السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الطوارق» يغزون شمال الجزائر بأباريق الشاي

«الطوارق» يغزون شمال الجزائر بأباريق الشاي
6 أغسطس 2009 23:57
يحظى الشاي الذي يعدُّه «الطوارق» بشهرة واسعة في الجزائر منذ عقود طويلة. وقد كان إعدادُه واستهلاكه يقتصر على الجنوب الجزائري حيث تتمركز قبائلُ «الطوارق» ولم يكن سكان الشمال يستهلكونه لبُعد المسافة التي تصل حتى إلى 2500 كم، وكان استهلاكه يقتصر على حالات قليلة لمواطنين يزورون الجنوب. وفي السنوات الأخيرة وصل الشاي الصحراوي أو شاي «الطوارق» إلى شمال الجزائر عن طريق عددٍ من الشبان الذين قرروا نقل نشاط إعداد الشاي «الطارقي» ذي النكهة المميزة، إلى مختلف المدن، وفي مقدمتها الجزائر العاصمة وبومرداس وباقي المدن الساحلية. واقتصر نشاطهم في البداية على عرض سلعتهم على رواد الشواطئ الجزائرية في فترة الصيف، وحينما لاحظوا مدى إقبال المصطافين عليها، قرر عددٌ هام منهم توسيع نشاطهم إلى باقي أيام السنة وعرض سلعتهم في أماكن أخرى تغصُّ بالناس ومنها الأسواق ومحطات الحافلات والحدائق العمومية. مذاق مميَّز أصبح منظر الشبان ذوي البشرة السوداء وهم يجوبون الشوارع والساحات والأسواق أو يتخذون لهم أماكن معلومة لعرض الشاي «الطارقي» أمراً مألوفاً في الجزائر العاصمة ومختلف ولايات الشمال، ويتزايد زبائنهم يوماً بعد يوم بالنظر إلى الأثر الطيب الذي يتركه مذاق الشاي الصحراوي في نفوسهم، يقول أحدُ الزبائن في منطقة «البريد المركزي» وهو يتناول كوباً صغيراً منه: «لقد سمعتُ بعض أصدقائي يتحدث عن شهرة شاي «الطوارق» ومذاقه الرفيع الذي يغري حتى السياح الأجانب، وحينما استهلكتُ أول كوب منه بدافع الفضول والرغبة بالاكتشاف، وجدتُ نفسي أعود إلى طلبه دائماً، ومهما اختلف معدُّوه، فإن مذاقه واحدٌ». ويضيف المتحدث كمن يكشف سرا: «هذا الشاي الذي نتناوله هنا في الشمال، يعدُّ ذا جرعة خفيفة مقارنة بالشاي «الطارقي» الذي يُحضَّر ويُستهلك في الصحراء الجزائرية، فهو هناك يكون مرَّ المذاق، قوي التأثير حتى انه يحرمك من النوم، أو يكون نصف حلو، أما في الشمال فهو يقدم حلواً لأن الناس لا تستطيع استهلاكه مرا كما في الصحراء». والبائع حديث السن، قال إنه طالبٌ جامعي في السنة الأولى بيولوجيا بجامعة «تُقرت» جنوب الجزائر، عمره لا يتعدى التاسعة عشرة، وهو يمتهن بيع الشاي في فترة العطلة الصيفية فقط لتدبُّر نفقاته الخاصة وكذا مساعدة أسرته الفقيرة، وأبدى رضاه عن عمله الذي يدرُّ عليه دخلاً يومياً محترماً، خاصة في منطقة «البريد المركزي» التي تغص بالحركة. عرضٌ جماعي في ولاية بومرداس الساحلية، 50 كم شرق الجزائر العاصمة، يتمركز حوالي 10 شبان قرب الشاطئ الذي يشهد إقبالا كبيرا للمصطافين في الفترة المسائية وبخاصة قبل غروب الشمس. ويقوم هؤلاء بنصب طاولاتهم ووضع سلعهم، وهي مجموعة أباريق نحاسية وموقد يعمل بالغاز وسِلل أو أوعية بلاستيكية مملوءة بالفول السوداني أو اللوز ومكسرات أخرى تُستهلك عادة مع الشاي، ثم يبدأون في تحضير الشاي «الطارقي» الشهير وما هي إلا دقائق حتى يكون جاهزا للاستهلاك، ويُفضل تناولُه ساخناً للشعور بأقصى درجة من النكهة والمتعة، ويعمل الباعة على إبقائه ساخناً عبر وضع الإبريق فوق نار هادئة باستمرار. ويكثر الإقبال على طلب الشاي الصحراوي أو «الطارقي» مع اقتراب الليل حيث تبدأ بعدها السهرة في الشاطئ والشريط الملاصق له إلى غاية منتصف الليل. ويقول الشاب رقادي مولود (36 سنة) من ولاية «تمنراست» الصحراوية، إنه يمتهن تحضير الشاي منذ سنوات بالجنوب، إلا أنه آثر الانتقال إلى بومرداس في شمال الجزائر منذ نحو سنة لتوسيع رزقه لاسيما حينما سمع أن شباناً آخرين سبقوه إلى ذلك وحققوا نجاحاً تجارياً لا بأس به. ويبدي «مولود» ارتياحه الكبير لظروف العمل في هذه المنطقة وللإقبال المكثف للزبائن على الشاي الصحراوي ويحمد الله على تحسن ظروفه المعيشية، وليس هناك شيء ينغص عليه عيشه سوى البُعد عن عائلته، ومع ذلك فهو يرفض جلبها للعيش في الشمال ويفضل بقاء أبنائه في الجنوب ليشبُّوا وسط عشيرتهم ويبقون محافظين على العادات «الطارقية» وهو نفس الموقف الذي اتخذه باقي زملائه المتزوجين الذين يرون في شمال الجزائر مصدراً للقمة العيش وليس للنزوح والاستقرار كما يفعل باقي سكان المدن الداخلية. زبائن دائمون نصب الشاب عليلي محمد من ولاية تمنراست طاولته غير بعيد عن مولود، ويقول إنه يقضي عامه الرابع ببومرداس: «الناس بدأوا يألفون شاينا، وقد أصبح لنا زبائن دائمون، إلا أن العمل في فترة الصيف يقل مقارنة بفترة الشتاء». ويسرد معاناته حيث كان يقيم في خيمة على شاطئ البحر رفقة مجموعة من زملائه الذين جاؤوا من الصحراء، يقول: «كنا نعاني بردا شديدا لم نألفه في الجنوب، ولكننا كنا مجبرين على الصبر والتحمل في سبيل لقمة العيش، والحمد لله أن الأوضاع تحسنت كثيراً وأصبحت ظروف العمل مريحة والإقبال معتبراً مما مكَّننا من كراء بيت نقيم فيه جماعياً، كما أن الشرطة والسلطات المحلية بدأت تتفهم ظروفنا». وكانت الشرطة من قبل تمنع هؤلاء الشبان من ممارسة تجارتهم بطريقة فوضوية لا يخضعون فيها للضرائب، مما جعل الكثير منهم يحتال على الأمر بالتنقل من مكان على آخر باستمرار كالباعة المتجوِّلين، إلا أن القبضة الحديدية خفَّت فيما بعد، وأصبحوا الآن ينصبون طاولاتهم دون التعرض لملاحقة، إلا أن بعضهم يتمنى تسوية وضعيته واكتساب سجل تجاري يمكِّنه من ممارسة مهنته بشكل قانوني. منافسة غير متكافئة يرى الزبائن أن الشاي الصحراوي أو «الطارقي» ذو مذاق مميز لا يمكن تقليدُه، ولذلك يحرصون على استهلاكه لدى الشبان الصحراويين ذوي البشرة السوداء تحديداً، مما جعل الإقبال يقل على الشاي «العادي» الذي يُقدَّم في المقاهي قليلا، كما أن هناك شباناً من الشمال نصبوا بدورهم طاولات للشاي غير بعيد عن نظرائهم من الجنوب إلا أن الإقبال عليهم قليل. ويقول الشاب سفيان حمزاوي، عامل بـ «دار الثقافة» ببومرداس، إنه أصبح مدمناً على الشاي الصحراوي ولا يترك يوماً يمر دون أن يتناوله لدى باعة معيَّنين، وليس هناك شايٌ آخر يضاهيه. ويقول زبون آخر إن سكان الشمال الجزائري كانوا مدمنين على القهوة وحدها بإفراط، أما الآن فإن الشاي الصحراوي أصبح المنافس الأول للقهوة برغم قلة بائعيه ومحدودية انتشاره، وهو أقل ضرراً منها وأكثر نفعاً، ويضيف: «شخصياً أفضل إدمان الشاي الصحراوي على إدمان القهوة الذي لا يورِّث سوى العصبية والقلق»
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©