الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقويض نظام الحزبين

12 يونيو 2016 23:24
يجد الأميركيون صعوبة في تخيل إمكانية انهيار نظام الحزبين المعمول به في بلدهم. ومؤخراً قال الرئيس بارك أوباما «الديمقراطية تعمل، وهذا البلد يعمل عندما يكون لدينا حزبان، وعندما نكون جادين في محاولتنا لحل المشكلات». والحقيقة هي أن الديمقراطية، والبلد ذاته، سيُخدمان على نحو أفضل إذا ما بدأ الساسة في التصرف، كما لو أن كان هناك أكثر من حزبين، وهو ما قد يصبح عليه الحال فعلياً بعد انتخابات هذا العام. والغرباء من أمثالي، المتعودون على النظام البرلماني المتعدد، والحكومات الائتلافية، ليسوا هم الوحيدون الذين يرون أن الولايات المتحدة تسير نحو هذا النموذج. فمثلا، كتب «جيفري ساش»، الأستاذ بجامعة كولومبيا، هذا الأسبوع، بعد أن تصاعدت الدعوات لسيناتور فيرمونت بيرني ساندرز بالانسحاب من السباق الرئاسي، كتب يقول «بحلول عام 2020، من الممكن جداُ أن يكون قد أصبح لدينا أربعة أحزاب سياسية رئيسة: حزب يسار اشتراكي ديمقراطي، وحزب وسط، وحزب محافظ جناح يميني، وحزب شعبوي مناوئ للمهاجرين». وبينما يرى ساش إمكانية قيام أربعة أحزاب، فإني أرى إمكانية قيام خمسة: حزب للاشتراكيين بقيادة ساندرز، وحزب يسار وسط بقيادة هيلاري كلينتون، وحزب يمين وسط لحكام الولايات من أمثال جون كيش، وجيب بوش، والسيناتور ماركو روبيو، وحزب مسيحي محافظ بقيادة السيناتور تيد كروز، وحزب شعبوي ينتمي للجناح اليميني بقيادة ترامب. وسواء أكان العدد أربعة أم خمسة أحزاب، فالمؤكد أنه لن يكون اثنين، لوجود دوائر انتخابية ذات طبيعة متمايزة، وأيديولجيات متنوعة في المجتمع الأميركي، أكثر مما يستوعبه النظام الحالي الثنائي الحزبية. لكن الآلية السياسية، وسلوك المرشحين الرئاسيين، سيعتمدان باستمرار على النظام الحزبي، وقيوده الصارمة، حيث يتحتم على السياسيين الاصطفاف وراء مرشحي حزبهم، مهما كان رأيهم فيهم. وترامب خصوصاً، يبدو وكأنه يعتقد، وبعد أن أصبح على الطريق للحصول على تأييد الحزب الجمهوري، أن على باقي الجمهوريين أن يدينو له بالولاء. وفي الجناح الديمقراطي، يتوقع من ساندرز، على نفس المنوال، أن يؤيد هيلاري دون أي شروط مسبقة، للمحافظة على وحدة الحزب في مواجهة التهديد الذي يمثله ترامب. وفي أوروبا لا يعمل النظام السياسي، على هذا النحو بالطبع: فبعد الانتخابات البرلمانية، إذا ما احتاج الفائز أن يشكل ائتلافاً مع بعض الخاسرين لتأمين أغلبية برلمانية، فليس من الوارد أن الأحزاب التي جاءت مباشرة في الترتيب بعده ستصطف وراءه دون أن تتوقع شيئاً في المقابل. والمنظومة السياسية الأوروبية يمكن أن تسودها الفوضى، وأحياناً -كما في حالة إسبانيا اليوم- قد لا تكون هناك إمكانية لتشكيل حكومة عاملة في الأساس، ولكن حدوث مواجهة بين الفرع التشريعي والفرع التنفيذي من الحكومة، مثل ذلك الذي استمر طيلة ولايتي أوباما، فأمر مستحيل الحدوث. دعوني هنا أتخيل موقفاً افتراضياً، وهو أن ثمة انتخابات أجريت على النمط الأوروبي في الولايات المتحدة، شاركت فيها الأحزاب الخمسة التي اقترحتها، وأن حزب هيلاري فاز بأكثرية نسبية، وحل حزب ترامب الشعبوي ثانياً بفارق ضئيل، هنا يمكن لهيلاري من خلال التحالف مع حزب ساندرز الاشتراكي، أو المعتدلين من يمين الوسط، أن تحصل على أغلبية مطلقة. كما يمكن لترامب أن يتجاوز الحد، ويعقد صفقة مع المعتدلين، ومع اليمين الديني التابع لكروز، وينجح في تأمين الأغلبية متفوقاً على كلينتون وساندرز. إذا ما كان هناك شيء، يتعين على الانتخابات الحالية قوله لساسة أميركا، فهو أن النظام التقليدي آخذ في التداعي الآن، ولا حاجة لتغيير الدستور للتكيف مع واقع التعددية الحزبية الجديد: فعلى خلاف ما هو سائد في أوروبا، فستكون هناك فقط حاجة لإبرام صفقات الائتلاف، بعد التصويت التمهيدي متعدد الأحزاب، الذي يمكن للولايات المختلفة تنظيمه، بنفس الطريقة التي تجري بها الانتخابات التمهيدية لأحد الحزبين اليوم. بعد ذلك ستصبح الائتلافات الجاهزة الصنع، والشفافة، قادرة على المنافسة في الانتخابات العامة الفيدرالية. ليس هناك مانع من أن تتطور القواعد الانتخابية، إذا ما كان مثل هذا التطور سيقود إلى نتائج أفضل. والولايات المتحدة كما هو معروف بارعة في تبني الابتكارات التكنولوجية، وليس متوقعاً منها، والحال هكذا، أن تستبعد الابتكار السياسي من أجندتها. *كاتب ومحلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©