الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وحدة أوروبا.. جدل الإمكان والاستحالة

12 يونيو 2016 23:23
كان الاتحاد السوفييتي عملاقاً مرهوب الجانب على مسرح القرن العشرين. وهنا في مدينة برلين، التي كانت دوماً في قلب دراما القرن الماضي، ما زالت آثار هذا العملاق قائمة ومرئية في العديد من المواقع.. لكن ما حدث قبل ربع قرن هو أن الاتحاد السوفييتي، وبدون مقدمات، اختفى من الخريطة وكأنه لم يكن. برلين، مدينة «غير المتخيل»، شهدت أيضاً أدولف هتلر، المهرج الذي كان مثاراً للسخرية، لكنه جر العالم معه للهاوية في نهاية المطاف. لا مكان يمكن التأمل فيه حول كل ما يستحيل حدوثه، إلى أن يحدث بالفعل، أفضل من برلين. فالمؤسسات التي نشأت في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، من رحم المدينة التي تحطمت في نهاية الحرب، تترنح الآن، حيث نجد أن أهم مؤسستين من عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، الناتو والاتحاد الأوروبي، تتعرضان للتشكيك والسخرية، بعد أن بدأت قوى التفكيك زحفها. فخلال أقل من أسبوعين، ستصوت بريطانيا على الخروج من الاتحاد أو البقاء فيه. وأعتقد أن العقل سيسود على الجنون، وأن بريطانيا ستبقى في المكان الذي تنتمي إليه، أي القارة الأوروبية، دون التهوين من شأن الكارثة التي ستترتب على تصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد، فذلك قد يكون بداية النهاية له، بما سيتبعه من «تدافع سياسي»، وظروف ذلك تبدو ناضجة؛ فأوروبا تتحول باضطراد لتصبح قارة غير محبوبة، كما أن الحديث عن معجزتها بات مملاً من كثرة تكراره. وبالنسبة للرئيس الروسي بوتين سيكون تفكك أوروبا بمثابة انتقام ممتع لتفكك الاتحاد السوفييتي. وبالنسبة للسياسيين الشعبويين والمناوئين لأوروبا -وجميعهم من أصدقاء بوتين- فإن الخروج البريطاني يدشن موسماً مفتوحاً لخيالات التشظي. فرابط اليورو المستمر بدافع الحاجة، في مواجهة المنطق، قد يصبح واهياً بمجرد أن يتم تقنين التفكك. الدراما البريطانية، ستكون لها توابع يونانية بكل تأكيد، فإذا ما كان التفكك السياسي هو النظام السائد، فلماذا لا يتبعه التفكك الاقتصادي؟ والاضطراب المالي المصاحب لمغادرة بريطانيا قد يطلق شرارة عدوى مزعزعة للاستقرار. وعندما يستمر اللاجئون في التدفق إلى أوروبا، فإن السياسيين المناوئين للهجرة، من ترامب إلى لوبن، سيستفيدون من ذلك. لقد وصف ترامب الناتو بأنه منظمة «عفى عليها الزمن»، بينما تشتد الحاجة للناتو لحماية دول البلطيق من بوتين، فلولا وجود الناتو لكان بوتين قد التهم إستونيا بعد أوكرانيا. الخروج البريطاني سيكون مدمراً، ليس أقله لبريطانيا التي سينفض الاتحاد القائم بداخلها بين إنجلترا واسكتلندا، لكن كل خيط من نسيج البراجماتية، في «أرض الاستمرار» بامتياز، يؤشر على أن بريطانيا لن تلقي بنفسها إلى الهاوية. ومن مكاني هنا، بأرض «غير المتخيل»، لا أصدق أنه يمكنها فعل ذلك. منذ عدة أيام استمعت لهنري كيسينجر، أحد رموز السياسة الواقعية، يؤكد أن «الحاجة لتماسك عالم الأطلسي باتت أشد من ذي قبل». كانت ترافق كيسينجر الدبلوماسية سامانتا باور، سفيرة الولايات المتحدة في المنظمة الأممية، والتي تعد تجسيداً للمثالية التدخلية الليبرالية. الاثنان يشكلان ثنائياً غريباً، لكن وجودهما معاً في المحاضرة مثل شهادة على أن التزام أميركا الدولي والأوروبي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ما زال متماسكاً عبر طيف السياسة الخارجية الأميركية. فالسياسة الواقعية والمثالية تلتقيان على وحدة أووربا، و«غير القابل للتفكير فيه» على جانبي الأطلسي يجب أن يتم التصدي له، قبل فوات الأوان. *كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©