم اقتصاديين ومستشارين من القطاع الخاص، يحاولون ما يشبه قراءة الطالع، للتنبؤ بأسعار الفائدة، ومعدلات البطالة، والتضخم، وغيرها من المؤشرات. وهذا النوع يتضمن دوماً جرعة مكثفة من التخمين الشخصي. ثالثها هو، «الاقتصاد الكلي الأكاديمي». ويشمل تقليدياً أساتذة جامعيين يستخدمون بشكل يكاد يكون حصرياً، ما يعرف باسم «نماذج التوازن العام العشوائي الديناميكي) والمعروفة اختصاراً بحروف DSGE، وذلك منذ بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي. وعلى رغم أن الأكاديميين يصرون عادة على أن هذه النماذج، تصف البنية العميقة للاقتصاد المبنية على سلوك المستهلكين الأفراد، والأعمال التجارية، إلا أن معظم الناس خارج نطاق التخصص الاقتصادي، ينظرون إليها على أنها نوع من المزاح، حيث تتضمن الكثير من الافتراضات غير الواقعية، وجرعة مكثفة من الخيال، ولا تصمد لأي اختبارات إحصاء صارمة. أما رابعها، فأطلق عليه اسم «اقتصاد كلي الاحتياطي الفيدرالي»، فمؤسسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركية، كما هو معروف، تستخدم نهجاً انتقائياً يشمل كلاً من البيانات، والنماذج، ويعتمد على أخذ البيانات من مصادر مختلفة بدلاً من الاعتماد على بعض الأرقام المألوفة المتعلقة بالبطالة، والتضخم، ثم العمل بعد ذلك على تحليل المعلومات بعدة طرق مختلفة. ويتضمن هذا النموذج عادة جرعة مكثفة من الأحكام، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن الاحتياطي الفيدرالي هو الجهة المسؤولة عن صنع السياسات. والسؤال هنا هو: كيف يمكن لأربعة أنشطة مختلفة غاية الاختلاف، وتحمل الاسم نفسه «الاقتصاد الكلي»، أن تدعي أنها تدرس، وتفهم الظواهر نفسها؟ رأيي الشخصي أن «الاقتصاد الكلي الأكاديمي»، هو الذي أفشل، من حيث الجوهر، النماذج الثلاثة الأخرى، وهو ما يرجع في الحقيقة إلى أن نماذج الاقتصاد الكلي، بعيدة تماماً عن الواقع. ولأن «الاقتصاد الكلي الأكاديمي» معدوم الفائدة إلى أقصى حد، عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ -بما في ذلك التنبؤ بنتائج التغيرات السياسية- فإن ذلك تحديداً هو ما يجعل الصناعة المالية، غير قادرة على استخدامه في الأغراض العملية. وللأسف الشديد، اضطر الاحتياطي الفيدرالي، إلى الاعتماد على نفسه، في دراسة الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد الكلي في الواقع. ولكن من حسن الحظ أيضاً، أن هذا الوضع يتغير الآن. بعد أن قدم «جاستن وولفرز»، الأستاذ بجامعة ميتشيجان، والمعلق الاقتصادي الشهير، مجموعة من «السلايدات» في مؤتمر أكاديمي أقيم احتفاء بإنجازات أحد الأساتذة عن هذا التغير. وعلى رغم أن مدة تلك «السلايدات» كانت قصيرة، إلا أنها كانت دالة على التغيير الشامل، الذي يحدث في الوقت الراهن في مجال الاقتصاد الكلي. ويناقش «وولفرز» الكيفية، التي تتم بها الآن معارضة بعض من المرتكزات الأساسية لنظرية الاقتصاد الكلي الأكاديمية المعاصرة. ففكرة «التوقعات الرشيدة»، مثلًا، التي تقول إن الناس عادة ما يستخدمون نماذج ذهنية صحيحة للاقتصاد، عندما يقومون باتخاذ قراراتهم، تتعرض الآن للطعن من قبل كبار الأساتذة، الذين بات العديد منهم يبحثون عن بدائل لهذا الكلام. ولكن هذا ليس سوى البداية -فهناك تغييرات أكثر عمقاً من ذلك بكثير، قد تكون قادمة في الطريق. ويقترح «وولفرز» أن يركز علم الاقتصاد الكلي الجديد، على النظر إلى الواقع، بدلاً من اللجوء إلى افتراضات خيالية إلى حد كبير، ويدعو بالتالي لاستبدال «نماذج التوازن العام العشوائي الديناميكي» التي سبقت الإشارة إليها. وهو يقول إن الاقتصاد الكلي سيتم تخصيبه من قبل الحقول الأكاديمية الأخرى، مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، كما أنه سيشتمل على عناصر من علم الاقتصاد السلوكي. وسأذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. فأنا أعتقد أن علم الاقتصاد الكلي الجديد لن يكون عبارة عن أنواع جديدة من النماذج، أو أنه سيركز أكثر على الجوانب التجريبية، وإنما أرى أن هذا العلم سيعيد تعريف ما الذي يعنيه، مسمى الاقتصاد الكلي في الأصل. وحسب الإدراك السائد له، فإن الاقتصاد الكلي، يتعلق بشرح سلسلة من البيانات على الصعيد الوطني، مثل الوظائف، والناتج، والأسعار. وفي نهاية المطاف، أدرك الاقتصاديون أنهم كي يشرحوا مثل هذه الأشياء، فسيكونون بحاجة إلى فهم الأشياء الأصغر في الاقتصاد، مثل سلوك المستهلكين، والمنافسة بين الشركات، ودراسات الدينامية العملية، وتعديل الأسعار، والفقاعات المالية، والفروق بين العمال. وأخيراً، دعونا نأمل أن المزيد من علماء الاقتصاد الكلي، سيركزون على هذه الأشياء، بدلاً من اللجوء لاستخدام نماذج كبيرة ومبالغ فيها - ولكنها خاوية مع ذلك - لفترات الازدهار والركود. وعندما نفهم هذه الجوانب من الاقتصاد بطريقة أفضل، ستكون لدينا فرصة أفضل بكثير لاستيعاب الصورة الكلية. وإذا ما استمر هذا التوجه، فربما يكون للقصاصات والخلاصات التي يتوصل أبرز العقول اللامعة في حقل الاقتصاد، المزيد من الأهمية بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، والصناعة المالية، وربما أيضاً بالنسبة لمناقشاتنا التي تدور على المقاهي. *أستاذ المالية المساعد بجامعة ستوني بروك الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©