الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمد أركون المفكِّر نقدياً وجذرياً وصاحب مشروع

محمد أركون المفكِّر نقدياً وجذرياً وصاحب مشروع
13 يونيو 2016 11:20
إعداد: عصام أبو القاسم لا يمكن لأي استعادة لتجربة المفكر الجزائري الراحل محمد أركون (1928 2010)، في أيامنا هذه، أن تكون أمينة أو في كفاية تامة، ما لم تدرج رؤى وأفكار صاحب (تاريخية الفكر العربي الإسلامي، تُرجم إلى العربية 1986) في الإطار الواسع للأطروحات الفكرية التي حذرت ودعت إلى تدارك الوضع قبل أن تتفاقم الأمور في المشهد السياسي والاجتماعي الإسلامي، وتصل إلى ما يشهده نطاق واسع من الخارطة العربية الإسلامية من تفرقة وصراعات على أسس مذهبية وطائفية في الوقت الراهن. لقد نادى المفكر الجزائري بتطوير المناهج التعليمية في مستوياتها المختلفة، واستلهام وتبني المناهج الأنثربولوجية والتحليلية والتفكيكية المعاصرة، وقراءة التاريخ الإسلامي وفق المنهج النقدي والاجتماعي الذي يكشف «الهوامش والهوامل» ويشير إلى مكامن الخلل، وليس التاريخ بصفته الوقائعية والحدثية العمومية، كما هو سائد وشائع في المدارس والجامعات العربية منذ حين، وقد نادى أركون بكل ذلك حتى يُفهم الإسلام فهماً صحيحاً وبناءً، وحتى يتحرر العقل ولا يرتهن إلى الخرافات والأساطير والجهالات التي تغذي العنف والاستبداد وكراهية الآخر. وفي هذا الاتجاه دعا إلى تأسيس درس علمي جديد تحت عنوان «التطبيقات الإسلامية». وقد ظلت المقارنة على مستوى حركة الفكر بين الشرق «المتأخر» والغرب «المتقدم»، إن جاز القول، من الشواغل المركزية في مشروع أركون، الذي سيتطور لاحقاً ويدعو إلى تاريخ مقارن بين الأديان التوحيدية، بعد أن وجد ما وجد من قرائن مشتركة، في شيوعها وانتشارها وطرق تأثيرها على مجتمعاتها. شغل أركون بموضوع أطروحته (نزعة الأنسنة في الفكر العربي في القرن الرابع الهجري: جيل ماسكويه والتوحيدي نموذجاً). وراح يبحث، لأكثر من أربعة عقود تالية، عن إجابة عن سؤال مركزي هو: لماذا انقطعت حركة الفكر العربي عن مسارها الحيوي الذي استهلته في القرن الرابع الهجري؟ ما كان همّ أركون أو شاغله أن يثبت ريادة الفكر الإسلامي في النزوع إلى «الإنسانية»، هذا النزوع الذي عرفته أوروبا في القرن السابع عشر، ولكنه كرس وقته لمعرفة الإشكاليات التي أدت لانقطاع حركة الفكر العربي الإسلامي. لم يقنع أركون بمنظور المسلمين لتاريخهم، فهو منظور متعثر بالأيديولوجيا والأهواء المذهبية، كما لم يسلِّم بالتاريخ الذي كتبته حركة الاستشراق الغربية لهذا العالم الإسلامي، فهذه الحركة، بحسب رأيه، اكتفت بـ«النماذج التمثيلية» في تصويرها المشهد الاجتماعي والتاريخي وتركت العديد من الهوامش والأطراف المهمة. أكمل أركون، الذي يعتبر من الجيل النهضوي الإسلامي الذي برز حقبة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، دراسته الجامعية متخصصاً في اللغة العربية، ولكنه شاء أن يستهل مشواره الفكري باللغة الفرنسية، بعدما نال الدكتوراه في باريس وانتسب إلى مؤسساتها التعليمية. وحين سئل في أكثر من مناسبة أصرّ على أنه كتب باللغة الفرنسية لأنه أراد أن يصل برسالته إلى المفكرين الغربيين، وأراد أن يتلقى رداً منهم على ما يطرحه من رؤى وأفكار، انطلاقاً من موقعه كمفكر مختص في الفكر الإسلامي. بيد أن ما يبدو واضحاً في كتابات المفكر الحائز جائزة ابن رشد للفكر 2003، أن توجهه إلى «الفرنسية» جاء نتيجة لأعطاب لمسها في لغة الضاد، فهي لم تطور بعد الأدوات الإجرائية والمفاهيم الاصطلاحية والعلمية التي تمكنها من الإجابة عن أسئلة العصر، فالعربية التي لم يكن في وسع مفكري الفضاء الثقافي للبحر الأبيض المتوسط، التفكير والعمل من دون ألفاظها ومصطلحاتها في وقت سابق- كما يقول أركون- ما عادت تملك تلك الفعالية الأدائية في وقتنا الراهن. وحين شرع في كتابة رسالته للدكتوراه، وجد أركون أن مفهوم «الأدب» بات مقتصراً على النشاط الإبداعي (الشعر والقصة والرواية.. إلخ)، وهو ما عاد صالحاً للاستخدام وفق مفهومه العربي السابق، ولذلك اضطر إلى استخدام مصطلح جديد، وليد الجهاز المفاهيمي لهذا العصر، وهو «الإنسانية» كبديل أو مرادف لمصطلح «الأدب». في الندوات واللقاءات الإعلامية والجماهيرية في البلاد العربية حرص أركون دائماً على أن يقدم رؤاه باللغة العربية وفي بساطة ووضوح، ولكن أيضاً في حذر وانتباه، ولقد عبّر في الكثير من المقابلات الإذاعية عن خشيته من أن يُساء فهمه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©